تعرضت مواطنة سويسرية، تعمل في مجال التعليم وتتابع دراساتها العليا، للاحتجاز والترحيل من مطار جون إف. كينيدي في نيويورك، رغم امتلاكها تصريح سفر إلكتروني (ESTA) ساري المفعول، في واقعة أثارت الجدل بشأن ممارسات سلطات الحدود الأميركية.
وقالت المواطنة السويسرية، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها واستخدمت اسم “لارا” في مقابلة مع صحيفة “نويه تسورشر تسايتونج” السويسرية، إن زيارتها كانت بهدف قضاء عطلة قصيرة في نيويورك للاحتفال بعيد ميلادها، إلا أنها فوجئت بإيقافها فور وصولها في 9 أبريل الماضي، وخضعت لتحقيق مطوّل انتهى بترحيلها إلى سويسرا.
وبحسب روايتها، اقتادها ضابط الحدود إلى غرفة احتجاز، حيث انتظرت نحو 6 ساعات مع مسافرين آخرين تم اختيارهم للاستجواب الإضافي.
وأضافت أنها تعرضت لاستجواب مكثف بشأن تكرار زياراتها للولايات المتحدة، رغم أنها كانت قد أقامت سابقاً في البلاد بتأشيرة طالبة وعملت هناك بشكل قانوني.
وأشارت إلى أن المحققين طلبوا منها فتح هاتفها المحمول وتمكنوا من الوصول إلى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي وحسابها البنكي الإلكتروني، قبل أن يغادروا بالجهاز لمدة ساعة تقريباً.
“معاملة مهينة”
وقالت لارا إن معاملتها كانت “مهينة ومجردة من الإنسانية”، مؤكدة أنها تعرضت لأذى نفسي وجسدي جراء ما حدث، وتم اقتيادها لاحقاً إلى منشأة احتجاز في ولاية نيوجيرسي قبل ترحيلها.
وبحسب روايتها، فإن شكوك ضباط الحدود ازدادت عندما اكتشفوا أنها تُدرّس اللغة عبر الإنترنت ولديها طلاب أميركيون، كما كانت بحوزتها كتب ألمانية وشوكولاتة سويسرية، وكانت تنوي لقاء بعض طلابها في نيويورك لتناول القهوة. ورغم تأكيدها أنها لن تمارس أي نشاط تجاري خلال إجازتها، ردّ الضباط مراراً بقولهم: “أنت تكذبين”.
وقالت لارا إن أحد الضباط هدّدها صراحة: “إما أن تعترفي بأنك جئت للعمل، أو سنرسلك إلى السجن”. وعندما طلبت محامياً وحقها بالتواصل مع السفارة السويسرية، جاء الرد: “لا حق لك في هذا. أنت لست مواطنة أميركية”.
وفي وقت متأخر من المساء، سُمِح لها بإجراء مكالمة وحيدة مع صديقة للعائلة تُقيم في الولايات المتحدة، والتي قامت بدورها بإبلاغ أصدقائها في نيويورك وعائلتها في سويسرا.
لكن بدلاً من ترحيلها مباشرة، تم تقييد لارا إلى كرسي مثبت بالأرض، ثم خضعت لتفتيش كامل للجسد، ووُضعت في الأصفاد وسلسلة حول الخصر.
وتقول لارا: “عندها بكيت لأول مرة. كنت مذهولة من المعاملة التي تلقيتها”.
حالات أخرى
وقالت وزارة الخارجية السويسرية إن حالتين لمواطنتين سويسريتين تم رفض دخولهما إلى الولايات المتحدة هذا العام، من بينهن المعلمة “لارا”. وأشارت الوزارة إلى أنها لا تملك بيانات مقارنة من السنوات السابقة، نظراً لعدم توثيق مثل هذه الحالات سابقاً.
أما وزارة الخارجية الألمانية، فأكدت لصحيفة “نويه تسورشر تسايتونج” أن “عددا ًقليلاً من المواطنين الألمان”، قد مُنعوا من الدخول أو تم توقيفهم عند الحدود الأميركية.
وتحدث ثلاثة منهم لوسائل إعلام مختلفة عن ظروف احتجاز “مهينة ولا إنسانية” وتعرضهم لممارسات “تعسفية وعنيفة” من قبل مسؤولي الهجرة.
وتكررت خلال الأشهر الماضية تقارير عن مسافرين قادمين من دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تم رفض دخولهم إلى الولايات المتحدة رغم حيازتهم لتصاريح دخول قانونية، سواء عبر نظام “إيستا” (ESTA) أو حتى الإقامة الدائمة (الجرين كارد). وفي بعض الحالات، تم احتجاز هؤلاء الأشخاص لأسابيع في ما يُعرف بـ”مراكز الاحتجاز”.
“فحوصات دقيقة”
وفي تعليق غير مباشر على هذه التطورات، أكد متحدث باسم وكالة الجمارك وحماية الحدود الأميركية أن المسافرين من أوروبا ودول غربية أخرى باتوا يخضعون لمزيد من “الفحوصات الدقيقة” منذ بداية العام.
وقال المتحدث في بيان عبر البريد الإلكتروني للصحيفة:”في ظل إدارة الرئيس ترمب، شهدنا تراجعاً حاداً في أعداد المهاجرين غير الشرعيين، مما أتاح لعناصر إنفاذ القانون لدينا العودة إلى ممارسة مهامهم الأصلية، بما في ذلك التدقيق المكثف والمقابلات”.
