حسناء جوخدار اخبار تركيا

تحتضن تركيا، وخاصة ولاية أنطاليا والمناطق المحيطة بها، ثروة تاريخية وأثرية استثنائية، تجسد حوارًا حضاريًا متواصلًا عبر آلاف السنين. من الكنائس البيزنطية العريقة إلى المدن الليقية الغامضة، ومن المواقع الرومانية المهيبة إلى الآثار التي تروي قصص القديسين والشعوب القديمة، تُعتبر هذه المنطقة متحفًا مفتوحًا يحكي سطورًا من تاريخ البشرية.

كل موقع أثري في المنطقة ليس مجرد حجارة وأطلال، بل هو قصة إنسانية تنتظر من يكتشفها، ولا شك أن إدراج هذه المواقع على قوائم التراث العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو ليس مجرد اعتراف بقيمتها العالمية، بل أيضًا دعوة للحفاظ عليها كشواهد حية على التبادل الثقافي والإنساني.

1. كنيسة القديس نيكولاس في دَمْرَة، أنطاليا

تقع كنيسة القديس نيكولاس في الحافة الغربية لقرية دَمْرَة (المعروفة تاريخيًا باسم “ميرا”)، وقد وصفها البروفيسور جورج بين بأنها كانت مقصدًا للحجاج في العصور الماضية، وهي الآن مقصد سياحي مهم. وُلد القديس نيكولاس الميري في باتارا، وأصبح أسقف ميرا وفقًا للتقاليد في 15 مارس 270م. عُرف بمعجزاته التي منحته لقب “نيكولاس صانع العجائب”، وهو شفيع اليونان وروسيا، وكذلك الأطفال، والتجار، والبحارة، والعلماء، وغيرهم.

رغم قلة المعلومات التاريخية المؤكدة عن حياة القديس نيكولاس، إلا أنه من المؤكد أنه عاش وتوفي في ميرا. الكنيسة هي مبنى روماني شرقي قديم مكرّس للقديس، ويُعتقد أنها بُنيت فوق ضريحه. وقد تم التنقيب عنها من قِبل علماء آثار أتراك، وأُضيف إليها سقف لحماية هيكلها. يحتوي الضريح على تابوت القديس، وعليه نقوش سِريلية نُحتت خلال ترميم روسي في القرن التاسع عشر.

في القرن الحادي عشر، تعرض التابوت للتدنيس من قبل مجموعة تجار من مدينة باري الإيطالية، قاموا بسرقة جزء من رفات القديس ونقلوه إلى موطنهم، ومن ثم أصبح يعرف باسم “نيكولاس باري”. ومن الجدير بالذكر أن شخصية “سانتا كلوز” الشهيرة عالميًا استُلهمت تاريخيًا من شخصية القديس نيكولاس.

2. كنيسة القديس بولس، بئر القديس بولس، والأحياء التاريخية المحيطة بمدينة طرسوس

يُعتبر القديس بولس (شاؤول الطرسوسي) من أبرز رموز المسيحية المبكرة. وُلد لعائلة يهودية في طرسوس، وهي مدينة تقع بين مرسين وأضنة في جنوب تركيا. ويُعدّ شخصية محورية في عصر الرسل، وله تأثير بالغ على تطور المسيحية الشرقية والغربية.

تشير بعض الروايات إلى أن بولس نفسه بنى كنيسة في طرسوس. كتب ب. لوكاس عن ذلك في عام 1704، وأكّد ف. لانجلو وجود الكنيسة بعد زيارته للموقع في 1851. ترجع أصول الكنيسة وفقًا للتقاليد إلى القرن الحادي عشر، إلا أن المبنى الحالي، وهو عبارة عن بازليكا بدون قبة، بُني في منتصف القرن التاسع عشر.

زينت نوافذ الكنيسة بصور للملائكة ومناظر طبيعية، بينما يزين السقف لوحات جدارية ليسوع المسيح في الوسط، مع الإنجيليين الأربعة: متى، مرقس، لوقا، ويوحنا على الجوانب. من المعالم الأخرى المهمة في الموقع: بئر القديس بولس (ينبوع مائي تقليدي)، والشارع القديم، والبوابة الرومانية المقوسة.

3. المدن القديمة للحضارة الليقية، أنطاليا

تقع مدن ليقيا القديمة في شبه جزيرة تَكَة بين أنطاليا وفتحية. تعود أقدم الآثار إلى العصر الحجري القديم، حيث تشير الاكتشافات في كهف قرائن إلى وجود استيطان بشري منذ حوالي 700,000 سنة قبل الميلاد. كذلك، يُعتبر كهف بل ديبي الذي يعود إلى نحو 35,000 سنة قبل الميلاد، من المواقع المعاصرة لكهوف لاسكو (فرنسا) وألتميرا (إسبانيا).

