عبدالله إلهامي

«هيدي واجباتنا الدولة.. أنا رجل عسكري، أربعين سنة وأنا أضحّي لبلدي، ومستعد أكمّل.. هيدي الفرصة الوحيدة اللي معنا، وما راح نخليها تروح. بدنا هالبلد يوقف على رجليه من أجل ولادنا وولاد ولادنا، ومن أجل أشقائنا في الخليج وغير الخليج».

بهذه الكلمات تلخّصت رؤية الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، التي طرحها في لقائه الاستثنائي مع رؤساء تحرير الصحف البحرينية، خلال زيارته الرسمية الأولى إلى مملكة البحرين.

اللقاء، الذي جاء بُعيد وصوله بساعات قليلة، امتد لأكثر من ساعة، واتّسم بالصراحة والودّ والعمق السياسي، وتناول فيه التحديات التي يواجهها لبنان، وآفاق الانفتاح على دول الخليج، وإعادة بناء الثقة مع الأشقاء، ومستقبل الدولة اللبنانية بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي والسياسي.

من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية: عهد جديد يتشكّلجوزاف عون، الذي قاد الجيش اللبناني في مرحلة حساسة من المواجهات التي شهدها لبنان بين حزب الله وإسرائيل في أعقاب السابع من أكتوبر، وعلى مدى 13 شهراً متواصلة، وعقب فراغ رئاسي امتدّ لأكثر من سنتين وأربعة أشهر، جاء تعيينه رئيساً للجمهورية بمثابة بارقة أمل جديدة للبنان. وكان خطابه الذي ألقاه عقب أداء اليمين الدستورية لحظة استثنائية ومرحلة مفصلية في تاريخ هذا البلد الشقيق، خاصةً حين أكد بكل وضوح على حصر السلاح بيد الدولة، وهو المبدأ الذي شدد عليه في هذا اللقاء، وفي كافة لقاءاته السابقة.حفاوة وصراحة: الرئيس بين أهلهعكس اللقاء انفتاحاً غير مسبوق من الرئيس اللبناني، وكرماً في الاستقبال، وشفافية في الطرح، ووضوحاً لا يحمله إلا مَن يسكنه وجع وطن.

لم يضع الرئيس حواجز بينه وبين الصحفيين، بل أصر على الإجابة عن كل الأسئلة، بصوت قائد يتحدث لا باسم مؤسسة رئاسية فحسب، بل باسم وجدان شعبي متعب، لكنه لا يزال يؤمن بلبنان.البحرين.. وطنٌ ثانٍ للبنانوفيما يتصل بزيارته إلى البحرين، أكد أن هذه المحطة تأتي ضمن جولة تهدف إلى إعادة بناء جسور الثقة مع دول الخليج العربي. وقال: «لطالما اعتبر الخليج لبنان شرفة العرب ولبنان يعتبر الخليج بلده الثاني ولا يفصلهم إلا جغرافياً».

وأشاد الرئيس اللبناني بالمواقف المشرفة لمملكة البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، الداعمة والمساندة لكل ما يحفظ للجمهورية اللبنانية الشقيقة أمنها ووحدتها واستقرارها، مؤكداً على عمق ومتانة العلاقات بين البلدين.وأعرب عن بالغ شكره وامتنانه لحضرة صاحب الجلالة على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مشيداً بدور جلالته البارز في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، وسعي جلالته الدؤوب لتقريب وجهات النظر وتعزيز العمل العربي المشترك.

ملفات ثنائية لتعزيز العلاقاتوتطلع الرئيس عون باهتمام كبير للقائه المرتقب مع حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم والمسؤولين البحرينيين لبحث عدد من المواضيع المهمة، أبرزها إعادة فتح سفارة البحرين في لبنان، وتسهيل سمات دخول اللبنانيين، وإعادة تسيير طيران الخليج، وتفعيل العلاقات الاقتصادية والزراعية، وإعادة فتح الأسواق الخليجية أمام الصادرات الزراعية اللبنانية. ودعا الرئيس عون أبناء البحرين والخليج لزيارة لبنان وتمضية فصل الصيف فيه، مؤكداً أن لبنان ينتظرهم للاستمتاع بالضيافة اللبنانية وجمال لبنان ومناخه المميز.

السلاح الشرعي فقط:قرار لا تراجع عنهوحول مسألة حصرية السلاح، شدّد الرئيس على أن أساس أي دولة هو أن يكون قرار السلم والحرب بيدها وحدها، وأن يحتكر الجيش السلاح.

