يعتقد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ارتكب جريمة الخيانة، وهي جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام. وخلال سعيه لصرف الأنظار عن معاناته السياسية الحالية، يحاول ترامب إعادة فتح قضية تمت منذ نحو عقد من الزمن تقريباً، وتتعلق بتدخل روسيا في الانتخابات الأميركية التي تمت عام 2016، وفاز بها ترامب بعد تغلبه على منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون.

لكن ترامب، مخطئ بشأن الحقائق والقانون، كما أن ادعاءاته المثيرة للجدل لا تثبت إلا مدى تدهور الخطاب السياسي المعاصر في الولايات المتحدة على نحو شامل.

وأدان ترامب، سلفه أوباما، بعد أن طلبت مديرة الأمن القومي، لوسي غابارد، من وزارة العدل، التحقيق فيما إذا كان موظفو الأمن في عهد إدارة أوباما قد قاموا بتزوير الأدلة على وجود جهود روسية تهدف للتأثير في انتخابات عام 2016.

وعندما تم طرح سؤال: من يجب استهدافه في التحقيق؟ خلال مؤتمر صحافي في المكتب البيضاوي، قال ترامب: «سيكون الرئيس أوباما، هو من بدأ ذلك، وكانت هذه خيانة. كل كلمة يمكنك التفكير فيها. لقد حاولوا سرقة الانتخابات، وحاولوا التعتيم على الانتخابات، ولقد فعلوا أشياء لم يتخيلها أحد قط، حتى في دول أخرى».

وذكر ترامب أشخاصاً آخرين، من ضمنهم الرئيس السابق، جو بايدن، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، جيمس كومي، والمدير السابق للمخابرات الوطنية، جيمس كلابر، ومدير وكالة المخابرات المركزية السابق، جون برينان، كمتهمين محتملين آخرين في هذه القضية.

واكتسب تاريخ الرئيس ترامب من التصريحات المتهورة نوعاً من الحصانة، فكلما زادت تصريحاته فظاعة، تم رفضها بسرعة. لكن ترامب أخطأ في تصريحه هذه المرة، فهو ليس مجرد رئيس، بل هو، والأهم من ذلك، المشرف على وزارة العدل الملتزمة بشكل غير عادي، وإدانته العفوية لسلفه أوباما، لها أهمية كبيرة ومخيفة في الوقت نفسه.

خيانة

وفي الواقع، أكد ترامب على أن يأخذ التحقيق في «الخيانة» المقصودة مساره الخاص بسرعة. وأعلنت المدعية العامة، بام بوندي، أن «قوة ضاربة» تابعة لوزارة العدل ستحقق في هذه المزاعم ضد أوباما والآخرين. ودعا اثنان من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، وهما ليندسي غراهام، وجون كورنين، إلى تعيين مستشار خاص للإشراف على سير الحقيق.

وتعد الخيانة هي الجريمة الوحيدة التي عرفها الدستور، مشيراً إلى أنها مبينة في جزء ذي صلة بأنها تقديم «المساعدة والراحة» لأعدائنا. وفي تكرار لادعاء، دأب ترامب وحلفاؤه على ترديده لسنوات، قالت غابارد إن «الرئيس السابق أوباما، بعد هزيمة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون أمام الرئيس ترامب في انتخابات عام 2016، طلب إعداد تقييم لأجهزة الاستخبارات، كانوا يعلمون أنه خاطئ».

واستشهدت غابارد، على وجه التحديد، بنقاط نقاش تم إعدادها لكلابر عام 2016، والتي نصّت على أن «الخصوم الأجانب لم يستخدموا الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية للانتخابات لتغيير نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية». وعلى ضوء ذلك، قالت غابارد، على مواقع التواصل الاجتماعي، إن إدارة أوباما «روجت لأكذوبة، مفادها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومة الروسية قدموا المساعدة لترامب من أجل الفوز في انتخابات 2016».

لكن أوباما أو مستشاريه لم يصرحوا بأن الروس هاجموا البنية التحتية للانتخابات من أجل تقديم المساعدة لترامب، أو لتغيير نتائج الانتخابات، أو أشياء مشابهة لذلك. بل على العكس، فقد أثبت بعض المحققين أن قراصنة الإنترنت في روسيا هاجموا حملة هيلاري كلينتون الانتخابية عن طريق سرقة وانتهاك بريدها الإلكتروني، ولا أحد يعرف ذلك مثلما يعرفه ترامب ذاته، الذي دأب على الاستشهاد مراراً وتكراراً بانتهاك بريد كلينتون الإلكتروني خلال الحشود التي أقامها أنصاره في حملته الانتخابية، وقال إنها تستحق المحاكمة.