ورغم عدم توضيح الكيفية التي ساهم فيها تراجع الهجرة غير الشرعية في تعزيز جهود التفتيش، يبدو أن السلطات الأميركية ترى في السياسة الجديدة عامل ردع فعال.
وأضاف المتحدث: “المسافرون القانونيون لا ينبغي أن يخشوا هذه الإجراءات. لكن من ينوون دخول الولايات المتحدة لأغراض احتيالية أو بنوايا سيئة، نوجّه لهم نصيحة واحدة: لا تحاولوا حتى”.
ملابس زرقاء أو برتقالية
ونُقلت لارا في سيارة إلى مركز احتجاز تعاقدي تسمى “إليزابيث” في ولاية نيوجيرسي، وهو منشأة تُدار من قبل شركة خاصة وتواجه منذ سنوات انتقادات حادة بسبب أوضاعها المتردية.
وأفادت تقارير صحفية من New Jersey Monitor وNews 12 بأن المركز يحتجز حالياً نحو 350 شخصاً رغم أن سعته القصوى تبلغ 250 نزيلاً، كما أُشير إلى نقص في الأدوية والمياه الصالحة للشرب وأدوات النظافة.
تلك الظروف الصعبة أثّرت على لارا أيضاً، إذ صادف احتجازها بدء دورتها الشهرية، لكنها لم تحصل إلا على فوطة صحية واحدة بعد إلحاح متكرر، رغم انتشار بقع الدم على ملابسها.
ولم تكن هناك مسكنات للألم، وجلست تبكي للمرة الثانية على مرحاض بدائي وهي مغطاة بالدم. لاحقاً، تم تزويدها بملابس السجن، حيث أشارت إلى أن “اللون الأزرق مخصص لمن لديهم مشاكل مع سلطات الهجرة، أما البرتقالي فهو للمجرمين”.
وأمضت لارا أول خمس ساعات تقريباً في زنزانة صغيرة مع فرنسية مخطوبة لأميركي، وكانت قد احتُجزت بتهمة الدخول غير القانوني. لاحقاً، أكدت الشابة الفرنسية في مقابلة مع صحيفة نويه تسورشر تسايتونج رواية لارا حول ما حدث خلال فترة الاحتجاز.
وخضعت الاثنتان لفحص طبي. وتقول لارا: “كان الطبيب أول شخص يعاملني باحترام”. وأخبرهما الطبيب أن المركز يستقبل يومياً ما لا يقل عن شخصين من أوروبا تم توقيفهم رغم حيازتهم لتأشيرات “إيستا”، وهو أمر لم يكن مألوفاً قبل إدارة ترمب.
وبعد الفحص، نُقلت لارا والفرنسية إلى غرفة كبيرة شبيهة بصالة رياضية حيث وُضعتا مع نحو 20 امرأة أخرى بانتظار الترحيل.
من الخوف إلى اللامبالاة
بفضل إتقانها للغات الألمانية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية، أصبحت لارا مترجمة غير رسمية داخل المركز. واستمعت إلى العديد من القصص، منها حكاية امرأتين من فنزويلا، أخبرتاها بأنهما محتجزتان في تلك الغرفة منذ عام كامل.
وتقول لارا: “تنام الفنزويليات طوال اليوم… هن في حالة من اللامبالاة الكاملة لأنهن لا يعرفن ما ينتظرهن”، خاصة وأن فنزويلا لا ترتبط باتفاقية ترحيل مستقرة مع واشنطن.
وروت لارا قصة نزيلة أخرى أنجبت قبل ستة أسابيع وكانت تضخ حليبها ليُرسل إلى طفلها خارج السجن. كما تحدثت عن شابة تركية كانت تدرس في أميركا ومتزوجة من أميركي، وقد تم توقيفها على يد سلطات الهجرة أثناء تناولها الغداء مع زوجها في مطعم، رغم تقديمها طلباً للحصول على الإقامة. وبقيت محتجزة ثمانية أيام وكانت تبكي باستمرار.
قلق رسمي سويسري وصدمة نفسية
في تمام الرابعة مساءً، بعد مرور 24 ساعة على وصولها إلى الولايات المتحدة، تم اقتياد لارا للترحيل. وأُجبرت على ارتداء ملابسها الملطخة بالدم مجدداً، وتم تقييد يديها وقدميها وخصرها.
وفي المطار، رافقها عدد من عناصر الأمن، أحدهم يحمل سلاحاً، حتى صعدت إلى الطائرة. ولم تحصل على جواز سفرها أو هاتفها المحمول إلا بعد إقلاع الطائرة.
وأظهرت صور لاحقة وجود كدمات وجروح في كاحليها نتيجة القيود الحديدية. كما تسببت الضغوط النفسية في استمرار دورتها الشهرية لأكثر من أسبوعين، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمكنت من النوم أكثر من ثلاث ساعات متواصلة.
وقالت وزارة الخارجية السويسرية إنها تدخلت فور إخطار القنصلية السويسرية في نيويورك من قبل صديقة للارا. وأفادت الصحيفة بأن رئيس قسم الأميركيتين في الوزارة أعرب عن “قلقه من معاملة المسافرين” خلال اجتماع رسمي في أبريل مع القائم بالأعمال الأميركي في برن.