في خطوة مفصلية ضمن مسار الحرب الروسية الأوكرانية، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجومًا لفظيًا غير مسبوق على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مانحًا موسكو مهلة 50 يومًا للتوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا أو مواجهة عقوبات تجارية عاصفة، في حين أعلن دعمًا عسكريًا مباشرًا لكييف. فهل بات العالم أمام مواجهة مفتوحة بين القوتين النوويتين الأكبر؟

 

لماذا صعّد ترامب لهجته ضد بوتين؟

 

كان ترامب قد وصف بوتين سابقًا بـ”الذكي” الذي يحافظ على وعوده، لكن انتقاداته الأخيرة واتهامه بالخداع، تعكس خيبة أمل واضحة وانقلابًا في نهجه الشخصي والسياسي. فما سبب هذا التحول المفاجئ في خطابه؟

 

يقول الباحث والمحلل السياسي الروسي ديميتري بريدجيه، في حديث مع وكالة ستيب نيوز: “إن تصعيد ترامب لا يُقرأ كتحول مفاجئ، بل هو نتيجة تغير التوازنات السياسية والاستراتيجية داخل الولايات المتحدة وخارجها”.

ويوضح: “ترامب، رغم خلفيته البراغماتية وحرصه سابقًا على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع موسكو، يجد نفسه اليوم أمام ضغوط متزايدة من المؤسسة العسكرية، ومن الدولة العميقة الأمريكية، إضافة إلى مجموعة من الجمهوريين المتشددين دينيًا الذين يرون في روسيا التهديد الأول للهيمنة الأمريكية والغربية.”

 

وأضاف أن تصعيد ترامب يحمل رسالتين واضحتين: الأولى إلى بوتين بأن الرهان على التفاهم الشخصي لم يعد ممكنًا، والثانية إلى حلفائه في الناتو وداخل أمريكا بأنه قادر على تبني مواقف صارمة إذا استدعت الظروف ذلك.

 

لكنه شبّه ترامب بالأسواق المالية (البورصة أو الفوركس)، موضحًا: “يومًا لديه إحساس معين وفي اليوم الآخر يتغير، وهذا يسبب الكثير من الإرباك في السياسة الدولية التي تحتاج إلى وضوح واستراتيجية طويلة الأمد، تمتد لخمسة عشر أو ستة عشر عامًا على الأقل.”

هل ستستجيب روسيا لمهلة الـ50 يوماً التي حددها ترامب؟

هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على أي دولة تتعامل مع روسيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال 50 يوماً، وسط تساؤلات عن جدية هذا الإنذار وقدرة موسكو على الرضوخ لمهلة أمريكية بهذه الطريقة.

 

يرى بريدجيه أن روسيا تدرك تمامًا أن الولايات المتحدة لا تسعى فقط إلى تعديل سلوك موسكو، بل إلى إعادة صياغة البيئة الأمنية في أوروبا الشرقية برمتها. لذا فمن غير المرجح أن تستجيب لأي مهلة أمريكية تفهمها كإنذار أو فرض وصاية سياسية.

 

ويقول: “بل على العكس، قد تتجه موسكو إلى تعزيز موقعها في شرق أوكرانيا، خاصة في مناطق الصراع الرمزية مثل القرم، كرد ضمني على هذا الإنذار.”

 

وأضاف أن “واشنطن، في حال انقضت المهلة دون استجابة روسية، قد تلجأ أولًا إلى تشديد العقوبات على قطاعات حيوية مثل الطاقة والتكنولوجيا، لكن إذا استمر التصعيد العسكري الروسي، فمن المحتمل أن تتجه أمريكا نحو خطوات عسكرية محدودة كإمداد أوكرانيا بأنظمة هجومية متقدمة أو حتى فرض مناطق حظر جوي جزئي غرب البلاد، في إطار استراتيجية ردع لا تصل إلى مستوى الحرب المباشرة.

 

إعلان الدعم العسكري لأوكرانيا.. هل نحن أمام معركة “كسر عظم”؟

في تحول مفاجئ عن خطابه السابق الداعي للتهدئة، أعلن ترامب دعمه العسكري المباشر لأوكرانيا، متوعدًا موسكو برد قوي. فهل يعني ذلك أن مساعي الحل السياسي قد فشلت؟

 

يؤكد بريدجيه أن تصريح ترامب عن دعم عسكري مباشر لأوكرانيا هو تحول لافت، يعكس إما وصول مسار التفاوض إلى طريق مسدود أو إدراكًا أمريكيًا متأخرًا بأن موسكو ماضية في استراتيجيتها طويلة الأمد لتفكيك الهيمنة الغربية شرق أوروبا.

