د. سمير صالحة تلفزيون سوريا

كلما اشتعلت إحدى جبهات الداخل السوري، وتدخلت إسرائيل عسكريًا، في مشهد بات يتكرر في الآونة الأخيرة، تعود إلى الواجهة سيناريوهات المواجهة العسكرية المباشرة بين أنقرة وتل أبيب، واحتمالات اقتراب موعدها. فهل نشهد صدامًا عسكريًا تركيًا إسرائيليًا على خلفية ما يجري في السويداء وجوارها، وتحت غطاء إسرائيلي يُروّج لحماية الدروز؟ وكيف ستتعامل أنقرة مع أية مطالبة سورية بالتدخل العسكري للوقوف إلى جانبها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على المدن السورية؟

عين تركية على السويداء، وأخرى على شرق الفرات

تقلق تعقيدات المشهد الميداني والسياسي والعسكري الأخيرة في السويداء وجوارها تركيا حتمًا، فهي تتعارض مع حساباتها السورية، وتهدد مصالحها بعد دخولها الواسع على الملف، ودعمها لتسهيل المرحلة الانتقالية، التي بدأت بتسجيل إنجازات سياسية وإنمائية واقتصادية واسعة في الداخل والخارج، بقيادة الرئيس الشرع وفريق عمله.

تقول الرئاسة السورية إنه، تجنبًا للتصعيد ولإتاحة الفرصة أمام جهود التهدئة، تم سحب القوات العسكرية من السويداء. ويؤكد الشرع: “إن التدخل الفعّال للوساطة الأميركية والعربية والتركية هو الذي أنقذ المنطقة من مصير مجهول”، من دون أن يهمل الإشادة بجهود الدولة التي نجحت في إعادة الاستقرار وطرد الفصائل الخارجة عن القانون، رغم التدخلات الإسرائيلية.

يبرز الشرع بشكل متوازن الدعم الخارجي لسوريا كي تتجاوز هذه المحنة، ويركز أيضًا على جهود مؤسسات الدولة باتجاه التهدئة. لكن الواقع الميداني ما زال معقدًا ومقلقًا في جنوبي سوريا، ويحتاج إلى خطة أمنية عاجلة تضع حدًا للخروقات والتجاوزات الحاصلة. بعض الأطراف المحلية لم تلتزم بالاتفاقيات، رغم انسحاب القوات العسكرية السورية من المنطقة، لكن إسرائيل تتحرك بثقلها العسكري والميداني والسياسي لفرض شروطها على الجميع هناك.

تل أبيب هي أول من يهمه فشل هذه الجهود، لأنها تتعارض مع حساباتها السورية. وهي تتحرك لدفع بعضهم نحو إشعال فتن مذهبية وعرقية، تهدف إلى إعادة تقاسم الجغرافيا السورية وتوزيع النفوذ، معوّلة على ورقة الكونفدراليات، إذا لم تحصل على ما تريده خلال مفاوضتها دمشق. وإلا، فما الذي يقصده رياض حجاب، ولمن هي رسالته، عندما يعلن أن تقسيم سوريا مرفوض تحت أي ذريعة وضمن أي اتفاق، وأن الترتيبات الجانبية التي تُبرم بمعزل عن الشعب السوري مرفوضة بالكامل؟

من الواضح تمامًا أن التدخل الإسرائيلي المباشر يهدف إلى تحقيق هذه الأهداف، ولتسهيل مهمة بعض اللاعبين المحليين باتجاه إزالة “العقبات” العرقية والديمغرافية، في الطريق نحو دمج المنطقتين، ولعب ورقة شريحتين مهمتين في المكوّن السوري .

بدأ بعضهم في الداخل السوري يطالب بفتح خط تواصل ميدانيجغرافي بين السويداء وشرق الفرات. الغاية هي تسريع عملية تعقيد المشهد، والانتقال بما يجري في السويداء وأطرافها إلى مناطق شرق الفرات.

توحيد الجبهات ضد الدولة السورية المركزية، والربط بين مجموعات الهجري وقوات سوريا الديمقراطية، يتطلب السيطرة على منطقة البادية السورية، التي تشمل بتوزيعها العسكري والسياسي القائم اليوم أجزاء من ريف دمشق الشرقي، والبادية، وتدمر، ودير الزور، وهي مأهولة بشكل أساسي بقبائل عربية، وليست منطقة تماس مباشر بين الدروز والأكراد. وبالتالي، فإن سكان هذه المنطقة هم الثقل والمحدد الأول المعني هنا.

