شعبان عبد الرحمن خاص اخبار تركيا

ينتمي المسلمون الصينيون الذين نشأوا داخل الصين وعاشوا على أرضها إلى “قومية الهاو ” أو «الخوي» وهم من العرق الصيني، ويقدر عددهم بأكثر من ثمانية ملايين، ويخوضون عبر التاريخ ملحمة سيخلدها التاريخ تشبثا بدينهم وخصوصيتهم الحضارية ومقاومة حملات النظام الشيوعي الصيني لإجبارهم علي التخلي عن دينهم والانصهار بالقوة في الدولة الوطنية الصينية ، وكانوا دائماً يميزون أنفسهم كمسلمين عن غيرهم من بني جلدتهم الصينيين.

هذا جانب من المسلمين المنسيين الذين حكموا ثماني ولايات صينية من اثنتي عشرة ولاية في ذلك العهد، وبنوا هناك مجدا تليدا ثم تكالبت عليهم قوى الاستعمار العالمي فأعملت فيهم آلة القهر والفقر والتخلف ومحاولات خلعهم من دينهم وتذويبهم في المجتمع الشيوعي ، مثلما حدث مع المسلمين في آسيا الوسطي (تركستان الغربية ) تحت الحكم الشيوعي السوفييتي .. ولذا وجب التوقف أمام تاريخهم وما آلت إليه أوضاعهم ، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .

وقد التقيت عبر مسيرتي في العمل الصحفي التي تمتد لأكثر من اربعين عاما التقيت في دول متعددة بهؤلاء القابضون علي جمر دينهم تحت قبضة الحكم الشيوعي الصيني والحكم الشيوعي السوفييتي السابق واستمعت اليهم وإلي جوانب متعددة في حياتهم تحت الحكم الشيوعي الجهنمي الحاقد علي الإسلام وعلمت كيف أن هذا الحكم يعد علي الناس أنفاسهم ويحرم عليهم أداء الشعائر الدينية أو حتي امتلاك نسخة من القرآن الكريم واعتبار ذلك جريمة يتم العقاب عليها بالسجن سنوات طويلة .

لذا أتناول بالتحليل مثلما فعل غيري ممن سبقوني من أساتذة وعلماء أداء لواجب الأخوة الإسلامية أوضاع هؤلاء المسلمين المنسيين في هذه البلاد ،وفي هذا المقال أستعرض شئونهم داخل الأراضي الصينية وفي تايوان وهونج كونج ..وأواصل في مقالات قادمة إن شاء الله تسليط الضوء علي مكونات مسلمة متعددة في مناطق أخرى مشابهة .

وقد لفت الإعلامي الكبير الدكتور عبدالقادر طاش مؤسس قناة إقرأ ورئيس تحرير صحيفة “المسلمون” الأسبق يرحمه الله .. لفت انتباهنا إلى الملف الذي خصّصته مجلة «السياسة الدولية» الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية عدد (أبريل 1998م)، بعنوان: «الصين: إشكالات الانتقال وتداعيات الإصلاح»، وتضمن أربع عشرة مقالة في حوالي 120 صفحة، لمتخصصين، تناولوا العديد من الجوانب السياسية والأيديولوجية والاقتصادية للتجربة الصينية في الماضي والحاضر، مع نظرة عاجلة للمستقبل.

أهمية الحديث عن المسلمين في الصين

كما تناول هذا الملف محورا متكاملا عن الأقليات الدينية في الصين، وخاصة ما يتعلق بواقع المسلمين ومستقبلهم، وقد ضم هذا المحور مقالين، أحدهما للأستاذ أحمد منيسي، تحدث فيه عن محاولات إعادة البحث عن الهوية بين الأقليات الدينية في داخل الصين، قائلا :”إن المسلمين في الصين، ينتمون إلى ثلاثة أجناس: جنس فيه الدم العربي، وجنس آخر يجري في عروقه دم الأواغرة، وجنس ثالث يجري فيه دم المغول، وهذه الأجناس تضم عشر قوميات.

ويرى أ.منيسي ( قبل سبعة وعشرين عاما ) أن لتناول موضوع الأقليات الدينية في الصين، أهمية خاصة نظراً للموقف المتشدد من النظام الشيوعي الحاكم ضد الأديان لفترة طويلة، كما أن القدوم المتوقع للصين، كقوة رئيسة على الساحة الدولية( حدث )، يعرض ضرورة طرح موضوع الأقليات الدينية بها، لبيان مدى ما يمكن أن تساهم به هذه الأقليات في تدعيم الوضع الصيني أو إضعافه.