وقال: «تطبيق حصرية السلاح المتخذ والذي لا رجوع عنه يتم بروية على نحو يحفظ وحدة لبنان، ويمنع الإضرار بالسلمالأهلي». وأكد أن الجيش اللبناني ينتشر في كل المناطق من الشمال إلى الجنوب، وعلى السلسلة الشرقية والطرف الشمالي يضبط الحدود البرية والبحرية، ويقوم بمهام تشمل مكافحة الإرهاب والمخدرات.

وأضاف أن قرارنا بإنقاذ الدولة نهائي ولن نوفر جهداً لتحقيق ذلك، وصفحة الماضي قد طويت، والمعابر الحدودية باتت ممسوكة أمنياً والإصلاحات جارية في مختلف المجالات».

وأوضح أن الجيش أينما حلّ يقوم بدورياته ويداهم كل مخازن السلاح والذخيرة التي هي خارج نطاق الجيش، ويقوم بواجبه في الجنوب على أكمل وجه بالتعاون مع اليونيفل وبمساعدة أبناء المنطقة الرافضين لكل الحروب.

الطوائف نعمة.. والطائفية نقمةوأكد الرئيس عون خلال اللقاء أن «الطوائف نعمة، ولكن الطائفية نقمة». وقال «نؤمن بالأديان.. ولكن فرق بين المتعصّب والمؤمن»، مشيراً إلى أن الطائفية تستخدم لأغراض سياسية ولتغذية مصالح ضيقة، بينما على مستوى الشعب اللبناني نفسه لا يوجد هذا الأمر، فـ «اللبنانيون يعيشون في تداخل اجتماعي فريد، وهناك علاقات مصاهرة بين مختلف الطوائف وحياة يومية مشتركة بين الجميع».

وأضاف أن المواطن اللبناني لديه ولاء لوطنه ليس لشيء آخر، والخليط والتنوّع الواسع في لبنان يشهد على ذلك.

الاتفاق اللبناني الإسرائيلي والوضع الجيوسياسي أشار الرئيس عون، إلى أن إسرائيل لا تزال تمتنع عن التقيد باتفاق 26 نوفمبر 2024 وتواصل اعتداءاتها على لبنان، ولا تستجيب للدعوات الدولية لوقف الأعمال العدائية.

وأكد أن أي حل يحتاج إلى ضمانات لتنفيذه، خاصة وأن إسرائيل لم تلتزم بتطبيق القرار 1701 بكامل بنوده، بينما التزم لبنان بالاتفاق بشكل كامل ونشر الجيش في جنوب الليطاني.وأضاف، أن استمرار الوجود الإسرائيلي في التلال الخمس يمثل عائقاً أمام استكمال انتشار الجيش اللبناني، الذي سيرتفع عدده إلى 10 آلاف جندي بنهاية العام، وحيثما ينتشر الجيش تتم مصادرة الأسلحة وإنهاء جميع المظاهر المسلحة».

إصلاحات اقتصادية: خطوات ملموسة نحو التعافي الاقتصاديأشار عون إلى أن الحكومة الحالية استطاعت خلال 6 أشهر إنجاز ما لم يُنجز منذ 15 سنة، منها إطلاق الهيئة الناظمة للطيران المدني، وإقرار قانون إصلاح المصارف، واستكمال العمل على قانون الفجوة المالية، وقانون رفع السرّية المصرفية.

وصرّح: «نعيد الهيكلة بمسؤولية، ونحدد من يتحمل المسؤولية».وأضاف أن هذه الحكومة تختار تعييناتها على أساس الكفاءة ووفق آلية للتعيينات، وتسير وفقها في تسكين المناصب القيادية.البحرين عضو غيردائم في مجلس الأمنأكد الرئيس عون أن انتخاب البحرين عضو غير دائم في مجلس الأمن «دليل ثقة العالم بها وهي ستحمل القضايا العربية، ومنها القضية اللبنانية إلى هذا المحفل الدولي الرفيع».

رؤية لعقد قادم: استعادة الثقةوحول سؤال «الوطن» حول توقّعه لمستقبل لبنان في العقد القادم، أكّد أنه يتطلع لتنفيذ 4050% من خطاب القصر الذي أداه عقب اليمين الدستورية، مشيراً إلى تفاؤله، على الرغم من التحديات الكبيرة، وأن الأهم هو إعادة بناء الثقة بين الشعب اللبناني والحكومة ولبنان والعالم الخارجي.الختام: دفء لبناني وحنين بحرينياختتم الرئيس اللقاء قائلاً: «لقاؤكم حسّسني أني بين أهلي.

لبنان ما بينسى مين وقف معه، والإعلام لازم يكون شريكاً بالدولة». وختم داعياً أبناء البحرين خصوصاً وأبناء الخليج عموماً إلى المجيء إلى لبنان وتمضية فصل الصيف فيه، وأضاف ضاحكاً: «اللبنانيين عطشانين للبحرينيين».

شاركها.