ريم الحامدية

[email protected]

تمر بنا الأيام هادئة نقية، لا نعي لطفها إلا حين تعترضنا مواقف تعيد ترتيب حياتنا وأولوياتنا، وربما تهزنا لتكشف لنا عن الحقائق المخبأة وراء وجوه ابتسمت لنا يوما. في فرح مباغت أو في حزن مفاجئ، فنرى كيف تتلوى الخيوط الإنسانية فنميز من يفرح لفرحنا ومن يغادرنا من أول تعثر.

وهنا تسقط الأقنعة بصمت، وتتكلم الأفعال بدلا عن الوعود، فنعرف يقينا من كان قلبه معنا، ومن كان مجرد ظل يمر على خطانا، فالمواقف لا تختبرنا وحدنا، بل تختبر من حولنا.

المواقف في حقيقتها ومضمونها كالفصول بين دفتي كتاب، كل فصل يكشف عن جزء جديد من الشخصيات، من يقرؤك بصدق ومن يكتفي بتصفحك.

فتتبدل الأقنعة، ويتجلى الصدق، ولا يبقى إلا أن نشكر الله على هذا الكشف الإلهي الرحيم بنا، المواقف لا تمر، بل تكشف. جميعنا طيبون في السعة، لكن حين تضيق الطرق تظهر النوايا، وهي الامتحان الذي لا يسبقه تنبيه ولا يعطي فرصة للمراجعة هنالك فقط توزن القلوب لا بالكلام، بل بالأفعال.

وكما ينسب لمصطفى صادق الرافعي قول: “لا يعرف الإنسان في صفاء الود، إنما في كدر المواقف”، وهنا نؤكد أن الفرح أيضا موقف يكشف معادن الناس ويغربل القلوب. من الذي يفرح لك من قلبه؟ ومن يشعر أن فرحتك تهدده؟

قد تنجح فتتلقى الصمت بدل المباركة، وقد تمنح نعمة فيأتيك من يقول “ما شاء الله” وفي قلبه حسرة.

وفي المقابل قد تجد من ينظر إليك بعيون لامعة، كأن نجاحك نصرا له، كأن فرحك رزق وصل إلى عائلته، وذلك هو الصدق أن يفرح لك أحدهم كأنه أنت.

ثم يأتي الحزن ليعتريك.. ويعري من حولك، تنتظر الكلمة فيصلك تجاهل، تتحدث عن ألمك فيأتيك من يزيده عليك، نحن لا نعرف من نحتاجه لكن الله يعرف، ويعلم متى نضعف ومتى نُخذَل ومتى نرتجف في العزلة، فيُسخِّر لنا قلوبًا تمشي إلينا، فلا تتعجب من شخص غريب يطمئنك أكثر من قريب، ولا تندهش إن غاب القريب، كلها أقدار يسخرها لك الله لتعيد ترتيب الأشخاص في حياتك، ولتريك في لحظة صدق من يأتيك، لأنه يشعر بك لا لأنك طلبت.

وفي نهاية كل موقف لا نخرج بانتصار أو انكسار، بل نخرج بفهم أعمق نعرف من يستحق ومن كان مجرد حضور مزين، المواقف تربي البصيرة، وتقرب الأحبة وتبعد المتجملين.

الله وحده هو الأعلم بمن نحتاج ومتى نحتاجه، فاطمئن.. نحن لا نملك سوى النية والله يتولى الباقي، يدبر الموقف ويسخر القلوب ويظهر ما خفي، وكل موقف نجا من عاطفتنا هو نعمة كتبت لنا بدمعة أو ابتسامة لنفهم ، ونكبر، ونحيا أبسط وأنقى.

شاركها.