بين شد وجذب يبدو أن العمليات الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء جنوب سوريا مستمرة، رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار لكن أبرز الزعماء الدروز عاد ورفضه، بالوقت الذي يرى خبراء أن الحسم العسكري لا يبدو كافيًا لإنهاء تعقيدات المشهد هناك، وسط تصاعد الضربات الإسرائيلية التي شكلت صدمة للشارع المحلي، فكيف نقرأ هذه التطورات وما مستقبل المعركة؟

 

الحل العسكري وحده لا يكفي

شهدت الأيام الماضية دخول الجيش السوري إلى محافظة السويداء، وسط ترحيب بعض الوجهاء واعتراض الشيخ حكمت الهجري الذي دعا أنصاره للتصدي للقوات الحكومية، في وقت أعلنت فيه دار طائفة الموحدين الدروز اتفاقًا على اندماج المحافظة ضمن الدولة، قبل أن يتراجع الهجري عن القبول بالاتفاق ويصدر خطابًا رافضًا له.

 

يقول العقيد أحمد حمادة، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث مع وكالة ستيب نيوز: “إن الحسم العسكري لا يُعد السبيل الوحيد لمعالجة مسألة السويداء أو أي منطقة أخرى بشكل كامل”. ويوضح أن العمل العسكري يجب أن يترافق مع الحوار والاستماع إلى آراء جميع الأطراف، معتبرًا أن هذا “أمر طبيعي وضروري” لفرض الاستقرار.

 

ويرى حمادة أن فصيلاً مسلحًا محددًا في السويداء يستفيد من حالة الفوضى والتهريب وانتشار السلاح، مستندًا إلى دعم خارجي، وهو ما أخّر الحل السياسي رغم التوصل إلى اتفاقات عديدة سابقًا.

 

قدرات محدودة لكنها مؤثرة

منذ اندلاع الاشتباكات قبل أيام، بدت فصائل السويداء غير موحدة القيادة رغم امتلاكها السلاح والعتاد الخفيف، إلا ان قلّة الخبرة العسكرية جعلتها عاجزة عن تشكيل قوة ردع شاملة لكنها في الوقت نفسه قادرة على ضرب خطوط إمداد الجيش بالكمائن.

 

يضيف الخبير العسكري أن فصائل السويداء لا تمتلك قدرات قتالية كافية لمواجهة الجيش السوري أو القوات الأمنية بشكل مباشر، لكنها تعتمد تكتيكات حرب العصابات عبر الكمائن والقناصة، ما يسبب خسائر ميدانية ويحدث إرباكًا رغم محدودية قوتها النارية.

 

ويتابع: “هذه الفصائل تقاتل على أرض تعرفها جيدًا، وتستفيد من تضاريس المدينة وقراها، لكن في النهاية أتوقع أن تُحسم الأمور لصالح الدولة السورية ولصالح الأمن، لأن معظم سكان السويداء ضاقوا ذرعًا بهذه الفصائل، وهم لا يدعمونها”.

 

وأكدت العديد من المصادر أن المئات سقطوا قتلى من الطرفين بينهم مدنيين نتيجة استمرار القتال العنيف لا سيما في وسط مدينة السويداء التي شهدت أعنف المعارك بين الحارات والأزقة.

 

ما سبب التقدم البطيء للقوات الحكومية؟

وفق بيانات وزارة الداخلية السورية، دخلت القوات الحكومية بهدف “فرض الأمن وتثبيت مؤسسات الدولة”، بالتوازي مع نشر الشرطة المدنية في مناطق السويداء، إلا أن توتر الاشتباكات جعل الجيش يواجه مقاومة تحولت إلى كمائن عنيفة في بعض النقاط الساخنة.

 

ويشير العقيد حمادة إلى أن الجيش السوري دخل إلى السويداء أساسًا كقوة فصل بين المتقاتلين والفصائل المختلفة، لكنه تعرض لاحقًا لكمائن نفذتها مجموعات خارجة عن القانون، ما اضطره للرد لإسكات مصادر النيران دون خوض حرب مفتوحة ضد مكوّن معين في المنطقة.

 

وبحسب حمادة، فإن الخسائر التي لحقت بالجيش تعود إلى الكمائن والقنص، إضافة إلى القصف الإسرائيلي الذي طال قوات الجيش والأمن في أكثر من محور تحرك، ما زاد تعقيد الوضع ميدانيًا ونفسيًا.

كما يشير إلى أن القصف الإسرائيلي عطّل تقدم الآليات الثقيلة التي عادت وانسحبت إلى دمشق خوفاَ من مزيد من الخسائر، وهو ما أجبر القوات الحكومية على التقدم بشكل بطيء.

 

الضربات الإسرائيلية وصدمتها النفسية

صعّدت إسرائيل ضرباتها الجوية على مواقع الجيش السوري جنوب سوريا، مبررة ذلك برفض وجود السلاح الحكومي الثقيل جنوب البلاد وحماية الدروز، كما قصفت مبنى الأركان في العاصمة دمشق عدة مرات، واستهدفت قرب قصر الشعب، معتبرةً ذلك رسائلاً تحذيرية للحكومة السورية.

 

ويؤكد الخبير العسكري أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة شكلت صدمة كبيرة نفسيًا ومعنويًا، خاصة بعد استنجاد الشيخ حكمت الهجري بإسرائيل وبرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

ويقول: “هذا شكل صدمة كبيرة لجميع السوريين، حتى أبناء الطائفة الدرزية أنفسهم، لأنهم لا يريدون استدعاء إسرائيل، العدو المشترك للجميع”.

 

ويرى حمادة أن إسرائيل التي تحتل الجولان وتقصف الداخل السوري لا يمكن أن تكون حامية للدروز أو غيرهم، بل تسعى للتدخل لخلق ثغرات في الجدار الوطني السوري لخدمة مصالحها الأمنية والسياسية فقط.

 

حرب العصابات: عرقلة لا منع

رغم إعلان بعض الوجهاء موافقتهم على الاتفاق مع الحكومة، إلا أن حديث الهجري عاد وأشعل الأوضاع حيث دعا لاستمرار القتال ضد القوات الحكومية وطردها من المحافظة.

 

ويختم العقيد حمادة حديثه بالتأكيد على أن حرب العصابات والكمائن قد لا تمنع سيطرة الجيش السوري على السويداء في نهاية المطاف، لكنها تسبب إرباكًا وتوقع خسائر بشرية ومادية، خاصة أن غالبية القوات لم يسبق لها التواجد في السويداء، خلافًا لأبناء المدينة الذين يعرفون جيدًا تضاريسها ومداخلها ومخارجها.

 

وفي الحسابات العسكرية المعقدة يتضح بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي أحمد حمادة أن السيطرة على السويداء عسكرياً من قبل القوات الحكومية هي مسألة وقت، بينما كل تحركات فصائل السويداء والضربات الإسرائيلية ستكون لتعطيل وقتي ليس إلّا، بينما برز الاتفاق الذي أعلنت وزارة الداخلية السورية عنه كطوق نجاة أخير منعاً لاستمرار المعركة ونزيف الدماء، لتضع بذلك الحكومة السورية “الكرة بملعب الشيخ الهجري” الذي يبدو أنه لا يزال يراهن على دعم إسرائيلي في هذا القتال.

بعد رفض الهجري الاتفاق.. خبير يشرح تكتيكات المعركة في السويداء وهل ضربات إسرائيل عطلتها؟

 

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.