بدأت أولى المستوطنات الحضرية خلال العصر البرونزي، وتمثلت في مواقع مثل ميلي، طلوس، وحجي لار. تشير مصادر من الألفية الثانية قبل الميلاد إلى قبيلة “لوكا” أو “لوقا”، ويذكر الملك الحثي سوبيلوليوما غزوه “لبلد ليقيا”. تعني كلمة “لوقا” بحسب المؤرخين “أرض النور”.

ذكر هوميروس في الإلياذة الليقيين كمحاربين شجعان جاءوا من وراء نهر زانتوس، وانضموا إلى الملك بريام في حرب طروادة. وكان الليقيون شعبًا أناضوليًا تحدث لغةً مستقلة تُعرف بالليقية، وهي ة باللغة اللوفية، أقدم لغة هندوأوروبية معروفة.

تميّزت حضارتهم بتصميم المقابر الفريد، كما يُعرف عنهم أنهم أسّسوا واحدة من أقدم الحكومات الفيدرالية في التاريخ، الرابطة الليقية، والتي ضمّت 23 مدينة. هذا النموذج في الحكم التمثيلي ألهم فيما بعد النظام الدستوري الأمريكي.

من أهم المدن الليقية:

في الغرب: طلوس، زانتوس، بينارا، تلميسوس

في الوسط: أنتيفلوس، كيكوفا، أريكاندا، ليميرا، ميرا

في الشرق: أوليمبوس، فاسيليس

يُعتبر طريق ليقيا، بطول 500 كيلومتر، من أكثر مسارات المشي شهرةً في تركيا والعالم.

4. موقع ساغالاسوس الأثري، بوردور

يقع موقع ساغالاسوس الأثري شمال أنطاليا بحوالي 120 كم، باتجاه إسبرطة، بالقرب من بحيرة أغيردير. يُعرض العديد من الاكتشافات الأثرية من هذا الموقع في متحف بوردور.

بدأت أعمال التنقيب الجادة هنا على يد علماء آثار بلجيكيين عام 1989، وتُعد ساغالاسوس من المواقع القليلة التي لا تزال نوافيرها القديمة تعمل وتوفر مياه صالحة للشرب. أشهر معالمها: نيمفيوم الأنطوني، وهي نافورة ضخمة تعود إلى عهد ماركوس أوريليوس.

ذُكرت المدينة باسم “سالاواسا” في السجلات الحثية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وبلغت ذروتها خلال العصور الهلنستية والرومانية، حيث كانت أغنى مدن منطقة بيسيدية.

من معالم ساغالاسوس:

الحمامات العامة (الثرمي)

المدينة العليا والسفلى

سوق روماني (ماسيلوم)

هيرون مزخرف يضم 14 راقصة

مسرح روماني رائع

تقع المدينة على ارتفاع بين 14501700 متر فوق مستوى سطح البحر، ما يجعلها عرضة للثلوج في الشتاء، لكنها تُعد وجهة مثالية في الصيف.

5. الموقع الأثري في بيرغة، أنطاليا

تقع بيرغة على بعد حوالي 20 كم شرق أنطاليا، باتجاه ألانيا. وتعود جذورها إلى العصر البرونزي، إذ وُجد اسمها “بارها” مكتوبًا على لوحة مسمارية توثق اتفاقية من القرن الثالث عشر قبل الميلاد. عُرفت لاحقًا باليونانية باسم “بيرغة”.

يعود الفضل في الكشف عن معالم المدينة إلى أكثر من 70 عامًا من الحفريات على يد علماء آثار أتراك، ويُعرض الكثير من المكتشفات في متحف أنطاليا الأثري. تتيح المدينة تجربة أصيلة لزوارها، إذ يمكنهم التجول بين:

المسرح

الاستاد

الأسوار

الحمامات الرومانية (من الأفضل حفظًا في تركيا)

السوق

الشارع ذو الأعمدة

كان الإله أرتيميس يُعبد هنا، ويقع معبده خارج المدينة على تلة، حيث كانت تُنظّم مهرجانات تكريمية سنوية له. عند دخول المدينة من البوابة الرومانية المتأخرة، تستقبل الزائر ساحة تحيط بها الأبراج الهلنستية. كما يمكن الوصول إلى الأكروبوليس من خلال الشارع المزوّد بالأعمدة.

المصدر: وزارة الثقافة والسياحة التركية

شاركها.