محمد بن سالم البطاشي

 

غزة يا درع الكرامة ونبض العزة، أنتِ أيتها الشامخة الماجدة، إنك تنزفين ولا تنكسرين، تحاصرين ولكن لا تقهرين، أما آن لهذا القيد أن ينكسر؟ وما آن للحق أن ينتصر؟ فما بال هذا العالم لا يزال يشاهد ببلادة وفتور وغفلة عجيبة، ويسكت على كل هذا الإجرام الذي فاق كل تصور، وتجاوز كل الحدود، والناس من أمتي لاهية وغير مبالية إلا قلة قليلة الذين تستفزهم تلك المناظر البشعة الواردة من هذا القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 سنة متواصلة منذ 2007م.

لم تعرف البشرية عبر تاريخها وصراعاتها الهائلة صمودا مثل هذا الصمود الذي سطرته غزة ومقاومتها الباسلة منذ قرابة العامين، ولم تعرف الدنيا حصارا يماثل هذا الحصار الذي تتقاصر أمامه كل فظائع الحصارات قديما وحديثا بدءا من حصار طروادة في القرن 12 قبل الميلاد، مرورا بحصار القدس عام 70م. وحصار القسطنطينية عام 1453م. وحصار ليننجراد في الفترة من 1941 1944م. بالإضافة إلى حصار سريبرينيتسا في الفترة من 1992 إلى 1995م.

هذا القطاع الذي يواجه حصارا مطبقا من كل الجهات، لم يتلق من المعونات الإنسانية التي تلزم بها الأطراف المتحاربة وقت الحرب إلا النزر اليسير، في مقابل كميات هائلة من المعدات والعتاد العسكري المتدفق ليل نهار يتلقاها الكيان من كل دول العالم تقريبا عبر جسور جوية وبحرية وبرية، جنبا إلى جنب مع تدفقات غير محدودة من المعونات الاقتصادية والمالية والغذائية والطبية والبشرية وغير ذلك مما يتخيله العقل من أنواع المعونات والمساعدات والدعم السياسي والدبلوماسي والقانوني.

والآن وبعد أن بلغ الإجرام مستويات غير مسبوقة وأمعن الكيان الغاصب في صلفه وعدوانه ومنع وصول المساعدات الإنسانية لما يقرب من مليوني نسمة من المدنيين جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ وذلك منذ نحو ستة أشهر، بل وتقصد طالبي المساعدات والجوعى الهائمين على وجههم بالقصف والتقتيل، مما تسبب في موت المئات من الأطفال وكبار السن والنساء وأصبحت مشاهد الموت جراء الجوع تنقل عبر شاشات العالم مباشرة في أكبر جريمة تشهدها البشرية في تاريخها الحديث، كل هذا يحدث والعالم يتابع هذه الأحداث الكارثية بلا اكتراث كالمتفرج على مسرح عبثي أو لا منطقي ولا أحد من القوى الفاعلة يحرك ساكنا، وقد يكتفي البعض بإصدار بيانات الشجب والإدانة كنوع من أداء الواجب وتبرئة الذمة ليس إلا.

وبما أن جريمة القرن مستمرة والإبادة قائمة على قدم وساق والعدو مصمم على إبادة شعب كامل بدون رادع من أي نوع، فإنه لا وقت للتحسر وذرف الدموع، بل الوقت للعمل والتفكير العملي المبدع، ذلك إنني لا أظن إننا كشعوب نملك ترف الترقب والمشاهدة، لذا فإنه علينا التفكير الآن وليس غدا في الحلول الممكنة التي يمكن أن تنقذ إخواننا في قطاع غزة، حيث إن الموقف لا يحتمل انتظار الحلول التقليدية، مثل اتفاق سياسي ينتج عنه فتح المعابر أمام قوافل المساعدات، أو تدخل الحكومات أو المؤسسات الدولية التي تتحكم في مواقفها حسابات معينة والتي فشلت فشلا ذريعا في حماية المدنيين العزل، وبما أن المعابر مقفلة والعدو يمعن قتلا وتدميرا وتجويعا فإن علينا أن نفكر في حلول ابتكارية خارج المألوف لوقف هذه المجزرة ونخفف من بشاعة الكارثة التي تصلنا مناظرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي هي بلا شك أقل بكثير عن الواقع على الأرض، حيث إنه لا يعقل وليس مقبولا أبدا من أمة تعدادها ملياري نسمة أن تقف عاجزة عن إيجاد الحلول الناجعة لوقف هذه الجريمة النكراء التي يندى لها جبين البشرية وستظل نقطة سوداء في تاريخها الطويل.

 عليه فإنه من هنا ومن منبر جريدة اخبار عمان الصادح بالحق والعدل والحقيقة، هذه دعوة مفتوحة لشباب الأمة وعلمائها ومفكريها ورجالها وكل الغيارى على وجه البسيطة إلى ابتكار حلول عملية تفضي إلى إيصال المساعدات الإنسانية، وتستطيع أن تنقذ الموقف الكارثي في هذا القطاع الذي يمثل قلعة الأمة وأحرار العالم وأصحاب الضمير الحي قاطبة في كل دول العالم وحصنها المتقدم في وجه الزحف الصهيوني المتفاقم، ويمكن لهؤلاء التفكير في كيفية الاستفادة من تقنيات العصر الحديث، التي تستطيع الوصول إلى قطاع غزة كالطائرات المسيرة والطائرات الشراعية والأنفاق والغواصات والزوارق السريعة الذاتية الدفع وحتى الصواريخ الحاملة للمساعدات الغذائية والطبية، بحيث يجب البحث السريع والجاد في كيفية استغلال هذه التقنيات والمبتكرات وغيرها مما قد يتفتق عنه العقل البشري وتسخيرها نحو هذا الهدف النبيل، والقيام بتطبيق ذلك فورا وبدون إبطاء، نظرا لخطورة الموقف وتغول واستكبار وطغيان العدو وحلفائه وسدنته وأنصاره.

إنها دعوة لكل الأمة ولكل أحرار العالم وأصحاب الضمائر الحية ولكل من ألقى السمع وهو بصير، لفعل شيء ملموس يخفف هذا الحصار الخانق ويوقف هذه المجازر والإبادة الجماعية لشعب كامل والتي تحدث أمام أنظار هذا العالم الذي يدعي زورا وبهتانا بأنه متحضر، والحقيقة إنه عالم محتضر.

 

   

شاركها.