في يونيو الماضي، وبينما كانت القنابل تتساقط على طهران، حدث أمر مثير للدهشة! لقد ارتفعت صادرات إيران من النفط الخام ارتفاعاً حاداً لفترة وجيزة، ولم يثنِ القصف إيران عن شحن النفط، ولم يثنِ عملاءها في الصين عن الاستمرار في شراء النفط، متحدية العقوبات.

وفي حين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن يرغب على الأرجح في أن تقصف إسرائيل منشآت الطاقة، إلا أن سبب نجاح إيران كان بسيطاً: لم تعد العقوبات فعّالة.

على الأقل، ليس كما كان مقصوداً منها في الأصل. وتُعتبر العقوبات أدوات قسرية تُلحق الضرر الاقتصادي بالدولة حتى تُغير سلوكها. أما عملياً، فتقاوم الدول العقوبات، وتتحمل تكاليفها، بينما تبحث عن سبل للالتفاف عليها.

فبدلاً من تغيير سلوك الدولة، تُغير العقوبات الأسواق وتُعيد تشكيل العلاقات الاقتصادية، معيدة توجيه النفط إلى قنوات مبنية على الجغرافيا السياسية بدلاً من المنطق التجاري. والآن يقترب عصر عقوبات النفط كأداة قسرية من نهايته. وبينما لايزال كثيرون في واشنطن يميلون إلى مضاعفة العقوبات كأداة للانفصال عن الصين، فإن السياسة الأميركية ستكون أكثر فاعلية بالتحول إلى أدوات أخرى أقل إرباكاً.

وتُظهر حالتا إيران وروسيا، صعود العقوبات النفطية وهبوطها كأداة للحكم الاقتصادي. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، تسببت العقوبات المعاد فرضها في انخفاض صادرات إيران النفطية، حيث لجأ عملاؤها التقليديون في أوروبا الغربية وشرق آسيا إلى مصادر بديلة. وانخفضت صادرات إيران إلى نحو (الصفر) في عام 2020 خلال الجائحة.

ومع ذلك، بمجرد انتهاء القيود المتعلقة بالجائحة، ارتفعت مشتريات الصين من النفط الخام الإيراني بشكل كبير، حيث وصلت أخيراً إلى نحو مليوني برميل يومياً، ما أعاد إجمالي صادرات إيران إلى ما يقارب مستويات ما قبل العقوبات. وتعتمد الصين على إيران في نحو 14.6% من إجمالي وارداتها من النفط الخام.

وبدل أن تختفي، أُعيد تشكيل سوق النفط الإيرانية بما يتماشى مع الواقع الجديد الذي خلقته العقوبات. فبينما لايزال العملاء التقليديون يحجمون عن التعامل مع النفط الإيراني، أصبح أكثر جاذبية للمشترين غير المتأثرين بالعقوبات، وتحديداً المصافي الصينية الأصغر حجماً، المعروفة باسم «أباريق الشاي»، والتي تلبي الطلب المحلي وتتعامل عبر قنوات مالية لا تتعامل بالدولار. ولا ترغب بكين في تطوير علاقتها أكثر مع طهران، كما حجبت بيانات الجمارك التجارية للحفاظ على السرية.

وعلى عكس العقوبات المفروضة على إيران، استهدفت عقوبات واشنطن لعام 2022 على النفط الروسي موارد البلاد المالية بدل تدفقها الفعلي. وكانت تدابير مثل تحديد سقف سعر مجموعة السبع تهدف إلى الحد من قدرة روسيا على تحقيق الإيرادات دون إزالة الصادرات الروسية من السوق، وهو أمر رأى القادة الغربيون أنه سيؤثر سلباً في الأسعار.

لكن استهداف الإيرادات الروسية لم يفلح كما هو مأمول، فرغم الضغوط، صمدت الموارد المالية الروسية، على الرغم من أن موسكو، كغيرها من المنتجين، تكافح مع انخفاض الأسعار. وبعد إبعادها عن أوروبا، السوق الطبيعية لمنتجاتها، تُصدّر روسيا الآن نفطها الخام عبر طرق ملتوية إلى آسيا، حيث يشهد طلباً كبيراً عليه من قبل مصافي التكرير.

وتتيح العقوبات ثغرات تجارية جذابة للهند، حيث تشتري مصافي التكرير هناك النفط الروسي بخصم كبير، ثم تعيد تصدير المنتجات إلى أوروبا، محققة أرباحاً طائلة. وكما هي الحال مع إيران، تستفيد بكين من تقييد الطاقة الروسية بسوقها المحلية الضخمة، محتفظة بمصدر مفيد للضغط المُحتمل في علاقتها مع موسكو.

وفي الحالتين، لم تُغير العقوبات سلوك الدول، فقد تحدت إيران الضغوط الأميركية بشأن برنامجها النووي، بينما لم تتراجع روسيا بشأن أوكرانيا، بل إن الجهود المبذولة لعزل كلا البلدين عن سوق النفط العالمية جعلتهما يعتمدان على الطلب الصيني، ووفرت لبكين بدورها مصادر للنفط الخام ومنتجات أخرى.

وكانت هناك آثار جانبية سلبية أخرى. فبينما أضعفت العقوبات الاقتصادين الروسي والإيراني بشكل طفيف، فقد عززت، في المجمل، السياسات المعادية للولايات المتحدة في كل منهما.

وعلاوة على ذلك، تتناقص عوائد العقوبات. ومع تراجع تأثر طهران وموسكو بالاقتصاد العالمي، تقل خسائرهما من فرض المزيد من العقوبات. وبينما تواصل الولايات المتحدة تطبيق تدابير جديدة تستند إلى فهم معمق لشبكات النفط غير المشروعة، فإنها لا تستطيع وقف تدفق النفط تماماً. عن «فورين بوليسي»

. الصين تعتمد على إيران في نحو 14.6% من إجمالي وارداتها من النفط الخام.

. العقوبات تتيح ثغرات تجارية جذابة للهند، حيث تشتري مصافي التكرير النفط الروسي بخصم كبير ثم تعيد تصدير المنتجات إلى أوروبا.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

شاركها.