وتوصلت جميع التحقيقات لحملة 2016 الانتخابية، بما فيها اللجنة الأمنية في الكونغرس في عام 2018، إلى النتيجة ذاتها. وقال عضو الكونغرس، ماركو روبيو، الذي بات الآن وزير الخارجية في إدارة ترامب: «اكتشفنا دليلاً لا يمكن دحضه على تدخل الروس في الانتخابات». وبعبارة أخرى، لم يكن استنتاج إدارة أوباما، جريمة، ناهيك عن كونه خيانة، بل كان مجرد بيان واقعي.

سوء إدارة

ورفض متحدث باسم أوباما، اتهامات الرئيس ترامب، واعتبرها «سخيفة، ومحاولة ضعيفة لصرف الانتباه»، لكن هذا الاتهام يخدم كلاً من بوندي، والأغراض السياسية لترامب. وربما تكون المدعية العامة متلهفة لإسعاد رئيسها، لأنها ليست على وفاق تام معه.

وقامت بوندي بخلق أزمة سياسية لترامب عن طريق سوء إدارة الكشف عن معلومات تتعلق بالراحل جيفري إبستين، وهو صديق الرئيس ترامب. وفي ردها على مطالب أصحاب نظرية المؤامرة في حزب ترامب، قامت المدعية العامة بالكشف عن مجموعة من الوثائق التي زعمت أنها سرية، وسط ضجة إعلامية، والتي لم تكن سرية بالمطلق، والجميع يعرف ذلك، ثم قالت، في الواقع، إنه لم يعد هناك ما يمكن الاطلاع عليه، لكنها لم تنجح في الكشف عن محاضر هيئة المحلفين الكبرى في القضية. فما هي أفضل طريقة يمكن أن تسلكها بوندي، لمساعدة الرئيس على صرف انتباه الأميركيين بعيداً عن ملفات إبستين، من البدء في تحقيقات بتهمة الخيانة الموجهة إلى الرئيس السابق أوباما؟

ويتجلى عبث هذا التحقيق في حقيقة أن أوباما يتمتع بحصانة شبه مؤكدة من الملاحقة القضائية، بفضل الرئيس ترامب والمحكمة العليا. ففي قرارها الصادر العام الماضي في قضية ترامب ضد الولايات المتحدة، قضت المحكمة بوجود افتراض، مفاده أنه لا يمكن مقاضاة الرؤساء السابقين على أي سلوك «رسمي» ارتكبوه خلال فترة توليهم مناصبهم، وإن إعداد ونشر نتائج الاستخبارات من المهام الرسمية للرئاسة، وبالتالي، فهي محظورة كأساس لأي تهم جنائية.

لكن يبدو أن إبراز هذا الأمر ينطوي على شبه عدم إنصاف للرئيس السابق أوباما، لأنه يوحي بأنه سيفلت من الملاحقة القضائية فقط بسبب الثغرات القانونية المؤسفة التي أقرتها المحكمة العليا في قضية ترامب، أما السبب الأهم فهو أبسط من ذلك بكثير، إذ إن الرئيس أوباما لم يرتكب أي جريمة.

ومع مرور السنوات، قال ترامب الكثير من الأشياء المثيرة للصدمة، لدرجة أنه من المغري تجاهل هذا التصريح أيضاً، مستخدماً الأعذار المألوفة، على سبيل المثال، أنه يجب أخذ الرئيس على محمل الجد، ولكن ليس حرفياً، أو أن الأمر كان مجرد «تصرفات ترامب»، لكن الحقيقة تبقى أن رئيس الولايات المتحدة صرح بأن سلفه ارتكب جريمة تستوجب الإعدام.

وعلى الرغم من ذلك، ثمة تحقيق رسمي يجري الآن، إلا أن مثل هذه الملاحقة القضائية والحكم لايزالان مستبعدين، لكن استحضار مثل هذا الاحتمال من قبل رئيس بادر بعملية الملاحقة القضائية يوحي بأن البلاد قد انتقلت إلى حقبة غير مسبوقة من الحقد والانتقام. عن «نيويورك تايمز»

. خلال سعيه لصرف الأنظار عن معاناته السياسية الحالية، يحاول ترامب إعادة فتح قضية تمت منذ نحو عقد من الزمن تقريباً، وتتعلق بتدخل روسيا في الانتخابات الأميركية التي تمت عام 2016.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

شاركها.