حسناء جوخدار اخبار تركيا
في قلب ريفيرا أنطاليا الساحرة، حيث تلتقي زرقة البحر بلون الذهب على رمال الشاطئ الطويل، تقبع باتارا واحدة من أعرق مدن التاريخ وأكثرها سحراً. هنا، تحت أشعة الشمس الدافئة، تروي الحجارة القديمة حكايات إمبراطوريات اندثرت وحضارات ازدهرت، من الحثيين إلى الليكيين، ومن الرومان إلى البيزنطيين.
باتارا ليست مجرد مدينة أثرية عادية، بل هي حكاية متكاملة الأبعاد: عاصمة سياسية لاتحاد ليكيا، ميناء تجارياً حيوياً، مركزاً للوحي والنبوءات، ومسقط رأس “بابا نويل” الحقيقي! بين أطلالها المهيبة، يمكنك أن تسير على خطى القدامى في شارع رئيسي يعود لآلاف السنين، أو تتأمل روائع معمارية كمسرح روماني شامخ وقوس نصر ملكي، بينما تهمس نسائم البحر بقصص السفن التي غادرت من هنا حاملةً حبوب الأناضول إلى روما.
وما يزيد باتارا تميزاً هو شاطئها البكر، الذي اختارته سلاحف “كريتاكريتا” النادرة مسرحاً لولادة الحياة منذ ملايين السنين حتى اليوم. فهل أنت مستعد لرحلة عبر الزمن، حيث يتشابك التاريخ العريق مع جمال الطبيعة في لوحة لا تنسى؟ دعنا نكتشف معاً أسرار هذه المدينة الخالدة…
أين تقوم مدينة باتارا الأثرية؟
تقع مدينة باتارا الأثرية بين منطقتي فتحية وكلكان، في الطرف الجنوبي الغربي لوادي زانثوس، في قرية غيليميش الحالية، وهي واحدة من أهم وأقدم مدن ليكيا.
منذ عام 1988، تجري أعمال التنقيب في مدينة باتارا الأثرية، والتي تتميز بالإضافة إلى قيمتها الأثرية والتاريخية بكونها واحدة من الشواطئ النادرة التي تضع فيها سلاحف كريتاكريتا بيضها وتفرخ منذ ملايين السنين، مما يمنحها أهمية خاصة.
تاريخ مدينة باتارا الأثرية
يظهر اسم المدينة في النصوص الحثية التي تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد باسم “باتار”. وتظهر قطع الفخار التي عُثر عليها في تباجيك أكروبوليس خصائص تعود إلى العصر البرونزي الأوسط، بينما يُظهر الفأس الحجري الذي عُثر عليه عند سفح التل الشرقي لتباجيك ويعود إلى ما قبل العصر الحديدي مدى قدم تاريخ باتارا.
بفضل موقعها كالمكان الوحيد في وادي زانثوس الذي يتيح الوصول إلى البحر، حافظت باتارا على أهميتها كمدينة رئيسية عبر العصور. ورد اسم المدينة في النقود والنقوش باللغة الليكية باسم “باتارا”.
في القرن الثالث قبل الميلاد، أصبحت باتارا تحت حكم البطالمة، وتحولت إلى المدينة الرائدة في ليكيا. وفي بداية القرن الثاني قبل الميلاد، عندما بدأت سيطرة مملكة السلوقيين على ليكيا، اعتُبرت باتارا عاصمة ليكيا. وقد أُعلن هذا الوضع رسميًا في عام 167/168 قبل الميلاد، عندما حصلت باتارا على استقلالها عن رودس وحقها في الحكم الذاتي أمام روما، وأصبحت باتارا عاصمة اتحاد ليكيا. تعكس المباني الضخمة مثل مبنى المجلس والمسرح التي بُنيت في العصر الهلنستي هذه العملية التاريخية.
حتى بعد خضوعها للحكم الروماني، لم تفقد باتارا أهميتها، فقد ظلت مركزًا للنشاط القضائي لحكام روما، كما حافظت على مكانتها كقاعدة بحرية تربط روما بالمقاطعات الشرقية. في عام 43 ميلادي، أصبحت ليكيا مقاطعة رومانية، وفي عام 74 ميلادي، تم دمج ليكيا وبامفيليا في مقاطعة واحدة، واستمرت باتارا كعاصمة.
اشتهرت باتارا كواحدة من أهم مراكز النبوءات للإله أبولو، كما كانت ميناءً لتخزين الحبوب المنقولة من الأناضول إلى روما. خلال العصر البيزنطي، حافظت المدينة على أهميتها كمركز مهم للمسيحيين. فقد كان القديس نيكولاوس، المعروف باسم “بابا نويل”، من باتارا. كما أن القديس بولس ركب سفينة من باتارا متجهًا إلى روما. وفي مجمع نيقية عام 325 ميلادي الذي ترأسه الإمبراطور قسطنطين، كان الأسقف يوديموس، أسقف باتارا، الممثل الوحيد الموقع عن ليكيا، مما يدل على مكانة المدينة المهمة في ذلك العصر.
استمرت باتارا في الحفاظ على أهميتها خلال العصور الوسطى، وحتى بعد وصول الأتراك، ظلت مركزًا مهمًا حتى يومنا هذا.
يتم الدخول إلى المدينة عبر بقايا قوس النصر الروماني المهيب والمحفوظ جيدًا، والذي بُني في القرن الأول الميلادي تكريمًا لحاكم المنطقة، كما توضح النقوش. إلى الغرب من القوس، تمتد مقابر تحتوي على توابيت من النوع الليكي.
يقع المسرح عند سفح تلة كورشونلو في أقصى جنوب المدينة، وتشير النقوش إلى أنه أعيد بناؤه بعد زلزال عام 147 ميلادي. تُعد تلة كورشونلو، التي يقع المسرح عند سفحها، أفضل مكان لمشاهدة المنظر العام للمدينة. من هنا، يمكن رؤية الآثار الأخرى للمدينة بسهولة، مثل حمام فسبازيان، ومعبد كورينث، والشارع الرئيسي، والميناء، ومخزن الحبوب.
يقع مخزن الحبوب (غراناريوم) خلف المستنقع في الشمال الغربي للتلة، وهو أحد أبرز المباني الضخمة الباقية في باتارا، وقد بُني في القرن الثاني الميلادي بأمر من الإمبراطور هادريان وزوجته سابينا. شمال المسرح يقع مبنى البرلمان، الذي كان يستضيف اجتماعات اتحاد ليكيا عندما كانت باتارا عاصمته.
كانت مياه المدينة تُجلب من صخرة تقع على سفح تل قيزيل تبه، بالقرب من قرية إسلاملار، على بعد حوالي 20 كيلومترًا شمال شرق المدينة. يُطلق على الجزء الأكثر ضخامة من قنوات المياه، الواقعة بين المصدر والمدينة بالقرب من رصيف فرناز، اسم “دليك كيمر” محليًا.
المصدر: وزارة الثقافة والسياحة