شهدت أسعار الذهب تراجعًا طفيفًا في الأسواق المحلية والعالمية خلال تعاملات الأسبوع المنتهي أمس السبت، حيث انخفضت الأسعار بنسبة 0.4%، متأثرة بتحسن البيانات الاقتصادية الصادرة عن الولايات المتحدة، إلى جانب تقدم ملحوظ في المفاوضات التجارية بين واشنطن وعدد من شركائها، ما قلّص من إقبال المستثمرين على المعدن النفيس كملاذ آمن، وفقًا لتقرير صادر عن منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت.
وأوضح سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، أن سعر جرام الذهب من عيار 21 وهو الأكثر تداولًا في السوق المصرية قد تراجع بقيمة 20 جنيهًا خلال الأسبوع، حيث انخفض من 4650 جنيهًا إلى 4630 جنيهًا. ويأتي هذا التراجع بالتزامن مع انخفاض محدود في سعر الأوقية عالميًا بنسبة 0.4%، إذ تراجعت من 3350 دولارًا إلى 3337 دولارًا.
وأشار إمبابي إلى أن أسعار الأعيرة الأخرى سجلت تراجعًا نسبيًا أيضًا، حيث بلغ سعر جرام الذهب عيار 24 نحو 5291 جنيهًا، بينما سجّل عيار 18 حوالي 3969 جنيهًا، وعيار 14 وصل إلى مستوى 3087 جنيهًا. أما سعر الجنيه الذهب فقد استقر عند 37040 جنيهًا.
وفيما يخص تعاملات السبت، أضاف التقرير أن أسعار الذهب قد انخفضت بقيمة 5 جنيهات، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند 4635 جنيهًا، قبل أن ينهيها عند 4630 جنيهًا، وذلك في ظل عطلة نهاية الأسبوع للبورصة العالمية، مما انعكس على ضعف في حركة التداول والتأثير على الأسعار محليًا.
العوامل المؤثرة على أسعار الذهب
أوضح إمبابي أن قوة الدولار الأمريكي واستعادته لبعض زخمه مؤخرًا رغم استمرار تراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية قد ساهمت في الضغط على أسعار الذهب، حيث قلّلت من استفادته من التراجع في العوائد. كما ساهمت أجواء التفاؤل في الأسواق العالمية بشأن مستقبل التجارة الدولية في تقليل الطلب على الذهب كأداة تحوط ضد المخاطر.
وأضاف أن الأسواق تتوقع أن يُبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) على أسعار الفائدة ضمن النطاق الحالي بين 4.25% و4.50%، وذلك للاجتماع الخامس على التوالي، مدعومًا ببيانات قوية تعكس استمرار قوة سوق العمل الأمريكي، مما يعزز موقف الفيدرالي في الحفاظ على سياسته النقدية دون تغيير مؤقتًا.
لفت إمبابي إلى أن الأسبوع الماضي شهد تطورات إيجابية على صعيد التجارة الدولية، من أبرزها الإعلان عن اتفاق تجاري جديد بين الولايات المتحدة واليابان، مما رفع منسوب التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة مماثلة مع الاتحاد الأوروبي في أقرب وقت. وأشار إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تحدث فيها عن “فرصة متكافئة” للتوصل إلى اتفاق مع أوروبا، ملمّحًا إلى إمكانية فرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10% و15% في حال عدم الوصول إلى تفاهمات مرضية.
جدول البيانات الأمريكية المرتقبة وتأثيرها المتوقع
فيما يتعلق بالأسبوع المقبل، أشار التقرير إلى أن الأسواق تترقب عددًا من الأحداث الاقتصادية الأمريكية الهامة، من أبرزها قرار الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي المقرر في 30 يوليو، بالإضافة إلى الإعلان عن الأرقام الأولية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من عام 2025، وبيانات نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية (PCE)، وأيضًا أرقام الوظائف غير الزراعية، وكلها مؤشرات من المتوقع أن تؤثر بشكل مباشر في أداء الدولار، وبالتالي على حركة أسعار الذهب.
يرى إمبابي أن الذهب يمر حاليًا بمرحلة من الاستقرار النسبي، بعد أن سجل ارتفاعات قوية بلغت ذروتها في أبريل الماضي، مدعومًا آنذاك بالتوترات الجيوسياسية والرسوم الجمركية، والتي دفعت بالأوقية إلى مستويات تاريخية اقتربت من 3500 دولار. إلا أن هذا الزخم بدأ يتلاشى تدريجيًا مع تحسّن الأوضاع التجارية وتراجع المخاطر السياسية، وهو ما انعكس على ضعف الطلب الاستثماري على الذهب.
وأضاف أن الأسواق الرئيسية مثل الهند لم تتمكن من تعويض هذا الانخفاض في الطلب الاستثماري عبر الطلب الفعلي، حيث تسبب ارتفاع الأسعار في تقليص حجم المشتريات رغم احتفاظها بقيمتها، مما يشير إلى أن مرونة المستهلكين تراجعت أمام مستويات الأسعار الحالية.
وفي المقابل، أشار إمبابي إلى أن الذهب لا يزال يحتفظ بجاذبيته لدى البنوك المركزية التي تسعى إلى تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار الأمريكي. إلا أن بيانات الربع الأول من عام 2025 أظهرت تراجعًا نسبيًا في وتيرة مشتريات هذه البنوك مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، في حين سجلت صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) إقبالًا لافتًا على شراء الذهب مؤخرًا.
تتباين التوقعات بشأن مستقبل أسعار الذهب، حيث تشير بعض السيناريوهات المتفائلة إلى إمكانية صعود الأوقية نحو مستوى 4000 دولار، في حال شهد الاقتصاد العالمي تباطؤًا حادًا أو تصعيدًا كبيرًا في الأزمات الجيوسياسية، أو تراجعًا قويًا في قيمة الدولار الأمريكي. بينما يتحدث السيناريو الأكثر حذرًا عن احتمال تراجع الذهب إلى مستويات 2800 دولار، إذا ما استمر تحسّن المؤشرات الاقتصادية وتقلصت الحاجة إلى اللجوء للملاذات الآمنة.
واختتم إمبابي بالتأكيد على أن الاعتماد على الأرقام والتوقعات الرقمية وحدها لا يكفي لاتخاذ قرارات استثمارية ناجحة في سوق الذهب، مشددًا على أهمية المتابعة الدقيقة للمؤشرات الأساسية مثل توجهات السياسات النقدية للبنوك المركزية، وحركة احتياطيات الذهب، وسلوك صناديق الاستثمار العالمية، إضافةً إلى العلاقة العكسية التقليدية بين الذهب والدولار، والتي ما زالت تشكّل محورًا رئيسيًا في فهم تحركات السوق.