نهال بينغيسو قراجة خبر تورك ترجمة وتحرير اخبار تركيا
اشتباكات اندلعت بين الدروز والعرب في السويداء جنوب سوريا، استُخدمت كذريعة لإسرائيل لتنفيذ هجوم مباشر على دمشق. تم قصف محيط هيئة الأركان العامة السورية ووزارة الدفاع وقصر الرئاسة. هذا الهجوم ليس عسكرياً فحسب، بل هو سياسي بوضوح. الهدف هو إرادة السيادة التي تتعافى لدى حكومة دمشق. لم يعد أحد يقتنع بتبرير إسرائيل للهجوم تحت ذريعة “خطوة أمنية استباقية”.
منذ 8 ديسمبر، أولئك الذين روّجوا في الإعلام روايات مظلمة بقولهم “أحمد الشرع عميل لإسرائيل”، لا يزالون يظهرون على الشاشات اليوم بنبرة “كان هذا متوقعاً”، وهو بحد ذاته نموذج للتلاعب. هذه الأوساط التي استوعبت الوضع القذر مع نظام الأسد ولا تستطيع التخلي عنه، تتجاهل ما تمثله الحكومة الجديدة: أن سوريا الجديدة لديها القدرة على وضع حدود حقيقية للهيمنة الإقليمية غير الخاضعة للرقابة لإسرائيل، وأن لديها بالفعل قدرة ردع حقيقية.
توقيت الهجوم ليس صدفة. إحياء العملية الدستورية المدعومة من الأمم المتحدة، وإزالة هيئة تحرير الشام من بعض القوائم الدولية، وتخفيف الغرب للعقوبات على دمشق، بالإضافة إلى دعم تركيا… كل هذه العوامل كانت تعيد سوريا إلى الساحة الدولية. لكن إسرائيل رأت في هذا المشهد تهديداً لتخيلها الاستراتيجي.
ادعاء إسرائيل أن هذا الهجوم “أمني استباقي” يشبه مرسوم فرعون بقتل الأطفال الذكور، وهو رغبة في خنق تهديد وجودي محتمل قبل ولادته. هذه خطوة لتشويه أي توازن محتمل قبل أن يولد، أكثر من كونها عمل دولة.
محاولة خلق واقع ميداني في السويداء
لعبت استفزازات الزعيم الدرزي حكمت الهجري، المعروف بقربه من إسرائيل، وتنظيم المليشيات دورا في تصاعد الاشتباكات. مع انسحاب الجيش السوري من المنطقة، تشكلت حالة حكم ذاتي فعلي في السويداء. واستغلت إسرائيل الفرصة: رسالة إلى دمشق، وسيطرة على الأرض.
رد الرئيس السوري أحمد الشرع بما معناه “يمكنكم بدء الحرب، لكنكم لن تستطيعوا إنهاءها”. بينما أصدرت تركيا مذكرة تدين الهجوم، ووصفت إسرائيل بأنها طرف محرض ويمثل تخريباً للاستقرار الإقليمي.
لكن هذه الإدانات لا تكفي لوقف الاستراتيجية العدوانية لإسرائيل. لأن القضية ليست عسكرية فقط: إسرائيل تتحرك برغبة في إعادة تشكيل المنطقة. لم تعد الخرائط تُرسم بالدبابات، بل بالوكلاء، وخطوط الطاقة، والسيناريوهات الإعلامية.
مخطط سوريا المقسمة: هندسة المنطقة العازلة
الواقع الفعلي في السويداء ليس مجرد حالة محلية، بل هو نموذج يمكن أن ينتشر ويحول عدم الاستقرار إلى وضع مستقر. من الواضح أن إسرائيل تهدف إلى تحويل الحدود الجنوبية لسوريا إلى منطقة عازلة من خلال هذا النموذج. هذه المنطقة التي سيتم إنشاؤها عبر حكم ذاتي درزي في السويداء، قد تدفع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى رفع سقف مطالبها على الطاولة. وفي اليوم التالي، قد تفعل مجموعة عرقية أو دينية أخرى الشيء نفسه.
بالنسبة لإسرائيل، لا شيء أفضل من ذلك. لأنها تعتبر انهيار الهيكل السيادي للدولة في الميدان مكسباً استراتيجياً. هذا المكسب لا يخص سوريا فقط، بل يغذي منطق الابتزاز الممتد في المنطقة: بايع، لا تقاوم، اركع.
ابتزاز مزدوج: ظلال في السياسة الأمريكية
تتضمن جرأة إسرائيل هذه رسالة ليس فقط إلى الشرق الأوسط، بل أيضاً إلى واشنطن. نعرف حكومة ترامب المؤيدة لإسرائيل، ولهذا كتبت وقلت دائماً قبل الانتخابات الأمريكية وبعدها عن الكارثة التي يمثلها ترامب. لكننا نعرف أيضاً أنه قال: “سأنسحب من سوريا، وسأحقق السلام”. هذه كانت الجملة الوحيدة الصحيحة التي قالها “الفويفود الأصفر” (ترامب)، وقد أُفشلت بسبب العدوان الإسرائيلي.
كما في العمليات ضد إيران، إسرائيل تخلق مرة أخرى واقعاً فعلياً وتجرّ الولايات المتحدة خلفها.
من أين تأتي هذه الثقة؟
تعثر الإجراءات القضائية المتعلقة بوثائق إبستين، وعزل المدعين العامين، وتأخير إعلان القائمة التي وعد ترامب بكشفها… كل هذا يخلق علامة استفهام عميقة في الرأي العام الأمريكي. سؤال “هل تحتفظ إسرائيل بهذه القائمة للابتزاز؟” لم يعد يُطرح فقط في أوساط المؤمنين بنظريات المؤامرة، بل حتى في أوساط أنصار ترامب (MAGA).
التاريخ يتقدم أحياناً بلحظات تنتج فيها أسباب غريبة نتائج سياسية.
وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فإن أبسط جملة تصف المشهد هي:
أمريكا فقدت السيطرة، وإسرائيل استولت على الشرق الأوسط.