 

ويقول: “يمكن القول إننا أمام بداية مرحلة ‘صراع القوى العظمى’، لا مجرد استعراض قوة. هذه المرحلة لن تكون حربًا أمريكية روسية مباشرة بالمعنى التقليدي، بل حرب استنزاف متعددة الطبقات، تستخدم فيها واشنطن كل أدوات التدخل السياسي والاقتصادي والعسكري عبر أوكرانيا لإضعاف روسيا ومنعها من فرض واقع جديد بالقوة.”

 

وأشار إلى أن هناك أيضًا تصعيدًا في ملفات أخرى مثل بريدنيستروفيا (ترانسنيستريا)، إضافة إلى مشاكل دبلوماسية بين روسيا وأذربيجان وأرمينيا، وتصاعد التوترات مع بعض الدول الآسيوية، مما يدل على أن الولايات المتحدة تستخدم قوتها الناعمة بذكاء لإضعاف محيط روسيا.

 

كيف سيكون رد موسكو على التصعيد الأمريكي؟

وصف المسؤولون الروس تهديدات ترامب بأنها “دراما سياسية” مؤكدين أنها لن تغير مواقفهم. فكيف تتوقع موسكو التعامل مع هذا التصعيد؟

 

يتوقع بريدجيه أن يكون الرد الروسي مزدوجًا “سياسيًا وإعلاميًا عبر رفع سقف الخطاب والتصريحات لردع واشنطن عن التمادي”.

 

ويضيف: “وعسكريًا ميدانيًا من خلال تكثيف العمليات في أوكرانيا، خاصة في المناطق الاستراتيجية، لكسب مزيد من الأراضي وتدمير بنى تحتية حيوية لإضعاف كييف أمام الدعم الغربي”.

 

ويتابع: “كما قد ترد موسكو بتنشيط جبهات موازية، مثل سوريا أو البحر الأسود أو حتى الساحل الإفريقي عبر قواتها هناك، لتوجيه رسائل غير مباشرة لواشنطن بأن التصعيد لن يمر دون تكلفة.”

 

ورجّح أيضًا أن تستخدم روسيا تحالفاتها الدولية، خاصة مع الصين وإيران، لزيادة الضغط على الولايات المتحدة في ساحات أخرى.

 

ما سر التحول الاستراتيجي الأمريكي من الانفتاح إلى الصدام الكامل مع روسيا؟

انتقل ترامب من دعوات الحوار مع بوتين إلى تهديده علناً، في تحول استراتيجي أثار أسئلة كبرى حول أهداف أمريكا المقبلة.

 

يرى بريدجيه أن هذا التحول يعكس إدراكًا متزايدًا داخل الدوائر الأمريكية بأن التهدئة مع موسكو لم تعد ممكنة دون تنازلات كبرى تمس مصالح الغرب الحيوية.

 

ويقول: “واشنطن تدرك أن بوتين لا يسعى فقط لتقوية نفوذ روسيا، بل لإعادة تشكيل النظام الدولي على نحو يضعف الهيمنة الأمريكية.”

 

ويضيف: أن العودة إلى التنسيق الكامل مع الحلفاء وتفعيل عقيدة الردع باتت محاولة أمريكية لاستعادة زمام المبادرة، ولإرسال رسالة واضحة بأن عصر التسامح الاستراتيجي قد انتهى.

 

واختتم قائلاً: “ترامب، رغم صورته الشعبوية، يستخدم أدوات الدولة العميقة حين يشعر بأن الزعامة الأمريكية مهددة. شعاره ‘أمريكا أولًا’ تحول إلى محاولة لفرض عودة قوية لأمريكا في الساحة الدولية.”

 

وتشير المعطيات إلى أن العالم يدخل مرحلة جديدة في الصراع الأمريكي الروسي؛ مرحلة لن تُحسم بالبيانات أو المكالمات الهاتفية، بل بموازين القوى على الأرض وترتيبات التحالفات العابرة للقارات، لإعادة رسم خريطة النفوذ العالمي لعقود قادمة.

 

ترامب يمهل بوتين 50 يوماً.. حرب أوكرانيا نحو “كسر عظم” وخبير يكشف طبيعة الرد الروسي

إعداد: جهاد عبد الله

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.