اتفق الاتحاد الأوروبي والصين، خلال القمة الخامسة والعشرين في بكين، على آلية جديدة للمساعدة في تسهيل تصدير العناصر الأرضية النادرة، كما أصدرا بياناً مشتركاً بشأن مكافحة تغير المناخ بروح اتفاق باريس لعام 2016، ومع ذلك، فإن الخلافات في مجالات مثل التجارة الثنائية والنزاع الروسي-الأوكراني ستتطلب جولات إضافية من المحادثات لمعالجتها.

وأصبحت قضية سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة موضوعاً متزايد الأهمية في النقاشات العالمية. وخلال الاجتماع رفيع المستوى مع الرئيس الصيني شي جين بينج الخميس، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي “لا يسعى إلى فك الارتباط أو قطع سلاسل التوريد مع الصين، ويرحب باستثمارات الشركات الصينية ومزاولتها للأعمال في أوروبا”.

وأضافت فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي في بكين بعد القمة: “اتفقنا على آلية محسّنة لتوريد الصادرات. بمعنى آخر، إذا ظهرت اختناقات، يمكن لهذه الآلية أن تتدخل فوراً لتفحص وتحل المشكلة أو القضية القائمة”.

وتُظهر بيانات الجمارك الصينية أن صادرات الصين من المغناطيسات إلى الاتحاد الأوروبي شكّلت نحو نصف الشحنات في يونيو، وهو أعلى معدل في العام الجاري، وقد تم منح المزيد من التراخيص وفقاً للقوانين واللوائح.

وقال وزير الخارجية الصيني وانج يي، خلال جولة أوروبية في 3 يوليو، إن “صادرات المعادن النادرة لن تصبح قضية خلافية بين الصين والاتحاد الأوروبي”.

وأضاف أن من حق أي دولة ذات سيادة، وضمن مسؤولياتها الدولية، أن تفرض تنظيمات ضرورية على السلع ذات الاستخدام المزدوج، أي التي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية. كما أشار إلى أن الحكومة الصينية أنشأت آلية “المسار السريع” لتسهيل الصادرات إلى الشركات الأوروبية.

وقال فنج تشونج بينج، مدير معهد الدراسات الأوروبية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ورئيس الجمعية الصينية للدراسات الأوروبية، في مقابلة مع “الشرق”: “الأوروبيون يتحدثون دائماً عن (تقليل المخاطر)، لكنهم يتبعونها فوراً بعبارة (لا لفك الارتباط)، لأن فك الارتباط مستحيل”.

وأضاف أن الجانبين يشتركان في مصالح اقتصادية عميقة، “فالاقتصاد الأوروبي لا يمكن أن يستغني عن الصين. أوروبا، كونها ثاني أكبر شريك تجاري للصين، تُعد من أهم الأسواق التصديرية لها”.

الذكرى الخمسون.. “مرحلة حرجة في التاريخ” أم “نقطة تحول”؟

ورحبت الغرفة التجارية الأوروبية في الصين الجمعة، بنتائج قمة الصين والاتحاد الأوروبي، وقالت في بيان إن الاجتماع “تجاوز التوقعات”. وسلطت الضوء على عدة تطورات إيجابية، من بينها البيان المشترك الذي أكد الالتزام المتبادل بمكافحة تغير المناخ، وإنشاء آلية محسّنة لتوريد الصادرات.

وقال ينس إسكيلوند، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين لـ”الشرق” إن الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي والصين تمثل فرصة ليس فقط للاعتراف بالنجاحات، بل أيضاً لإجراء “فحص صيانة” للعلاقة.

وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الصينية عن توصل الجانبين إلى عدة اتفاقيات مهمة، خصوصاً في مجالي تغير المناخ والرقابة على الصادرات.

وخلال اجتماع القمة في بكين يومي 24 و25 يوليو لإحياء الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية، قال الرئيس الصيني شي جين بينج إن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي وصلت إلى “منعطف حاسم آخر في التاريخ”، في حين وصفت أورسولا فون دير لاين العلاقة بأنها تمر بـ”نقطة تحول”.

وقال وزير الخارجية الكرواتي جوردان جرليتش رادمان، خلال زيارته للصين قبل القمة، لـ”الشرق” إن المنافسة موجودة، “لكن التعاون هو الخيار الوحيد لضمان مستقبل الأجيال القادمة”.

وأضاف: “قد تكون هناك اختلافات بين الصين والاتحاد الأوروبي، لكننا بحاجة إلى الحوار للحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة، وتحقيق علاقة متوازنة ومتكافئة ومربحة للطرفين، من خلال تقليل الحواجز التجارية والاستثمارية”.

وقال السفير الصيني لدى الاتحاد الأوروبي، تساي رن، إن “بعض الاحتكاكات لا مفر منها، لكن حل الخلافات يحتاج إلى إخلاص سياسي وعزيمة استراتيجية”، مشدداً على أن التعاون الاقتصادي والتجاري لا يزال يمثل ركيزة ومحركاً رئيسياً للعلاقات الصينية الأوروبية.

