كان الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه على وشك التوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة لإبقاء الرسوم الجمركية تحت السيطرة، لكنه يستعد الآن لـ”هجوم مضاد” رغم تفاؤل مسؤولين أميركيين بإمكانية التوصل إلى اتفاق، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة “وول ستريت جورنال”.

وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الاثنين، إن إدارة الرئيس ترمب مهتمة أكثر بجودة الاتفاقات التجارية وليس بتوقيتها، وذلك قبل الموعد النهائي المحدد في الأول من أغسطس لإبرام اتفاق تجاري أو مواجهة رسوم جمركية باهظة. وأضاف في مقابلة مع شبكة CNBC: “لن نتسرع في إبرام الصفقات”.

ونقلت الصحيفة الأميركية، الاثنين، عن أشخاص مطلعين على المحادثات، قولهم، إن مسؤولين أميركيين أبلغوا المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الماضي، أنهم يتوقعون أن يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمزيد من التنازلات من الكتلة الأوروبية من أجل التوصل إلى اتفاق، بما في ذلك فرض رسم جمركي أساسي على معظم السلع الأوروبية قد يتراوح بين 15% أو أكثر.

وأشارت “وول ستريت جورنال”، إلى أن ذلك شكل “مفاجأة غير مرحب بها” بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي كان يسعى للتوصل إلى اتفاق يُبقي الرسوم الجمركية الأساسية عند مستوى 10%، وهو ما كان يُعد “تنازلاً صعباً” بالفعل لبعض الدول الأعضاء الـ27.

جهد أوروبي وتفاؤل أميركي

وقالت المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن السياسة التجارية للاتحاد، الأحد، إنها تسعى إلى التوصل إلى اتفاق “تفاوضي يعود بالنفع على الطرفين”، وإنها لا تزال منخرطة بعمق في المحادثات.

فيما أكد متحدث باسمها، أنه إذا لم يتم التوصل إلى نتيجة مرضية، فإن جميع الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة.

وأعرب وزير التجارة الأميركي، هاورد لوتنيك، الأحد، عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. وقال في مقابلة مع برنامج Face the Nation على شبكة CBS News: “أنا واثق من أننا سنتوصل إلى اتفاق”، مضيفاً: “وسيكون رائعاً لأميركا، لأن الرئيس يدافع عن مصالحها”.

ومنذ تولي ترمب منصبه، سافر المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش، إلى واشنطن ست مرات. كما أجرى العديد من المكالمات وتبادل الرسائل النصية مع المسؤولين التجاريين الأميركيين. وأكد أن أوروبا مستعدة لخفض الرسوم الجمركية وشراء منتجات طاقة أميركية وأشباه موصلات متقدمة بعشرات المليارات من الدولارات.

لكن جهود شيفتشوفيتش لم تُثمر عن نتائج تُذكر. ففي وقت سابق من الشهر الجاري، هدد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات معظم السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، ارتفاعاً من نسبة 20% التي كان قد طرحها لأول مرة في أبريل الماضي.

ودفع هذا التحوّل ألمانيا، أكبر اقتصاد وأكبر دولة مُصدرة في أوروبا، إلى الاقتراب من الموقف الفرنسي “الأكثر تصادمية”، بحسب أشخاص مطلعين على المناقشات. وكانت ألمانيا تتبنى في السابق موقفاً “أكثر اعتدالاً” تجاه الرد على الولايات المتحدة.

ضغوط لإعداد تدابير جديدة

وفي الوقت الراهن، يضغط عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على الذراع التنفيذية للتكتل لإعداد تدابير جديدة وفعالة، للرد على الشركات الأميركية، تتجاوز الرسوم الانتقامية المفروضة على السلع، في حال عدم التوصل إلى اتفاق قبل المهلة التي حددها ترمب، بحسب المصادر.

وقال مسؤول ألماني، الجمعة، إن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”. وأضاف أن هناك متسعاً من الوقت للتفاوض على اتفاق، لكنه تابع: “إذا أرادوا الحرب، فسيحصلون عليها”.

ويمثل الدفع باتجاه زيادة التدابير المضادة المحتملة نقطة تحول في موقف الاتحاد الأوروبي تجاه واشنطن بعد أشهر من المفاوضات الرامية لإنقاذ أكبر علاقة تجارية في العالم. بحسب بيانات الاتحاد، إذ يتبادل الاقتصادان سلعاً وخدمات تزيد قيمتها على 5 مليارات دولار يومياً.

وقال مطلعون على الأمر، إنه حتى المسؤولين الألمان، الذين كانوا يضغطون من أجل التوصل إلى اتفاق سريع، لم يعودوا يعتبروا أن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة هو النتيجة الأكثر ترجيحاً.

وكانت فرنسا وبعض الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، تدفع منذ فترة طويلة باتجاه تبني موقف أكثر تشدداً تجاه الولايات المتحدة، في حين كانت ألمانيا تشجع الكتلة على السعي للتوصل إلى اتفاق مبدئي سريع مع ترمب.

وكان القادة الألمان قد اعتبروا في البداية رسالة ترمب التي هدد فيها بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% مجرد مناورة في اللحظة الأخيرة لانتزاع شروط أفضل. لكنهم فقدوا صبرهم في نهاية المطاف بعدما تبين لهم هذا الأسبوع أن المسؤولين الأميركيين يضغطون على الاتحاد الأوروبي لقبول رسوم أساسية أعلى من دون تقديم أي إعفاء لقطاع السيارات الأوروبي.

وقال مسؤول مطلع على الوضع، إن هذا التحول دفع برلين إلى فتح الباب أمام خيار الرد الانتقامي.

وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، الجمعة، إن الدول الأعضاء باتت بحاجة الآن إلى تحديد حجم التنازلات الإضافية التي قد تكون مستعدة لتقديمها من أجل التوصل إلى اتفاق، والإجراءات الانتقامية التي يمكن اتخاذها إذا فشلت المفاوضات. وأضاف: “جميع الخيارات ستكون مؤلمة”.

مرحلة “الخيار الأخير”

وأشارت برلين، الجمعة، إلى إمكانية دعمها استخدام الاتحاد الأوروبي لما يُعرف بأداة “مكافحة الإكراه”، وهي أداة قانونية تتيح للكتلة الرد على الضغوط الاقتصادية من خلال فرض مجموعة من القيود على التجارة والاستثمار. ولم يُسبق استخدامها من قبل.

ويرى مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن هذه الأداة تمثل أقوى سلاح تجاري تمتلكه الكتلة، وأن استخدامها سيكون “الخيار الأخير”. 

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أوضحت في وقت سابق من هذا الشهر بأن هذه الأداة صُممت لحالات الطوارئ، مضيفة: “لم نصل إلى تلك المرحلة بعد”.

لكن هذا التقييم قد يتغير، إذ بدأت المفوضية بالفعل في إعداد تدابير يمكن تفعيلها باستخدام أداة “مكافحة الإكراه”، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. 

وبعد عودة شيفتشوفيتش من واشنطن، ارتفع عدد الدول الأعضاء التي تطالب بتجهيز الأداة لتكون جاهزة للاستخدام.

وأوضحت المصادر، أن الإجراءات الجاري إعدادها، تشمل فرض رسوم محتملة أو قيود أخرى على الخدمات الرقمية الأميركية، إضافة إلى تقييد وصول الشركات الأميركية إلى سوق المشتريات العامة في الاتحاد الأوروبي.

وتُضاف هذه الخطط إلى الإجراءات التي سبق أن أعدها الاتحاد الأوروبي، إذ كان قد وضع في وقت سابق حزمتين من الرسوم الجمركية تستهدفان صادرات أميركية تزيد قيمتها على 100 مليار دولار إلى الكتلة، وتشمل سلعاً تتراوح من الطائرات إلى زبدة الفول السوداني والويسكي، لكن هذه الحزم لم تُفعل حتى الآن.

ولا تزال الحزمة الثانية بحاجة إلى موافقة رسمية من الدول الأعضاء، لكن المسؤولين أكدوا أن كلتا الحزمتين يُمكن تفعيلهما بسرعة إذا اقتضت الضرورة.

ولا يزال المسؤولون الأوروبيون والدول الأعضاء في التكتل، يأملون في إمكانية التوصل إلى اتفاق. ولا تعتزم الكتلة إطلاق أي إجراءات انتقامية قبل الموعد النهائي الذي حدده ترمب في 1 أغسطس المقبل، كما أن التحضيرات الجارية لتدابير يمكن تفعيلها عبر أداة “مكافحة الإكراه” لا تعني بالضرورة أن الأداة ستُستخدم.

لكنهم يستعدون لمواجهة محتملة يدركون أنها قد تكون مكلفة جداً للطرفين، في إطار علاقة تجارية تُقدر قيمتها بتريليونات الدولارات.

اتفاق وشيك

وكان الاتفاق الذي اقترب الطرفان من التوصل إليه في وقت سابق من الشهر الجاري، يقضي بأن يزيد الاتحاد الأوروبي مشترياته من منتجات الطاقة وأشباه الموصلات الأميركية، ويقبل بفرض رسم جمركي أساسي بنسبة 10% على معظم السلع.

وقال أشخاص مطلعون على المحادثات، إن بعض عناصر الاتفاق كانت لا تزال قيد التفاوض، من بينها تحديد القطاعات التي يمكن إعفاؤها من الرسم الجمركي الأساسي، ومدى الإعفاء الذي قد تحصل عليه صناعة السيارات الأوروبية من الرسوم الجمركية المفروضة حالياً بنسبة 25%.

ورغم ذلك، ظلت المفوضية متفائلة. ففي حين تلقى شركاء تجاريون آخرون للولايات المتحدة رسائل تُحدد الرسوم المرتفعة التي سيواجهونها قريباً، قال شيفتشوفيتش أمام المشرعين في 9 يوليو: “مفاوضاتنا جنبت الاتحاد الأوروبي مواجهة رسوم أعلى”.

لكن بعد 3 أيام فقط، نشر ترمب رسالة على منصات التواصل الاجتماعي يهدد فيها الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% اعتباراً من 1 أغسطس.

وسافر شيفتشوفيتش إلى واشنطن، الأسبوع الماضي، في محاولة لفهم ما إذا كان التوصل إلى اتفاق لا يزال ممكناً.

وقال دبلوماسي أوروبي، إن الممثل التجاري الأميركي، جيميسون جرير، أشار إلى أن الرسم الجمركي الأساسي بنسبة 10% الذي تفاوض عليه الطرفان لا يزال منطقياً، لكن لوتنيك ألمح إلى أن النسبة يجب أن تكون أعلى.

وغادر شيفتشوفيتش اجتماعاته، وهو يحمل انطباعاً بأن الولايات المتحدة تضغط من أجل فرض رسم أساسي بنسبة 15% أو أكثر، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

وأُبلغ شيفتشوفيتش أيضاً، بحسب أحد المصادر، بأن الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على قطاع السيارات في الاتحاد الأوروبي من المرجح أن تبقى عند مستواها الحالي البالغ 25%، بينما قد يتم فرض رسوم بنسبة 100% على المنتجات الدوائية.

شاركها.