حسناء جوخدار اخبار تركيا

في قلب جنوب تركيا، حيث يعانق نهر الفرات التاريخ والطبيعة، تقع مدينة خلفتي (Halfeti) التي تخطف الأنفاس بجمالها الهادئ وسحرها الغارق في الأساطير. هنا، بين جدران القرى المغمورة بمياه السدود، وبين الأزقة الحجرية الصامتة، ينبض تاريخ يمتد لآلاف السنين، وتزهر ورود سوداء لا تنمو في أي مكان آخر على وجه الأرض.

خلفتي ليست مجرد وجهة سياحية، بل قصة مدينة ترويها المآذن نصف الغارقة، والبيوت العتيقة، وعبق القهوة التركية في حدائقها المطلة على الماء. إنها المكان الذي تلتقي فيه حضارات عريقة بأحضان الطبيعة، لتمنح الزائر تجربة فريدة لا تُنسى.

تقع بلدة خلفتي (Halfeti) في أقصى غرب ولاية شانلي أورفا (Şanlıurfa) جنوب تركيا، على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وتُعدّ واحدة من أكثر المواقع سحرًا واستثنائية في البلاد، إذ تجمع بين الطبيعة الخلابة، والعمق التاريخي، والأسطورة.

ترتبط خلفتي بأسطورة شهيرة تقول إنها الموطن الوحيد في العالم الذي تنمو فيه الورود السوداء، وتُعرف محليًا باسم “الفتاة العربية الباكية”. وتُزهر هذه الورود النادرة في فصلي الربيع والخريف، لتضيف إلى المكان هالة من الغموض والجمال.

اليوم، تنقسم خلفتي إلى قسمين: المدينة القديمة والمدينة الجديدة. ففي عام 2000، وبعد الانتهاء من بناء سد بيرجيك (Birecik) على نهر الفرات، غمرت المياه جزءًا كبيرًا من المدينة القديمة، بما في ذلك البيوت التقليدية والمساجد والمزارع. وانتقل السكان إلى مدينة جديدة بُنيت على بعد 15 كيلومترًا، باتت تُعرف باسم “خلفتي الجديدة”، فيما أصبحت البلدة القديمة تُعرف اليوم باسم “خلفتي القديمة”.

يعود تاريخ الاستيطان في خلفتي إلى عام 855 قبل الميلاد، حين أسسها الملك الآشوري شلمنصر الثالث. وفي العصر الروماني، ازدهرت كمستوطنة مزدهرة، وقد عُرفت لاحقًا باسم “قلعة الرومان”. وقد تعاقبت على المدينة حضارات عديدة، مثل الساسانيين والعرب والأمويين والعباسيين، الذين حكموا المنطقة بين القرنين السادس والثامن الميلاديين. وفي القرن الحادي عشر دخلها السلاجقة، ثم أصبحت جزءًا من الدولة العثمانية في القرن السادس عشر.

وفي عام 2013، أصبحت خلفتي عضوًا رسميًا في شبكة المدن البطيئة (Cittaslow) العالمية، التي تُعنى بالحفاظ على نمط الحياة الهادئ والبسيط، والحفاظ على البيئة والموروث المحلي.

يمكن الوصول إلى “خلفتي القديمة” عبر القوارب الصغيرة التي تنطلق من ضفاف الفرات، حيث تأخذ الزائر في رحلة ساحرة بين المنازل الحجرية شبه المغمورة، والأشجار العتيقة، والمآذن الغارقة. وتُعد المئذنة النصف المغمورة في قرية سافاشان (Savaşan) من أكثر الصور شهرة في المنطقة، وقد أصبحت رمزًا بصريًا فريدًا لخلفتي.

حول البحيرة، تنتشر مطاعم تقليدية تقدم أطباقًا محلية مثل كباب خلفتي بالباذنجان وسمك الشابوت المشوي، الذي يُعد من الأطباق الشعبية الشهيرة في المنطقة. كما يمكنك الاستمتاع بكوب من الشاي أو القهوة التركية في إحدى حدائق الشاي، أو في قصر كانيجي (Kanneci Mansion) الذي يعود عمره إلى نحو 200 عام، ويُعد من أبرز المعالم المعمارية الباقية.

خلفتي ليست مجرد مدينة، بل تجربة حيّة بين أطلال الماضي وروح الطبيعة، حيث يروي كل حجر ومئذنة قصة، وتهمس الورود السوداء بأسرار لا يعرفها إلا من زار هذا المكان الفريد.

المصدر: وزارة الثقافة والسياحة التركية

عن الكاتب


شاركها.