قالت “بلومبرغ”، إن إيران أطلقت حملة ترحيل جماعي ضخمة ضد المهاجرين الأفغان، واعتقالات، على خلفية اتهامات بأن “مهاجرين غير موثقين من أفغانستان تجسسوا لصالح إسرائيل”، وساعدوها في إطلاق الصواريخ خلال حرب الـ12 يوماً في يونيو الماضي.

وبثت هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية هذه المزاعم، في حين أفادت وكالة “تسنيم” شبه الرسمية، المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بأن السلطات ألقت القبض على عدد من الأفغان بتهم “التجسس وحيازة أدلة إرشادية لصناعة الطائرات المُسيرة والمتفجرات”.

وقالت الأمم المتحدة، الجمعة، إن أكثر من مليون شخص عادوا إلى أفغانستان منذ 1 يونيو الماضي، من بينهم 627 ألفاً تم ترحيلهم من قبل السلطات.

وذكر بابار بالوش، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للوكالة في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “فرقنا موجودة على الحدود تستقبل وتساعد أعداداً كبيرة من الأشخاص المرهقين والجوعى والمذعورين”، مضيفاً: “الكوادر والمنشآت مثقلة بالكامل”.

وقالت “بلومبرغ”، إن مزاعم التجسس أشعلت موجة من العنف والمضايقات استهدفت مجتمع اللاجئين الأفغان المهمش بالفعل، والذي توسع في إيران منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، والحروب اللاحقة بما فيها الغزو الأميركي عام 2001.

ويعيش في إيران نحو 2.6 مليون أفغاني مسجل رسمياً، وفقاً للأمم المتحدة، إضافة إلى نحو 500 ألف آخرين لا يحملون وثائق وتعتبرهم الدولة الإيرانية “غير شرعيين”.

ويُقدر مسؤولون إيرانيون العدد الإجمالي للأفغان المقيمين في البلاد بنحو ستة ملايين شخص، أي ما يعادل نحو 7% من السكان، وغالباً ما يشيرون إليهم بوصفهم “ضيوفاً” يستطيعون الحصول على السكن والخدمات الأساسية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيراني ضغوطاً بسبب العقوبات.

ورغم تأكيد الحكومة الإيرانية أن الترحيل يقتصر على الأفغان المُصنفين كـ”غير شرعيين”، فإن شبكة محللي أفغانستان، وهي مؤسسة بحثية مستقلة، تلقت العديد من التقارير عن استهداف أشخاص يحملون جوازات سفر ووثائق هوية قانونية، ما خلق حالة من الذعر والخوف.

“عواقب مدمرة”

وحذرت الأمم المتحدة من أن حملة الترحيل ستخلف “عواقب مدمرة” على أفغانستان وكذلك على المجتمعات والأسر التي يجري تهجيرها، مشيرة إلى أن ذلك يشمل خسارة ملايين الدولارات من التحويلات المالية التي يرسلها الأفغان العاملون في إيران إلى بلادهم سنوياً.

من جانبه، دعا رئيس وزراء حكومة طالبان، محمد حسن أخوند، السلطات الإيرانية إلى “التعامل مع عملية الترحيل بصبر وتدرج”، وفقاً لبيان صادر عن مكتبه.

وتتناقض هذه الدعوة مع روايات عدد من المُرحلين الذين أجرت “بلومبرغ” مقابلات معهم، إذ أفادوا بأن السلطات الإيرانية كانت تقوم بجمع الأفغان من الشوارع ثم تنقلهم إلى مراكز احتجاز نائية، قبل أن تُرحلهم بالحافلات إلى معبر “إسلام قلعة” الحدودي، حيث يعبرون إلى ولاية هرات غربي أفغانستان.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو جراندي، في تصريحات خلال زيارة إلى معبر إسلام قلعة: “كثيرون منهم غابوا عن وطنهم لسنوات ولا يملكون منزلاً أو مأوى”، مضيفاً: “العديد من الناس يعيشون عند خط الفقر أو دونه، لذا فإن هذا التدفق سيمثل عبئاً هائلاً على البلاد”.

مستقبل مجهول في بلد فقير

ويواجه المُرحلون تحد لبناء حياة جديدة في أفغانستان فقيرة ومثقلة بالعقوبات، وتعاني أزمات متعددة تشمل انعداماً حاداً في الأمن الغذائي وشحاً في المياه وبنية تحتية مدمرة بفعل الحروب المتعاقبة.

وأشارت “بلومبرغ” إلى أن كثيراً من المُرحلين سيكونون عرضة للاستهداف من قبل طالبان إذا كانوا قد عملوا في الحكومة الأفغانية السابقة أو لدى مؤسسات أميركية أو أوروبية. كما ستُحرم الفتيات والنساء من التعليم بعد الصف السادس، ويُستبعدن إلى حد كبير من فرص العمل.

وقال أحمد صابر، أحد المُرحلين في هرات، للوكالة عبر الهاتف: “أشعر وكأنني دخلت أكبر سجن في العالم، رغم أنه وطني”، متسائلاً: “ماذا سيحدث لتعليم بناتي الثلاث ومستقبلهن؟”.

ودعت منظمة العفو الدولية، ومقرها لندن، الأسبوع الماضي، إيران إلى التوقف الفوري عن “التهجير العنيف” للأفغان، مؤكدة أن ذلك ينتهك مبدأً دولياً يحظر إعادة أي شخص إلى بلد يواجه فيه خطر انتهاك حقوقه الإنسانية.

وقالت “العفو الدولية” إن طرد النساء والفتيات إلى أفغانستان يعرضهن لخطر خاص، بسبب سياسة طالبان القائمة على الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي.

وأظهر بحث نشرته بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان، الخميس، أن الأفغان الذين أُعيدوا قسراً إلى الدولة الخاضعة لسيطرة طالبان العام الماضي تعرضوا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي وتهديد أمنهم الشخصي.

وينتمي غالبية الأفغان الذين يفرون إلى إيران إلى أقلية الهزارة، التي تنتمي، شأنها شأن معظم الإيرانيين، إلى المذهب الشيعي، وتعرضت لاضطهاد عنيف على يد طالبان. وبفضل الروابط اللغوية والدينية القوية، اعتُبرت إيران ملاذاً طبيعياً لهؤلاء، كما أنها تتقاسم مع أفغانستان حدوداً سهلة الاختراق تمتد لنحو ألف كيلومتر.

لكن السلطات الإيرانية تفرض قيوداً صارمة على قدرة الأفغان على الاندماج، حتى بعد عقود من الإقامة وتكوين الأسر داخل البلاد. وغالباً ما يُمنع الأفغان من الحصول على الجنسية إلا إذا كان أحد الوالدين يحمل الجنسية الإيرانية.

ويصعب على الأفغان دخول الجامعات والعديد من القطاعات الوظيفية، وينتهي المطاف بكثير منهم في أعمال مؤقتة أو في قطاع البناء.

شاركها.