المواجهة ستكون إذًا بين من يدعم مثل هذا المخطط، وبين من سيحاول عرقلته، لأنه يستهدف وحدة سوريا، ويعني التقسيم الذي تدعمه وتريده إسرائيل.

التصريحات والمواقف الصادرة عن القيادات السياسية التركية في اليومين الأخيرين قد تساعدنا على فهم ما يقلق أنقرة، وقد يدفعها للتحرك:
تعتبر الخارجية التركية أن التدخل العسكري الإسرائيلي وقصف دمشق خطوة تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد. “الهجمات الإسرائيلية على دمشق، بعد تدخلاتها العسكرية في جنوبي سوريا، تُمثّل عملية تخريبية تستهدف جهود سوريا لضمان السلام والاستقرار والأمن”.

ويقول وزير الخارجية هاكان فيدان: “ينبغي على إسرائيل التخلي عن سياساتها التي تُزعزع الاستقرار قبل فوات الأوان. سياسات إسرائيل لا تُشكّل خطرًا على المنطقة فحسب، بل على نفسها أيضًا”.

أما المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، العميد البحري زكي أكتورك فيكرر أنه “سبق أن أعلنا أننا سنقدّم كل الدعم الممكن لتعزيز قدرات الدفاع السورية ولدعمها في مكافحة الإرهاب، في حال طُلب منا ذلك”. فهل الرسالة موجّهة نحو السويداء؟ أم شرق الفرات؟ أم الساحل السوري؟

أعلن فيدان قبل فترة أن هناك “خريطة طريق جديدة في سوريا ستكون نموذجًا في التاريخ، وضعت بجهود حثيثة من الرئيس التركي، بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية، وبمساهمة دول أخرى “.
قد تدخل تل أبيب في عقد صفقات ومقايضات وتتراجع عن مخطط من هذا النوع بضمانات أميركية، هذا إذا لم تكن واشنطن جزءًا من المشروع. لكن التحسّب لمخطط الالتفاف على مسألة الخط الفاصل لا بد أن يُؤخذ بعين الاعتبار، خصوصًا وأن نتنياهو يردد أن “دمشق تجاوزت خطين أحمرين هما: المنطقة منزوعة السلاح، والدروز”. فما الذي يمنع أن يحدثنا غدًا أو بعد غد عن اختراق الخطوط الحمراء التي تتحدث عنها تل أبيب في شرق الفرات، حيث الأكراد هذه المرة؟

تحاول إلهام أحمد تبسيط ما يجري: “بيننا وبين تركيا قناة تواصل مفتوحة. تتم مناقشة قضايا تتعلق بشمال شرقي سوريا، القضية الكردية، والحل السياسي في سوريا، بالإضافة إلى مواضيع تهم تركيا “. لكن مظلوم عبدي يردد: “نتلقى من أهلنا في السويداء دعوات لإنشاء ممرات آمنة للمدنيين ووقف الهجمات ضدهم “.
ومن هنا جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي حول أن ” بلاده تلقّت معلومات بشأن محاولة وحدات حماية الشعب استغلال الاشتباكات الجارية في محافظة السويداء، وأن رسالتنا لهم هي ، لا تستغلوا هذا الاضطراب وتدخلوا في وضع غير مرغوب فيه”.

ما يقلق أنقرة ليس فقط ممارسات إسرائيل في جنوبي سوريا، بل أيضًا احتمالات تشجيع “قسد” في شرق الفرات على استغلال الفرصة للتصعيد مع دمشق، متخلّية عن كل الاتفاقيات والتعهدات المقدّمة.

التحرك التركي المكثف على أكثر من صعيد يهدف إلى قطع الطريق على هذا المخطط، الذي ينسف كل الجهود التي بذلتها هذه العواصم، ويحاول إبقاء ملف التقسيم والتفتيت الذي يريده بعضهم فوق الطاولة . التنسيق التركيالعربي بات ضروريًا وملحًا أكثر من أي وقت مضى، وقبل أن يفوت الأوان، إذا كانت الرغبة ما زالت موجودة في دعم السلطة السورية الجديدة بقيادة الشرع.

عن الكاتب


شاركها.