صعّد الكونجرس الأميركي انتقاداته للقانون الأوروبي الجديد المنظم لمنصات التواصل الاجتماعي، واصفاً إياه بأنه يمثل “تهديداً رقابياً أجنبياً”، في خطوة تعكس تصاعد التوتر بين ضفتي الأطلسي، إذ أن كافة منصات التواصل الاجتماعي العاملة في أوروبا، تابعة لشركات التكنولوجيا الأميركية.
وأصدرت لجنة القضاء في مجلس النواب الأميركي تقريراً، حصلت عليه “بوليتيكو”، وصفت فيه قانون “الخدمات الرقمية” الأوروبي، بأنه “قانون رقابة رقمية شامل” يشكل خطراً على حرية التعبير لمواطني الولايات المتحدة.
ويأتي التقرير في سياق انتقادات متزايدة من البيت الأبيض والخارجية الأميركية للقواعد الرقمية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، والتي تعتبرها واشنطن ثقيلة الوطأة وغير منصفة وتستهدف الشركات الأميركية وحرية التعبير على حد سواء.
ويرى مسؤولون أوروبيون، أن هذه القوانين ضرورية، ويجب تطبيقها بصرامة، بما يشمل عمالقة التكنولوجيا الأميركيين. كما أشار بعضهم إلى أن الهجوم الأميركي يعكس دفاعاً عن مصالح شركات التكنولوجيا الأميركية، أكثر من كونه مبدأً سيادياً.
ويستند تقرير الكونجرس الصادر في 37 صفحة، إلى تحقيق بدأ منذ خمسة أشهر ولا يزال مستمراً، وبدأ باستدعاءات رسمية من الكونجرس الأميركي لشركات التكنولوجيا الكبرى في فبراير الماضي.
ويتضمن التقرير، مراسلات بين مسؤولين كبار في المفوضية الأوروبية والنائب الجمهوري جيم جوردان، رئيس لجنة القضاء في مجلس النواب، إلى جانب معلومات غير علنية حول كيفية تنفيذ قوانين الاتحاد، بما يشمل: محتوى ورش عمل أوروبية سرية، ورسائل إلكترونية بين المفوضية والشركات، وطلبات إزالة محتوى من فرنسا وألمانيا وبولندا، ومحاضر اجتماعات بين مسؤولين أوروبيين وشركات تكنولوجيا.
وجاء في التقرير: “على الورق، قانون الخدمات الرقمية سيء. أما على أرض الواقع، فهو أسوأ بكثير”.
وأشار إلى أن “الرقيب الأوروبي” يستهدف الخطاب السياسي الجوهري، حتى لو لم يكن ضاراً أو غير قانوني، محاولاً كتم النقاش حول قضايا مثل الهجرة والبيئة، واصفاً الرقابة بأنها “منحازة بدرجة كبيرة” ضد الأصوات المحافظة.
رد المفوضية الأوروبية
من جانبه، قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، توماس رينييه، إن حرية التعبير “حق أساسي في الاتحاد الأوروبي، وتقع في صميم تشريعاته، بما في ذلك قانون الخدمات الرقمية”. وأضاف: “لا يوجد أي بند في هذا القانون يُلزم المنصات بإزالة محتوى قانوني”.
وأوضح رينييه، أن “أكثر من 99% من قرارات الإشراف على المحتوى تتخذها المنصات من تلقاء نفسها لتطبيق شروط الاستخدام الخاصة بها”، وأن “طلبات الإزالة التي تأتي بناء على أوامر من السلطات لا تمثل سوى أقل من 0.001% من الحالات”.
من المقرر أن يقود النائب جيم جوردان، وفدا من الكونجرس في زيارة إلى أوروبا، خلال الأيام المقبلة، لمناقشة قضايا الرقابة وحرية التعبير، بحسب مصدر مطلع على ترتيبات الزيارة.
ومن المنتظر أن يلتقي الوفد بنائبة رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون السياسات الرقمية، هينا فيركونين، الاثنين المقبل، بحسب ما أكد المتحدث الرسمي باسم المفوضية لـ”بوليتيكو”.
ورشة عمل سرية
وتعتبر المفوضية الأوروبية، قانون الخدمات الرقمية، “محايداً” ولا يحدد ما يُعتبر خطاباً غير قانوني. لكن لجنة الكونجرس، قالت إن “ما يجري خلف الأبواب المغلقة يثبت العكس”.
ففي ورشة عمل سرية، كشفت عنها “بوليتيكو” في مارس الماضي، طرحت المفوضية سيناريوهات على شركات التقنية والجهات التنظيمية والمجتمع المدني، وسألتهم كيف سيتعاملون معها.
من بين السيناريوهات، منشور يظهر فيه تعليق: “نريد استعادة بلدنا”، فوق صورة امرأة ترتدي الحجاب، وتحتها عبارة: “إرهابية متنكرة”. ورأت المفوضية أن المنشور يمثل “خطاب كراهية غير قانوني”.
أما اللجنة الأميركية، فاعترضت على ذلك، مؤكدة أن عبارة “استعادة بلدنا” هي “تعليق سياسي شائع وبريء” استُخدم حتى من قبل نائبة الرئيس السابق، كامالا هاريس.
كما أشارت اللجنة، إلى أن المفوضية الأوروبية، طلبت من منصات التواصل الاجتماعي الأميركية العاملة في أوروبا، التعامل مع الصور الساخرة والميمات خلال الورشة، معتبرة أن إخفاء هذه الورشة يعكس نية المفوضية في “إخفاء أهدافها الرقابية”.
انتقادات أميركية
وانتقد تقرير الكونجرس أيضاً، اعتماد المفوضية على أطراف ثالثة مثل “الجهات الموثوقة للإبلاغ” وهيئات تسوية النزاعات، معتبراً إلى أنها تفتقر للاستقلالية والحياد.
كما انتقد كذلك اشتراط أن يكون المدققون في الحقائق، معتمدين من الجهات التنظيمية، وشمل الانتقاد الأميركي أيضاً، وجود تضارب مصالح في عمل بعض هذه الهيئات بسبب تمويلها أو ارتباطها بقضايا مرفوعة ضد شركات التكنولوجيا.
كما انتقد التقرير ما يسمى بـ “المنصات الكبرى جداً”، وهي التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم نشط شهرياً داخل الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن التصنيف يُستخدم لتقييد الشركات غير الأوروبية، بينما تتمتع الشركات الأوروبية باستثناءات.
من بين الحالات التي لفتت انتباه النواب الأميركيين، شركة “سبوتيفاي” السويدية، التي سُمح لها بتقسيم خدماتها إلى “موسيقى” و”بودكاست”، مما مكنها من تجنب قواعد المنصات الكبرى الأكثر صرامة.
في الربع الأول من عام 2025، بلغ عدد المستخدمين النشطين شهرياً في سبوتيفاي 689 مليون مستخدم، 37% منهم في أوروبا.