أول علاقة بالإسلام

وسلط الضوء علي أول علاقة للصين بالإسلام قائلا : إن ذلك حدث عبر أول مبعوث مسلم وصل إلى الصين عام 31هـ 651 م ، في عهد الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، ثم توالت البعثات الإسلامية إليها، حتى بلغ عددها ثمانياً وعشرين بعثة خلال 53 عاما ، في الفترة بين عامي 31 و 184هـ. وقد تأسس أول مسجد للمسلمين في الصين عام 742م، في مدينة جانج ـ آن عاصمة الصين حينئذ، ويقدر عدد المساجد في الصين الآن بنحو 23 ألف مسجد، منها 55 مسجداً في العاصمة بكين.

وأكد إن استمرار تواصل الإسلام مع الصين تم عن طريق محورين، أولهما: بريّ جاء إليها من الغرب، وتمثل في فتح تركستان الشرقية المتاخمة لحدود الصين الغربية، وثانيهما: بحري، نقل الإسلام إلى شرقي الصين عبر رحلات التجار المسلمين.

ومنذ وصول الإسلام إلى الصين عام 651م 31هجريا ، تعرض لموجات من الصعود والهبوط في عصر أسرة ” تانج “، ثم أخذ ينتشر رويداً رويداً في عصر أسرة “سونج “، التي انقرضت عام 1267م، ثم قوي الإسلام وازدهر في عصر أسرة “يوان”، أو ما يسمى بعصر حكم المغول، وذلك في الفترة من 1277م إلى 1367م، ويكفي أن نعلم أن بعض المصادر الوثيقة، مثل كتاب “جامع التواريخ ” لرشيد الدين فضل الله، ذكر أن ثماني ولايات من اثنتي عشرة ولاية في الصين في ذلك العهد، كان يحكمها حكام مسلمون، وهذا بخلاف وزير المالية الذي كان يسمى شمس الدين الملقب بالسيد الآجل، ووزير الحربية علي يحيى الأويجوري.

ولكن النهضة التي شهدها الإسلام في ذلك العصر، تبدد الكثير من ثمارها في العصر التالي، “عصر المانشو” ، ومع قيام الثورة الوطنية عام 1911م، وتأسيس الصين الحديثة تمتع المسلمون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، وشاركوا في الحرب من أجل توحيد الصين، ولكن مع بداية الحكم الشيوعي الملحد، تعرّض المسلمون لموجات جديدة من الاضطهاد بسبب موقف الشيوعية المعروف من الدين، واستمرت حالة الكبت هذه حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي تقريباً، ثم بدأ عهد الانفتاح، فتنفس المسلمون الصعداء إلى حين ، حيث عادت الأوضاع لأجواء الكبت وسياسة القهروالعداء للأديان .

فرار من أجواء الكبت

وفي ظل موجات الكبت والتنكيل التي شنها النظام الشيوعي الصيني بين الحين والآخر فر الآلاف من المسلمين من الصين الي البلاد المجاورة : تايوان وهونج كونج التي وصلها الإسلام من قبل ويعيش المسلمون فيها حالة من الحرية والامان الي حد ما ، فقد وصل الإسلام إلى تايوان عام 1949م ، عندما هاجر إليها 20 ألف مسلم من الصين الشيوعية ، ومع موجات الفرار من الحكم الشيوعي الصيني ازداد عدد المسلمين المهاجرين إلي تايوان حتى وصل إلى أكثر من 50 ألفاً، وقد تمتعوا بوضع أفضل، مقارنة بإخوانهم داخل الصين ، وساهموا في إدارة الحياة السياسية في تايوان من خلال عضوية المجالس التشريعية، ومجلس الوزراء والجيش.

أما جزيرة هونج كونج، التي عادت إلى السيادة الصينية مؤخرا ، فقد وصلها الإسلام مبكراً عن طريق السفارات الإسلامية في القرن الأول الهجري، وتوالت هجرات المسلمين إلىها من جزر الهند الشرقية ومن الملايو ،وتحولت إلى ملجأ للمسلمين الصينيين الذين فروا من البطش الشيوعي، وهو ما رفع عدد مسلمي الجزيرة إلى أكثر من 35 ألف نسمة. وقد تم تأسيس عدد من الجمعيات الإسلامية، التي ترعى شؤون المسلمين هناك .

وبالعودة إلي المسلمين الصينيين على الأراضي الصينية ينبغي ان نشير الي أن الوجود الإسلامي في الصين لا يقتصر على القومية الصينية، فهناك قوميات أخرى لا تنتمي عرقياً إلى الجنس الصيني، تقطن في منطقة تركستان الشرقية، التي تم ضمّها عنوة للدولة الصينية، ويسكن فيها قوميات تركية عديدة، يأتي على رأسها قومية الأويغور، ثم القازاق، والقيرغيز، والأوزبك، والطاجيك، والتتار… وهو ما سنتناوله في مقالات قادمة إن شاء الله .

عن الكاتب


شاركها.