انقسام بشأن حرب أوكرانيا

وينظر القادة الأوروبيون إلى علاقتهم مع الصين غالباً من منظور الحرب الروسية الأوكرانية.

وقال البروفيسور شو فنج، عميد كلية العلاقات الدولية بجامعة نانجينج، لـ”الشرق” إن الاتحاد الأوروبي يأمل أن تقلل الصين بشكل كبير من علاقاتها في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة مع روسيا، ويسعى أيضاً للضغط على بكين من أجل تقديم تنازلات ملموسة، إلا أن موقف الصين في الحفاظ على تعاونها الطبيعي في مجال الطاقة مع روسيا لا يمكن تجاهله.

في 21 يوليو، شجبت وزارتا الخارجية والتجارة الصينيتان العقوبات الأحادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بنوك وشركات صينية بسبب روسيا، وتوعّدتا باتخاذ إجراءات ضرورية لحماية الحقوق المشروعة. وفي فبراير، أعاد وزير الخارجية الصيني وانج يي التأكيد على أن العلاقات الصينية-الروسية تتميز بأنها “ليست تحالفاً، ولا مواجهة، ولا تستهدف طرفاً ثالثاً”.

ورداً على سؤال بشأن الضغط الأوروبي على الصين لوقف شراء الغاز من روسيا، تساءل وانج: “إذا لم تستورد الصين النفط والغاز من روسيا، فكيف يمكنها تلبية احتياجات أكثر من 1.4 مليار شخص؟”.

وقال البروفيسور تسوي هونججيان من أكاديمية الحوكمة الإقليمية والعالمية بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين إن بعض السياسيين الأوروبيين يسعون إلى تضخيم سردية التنافس مع الصين وتثبيتها، بينما تؤكد الصين على ضرورة التعامل مع عوامل التنافس بعقلانية، بهدف تحويل التنافس إلى تعاون، ومنع تقويض أساس العلاقات الصينية الأوروبية.

وأضاف في حديث مع “الشرق” أن “الاتحاد الأوروبي يبدو أنه ينظر بشكل متزايد إلى سياسته تجاه الصين من خلال عدسة استراتيجيته تجاه الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى التضحية بجوانب من التعاون الصيني الأوروبي لمجاراة المواقف الأميركية”.

وأشار فنج تشونج بينج إلى أن المضي قدماً في العلاقات الصينية الأوروبية لا يمكن أن يتجاهل المشكلات والتحديات. لكنه قال إن بعض وسائل الإعلام والمحللين الأوروبيين يركّزون فقط على السلبيات.

وأضاف أن “هذه التحديات والمشكلات تُظهر في الواقع أين تتركّز المصالح المشتركة بين الصين والاتحاد الأوروبي”، حسب قوله.

تغير المناخ والتكنولوجيا

وقالت أورسولا فون دير لاين على “إكس” بعد انتهاء القمة: “بإمكان التعاون الصيني الأوروبي في مجال المناخ أن يضع معياراً عالمياً، وسنعمل معاً لإنجاح مؤتمر COP30”.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الجمعة، بالتزام الصين والاتحاد الأوروبي بتعميق التعاون في مواجهة تغير المناخ ودعم الانتقال العادل عالمياً. وفي اليوم نفسه، أشاد المتحدث باسم الخارجية الصينية قوه جياكون بالبيان المشترك حول المناخ، واعتبره تعبيراً عن التزام مشترك بالتصدي للقضايا المناخية وتعزيز التنمية الخضراء.

وقال فنج تشونج بينج في مقابلة مع “الشرق”: “رغم أن الاتحاد الأوروبي يرى وجود منافسة كبيرة مع الصين، إلا أن الصين تُعتبر شريكاً لا غنى عنه في ملف المناخ”. وأكد أن التعاون بين الطرفين في هذا المجال يسير بشكل جيد.

وفي البيان المشترك، تعهدت الصين والاتحاد الأوروبي بتسريع نشر الطاقة المتجددة عالمياً، وتعزيز تدفق التكنولوجيا والمنتجات الخضراء عالية الجودة، وجعلها متاحة وميسورة وملائمة لجميع الدول، بما في ذلك البلدان النامية.

كما اتفق الطرفان على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات مثل الانتقال في الطاقة، والتكيّف مع تغير المناخ، والتحكم في انبعاثات الميثان، وأسواق الكربون، والتقنيات الخضراء ومنخفضة الكربون. والتزم الطرفان بتقديم مساهماتهما المحددة وطنياً لعام 2035 قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP30.

ولم يأت البيان المشترك على ذكر الولايات المتحدة، التي من المقرر أن تنسحب من اتفاق باريس مجدداً في يناير 2026 بعد إعادة انتخاب الرئيس ترمب وتقديم إدارته طلباً رسمياً للانسحاب.

شاركها.