غزوان المصري خاص اخبار تركيا

تشهد العلاقات التركية القطرية خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا نوعيًا، تجاوز الشكل التقليدي للعلاقات الثنائية، ليُشكل نموذجًا فريدًا للتكامل بين دولتين تتقاطع مصالحهما في ملفات سياسية واقتصادية واستراتيجية عديدة، ضمن محيط إقليمي شديد التقلّب.

فعلى الصعيد الاقتصادي، سجّل التبادل التجاري بين البلدين نموًا مطردًا، ليبلغ 2.3 مليار دولار في عام 2023، مع وجود إرادة سياسية لرفعه إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2030. هذا التوجه مدعوم بأكثر من 80 اتفاقية تعاون تشمل قطاعات الطاقة والدفاع والعقارات والزراعة والتعليم.

وتأتي الاستثمارات القطرية في تركيا في صدارة العلاقات الاقتصادية، حيث تجاوزت قيمتها 22 مليار دولار حتى بداية 2024، موزعة على قطاعات حيوية، أبرزها: القطاع المالي (مثل استحواذ QNB القطري على Finansbank التركي)، إلى جانب العقارات، البنية التحتية، التكنولوجيا، والموانئ.

ومن المؤشرات الدالة على قوة هذا التعاون، تزايد مشاريع الشراكة الصناعية بين الشركات التركية والقطرية، خاصة في الصناعات الدفاعية والغذائية. كما يجري العمل على تدشين مشروعات مشتركة في الطاقة، تشمل توسيع الاعتماد التركي على الغاز الطبيعي القطري، وتحديث البنية التحتية للموانئ التركية بدعم قطري.

أما في مجال الأمن الغذائي والزراعة، فإن قطر تستثمر في الأراضي الزراعية التركية لتأمين سلاسل الإمداد، بالتوازي مع إنشاء مصانع غذائية تركية في قطر، لتغطية السوق المحلي والخليجي معًا، في خطوة تعكس الرؤية بعيدة المدى للشراكة الاقتصادية.

لا يقتصر التعاون على الاقتصاد فحسب، بل يمتد إلى تنسيق سياسي عميق، حيث يتقارب الموقفان التركي والقطري في ملفات مركزية مثل فلسطين، سوريا، ليبيا، السودان، والتطبيع الإقليمي. كما يشترك البلدان في دعم قضايا الشعوب، وتحقيق توازن استراتيجي في منطقة تعاني من النزاعات والفراغات الجيوسياسية.

وتتجلى أبرز نتائج هذا التنسيق في دعم المبادرات الإقليمية الكبرى، مثل “ممر التنمية” بين تركيا وقطر والعراق والإمارات، والذي يشكّل رافعة جيواقتصادية تربط الخليج بأوروبا. كما يدعم البلدان مشاريع التحول الرقمي والتعليم والذكاء الاصطناعي، في إطار “رؤية قطر الوطنية 2030″ و”رؤية تركيا 2053”.

هذه العلاقة الاستراتيجية بين أنقرة والدوحة لم تُبنَ على ظرف سياسي طارئ أو تحالف ظرفي، بل تأسست على رؤية متكاملة وتكامل فعلي في القدرات، وهو ما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في العلاقات العربية التركية، خصوصًا في ظل الحاجة الماسّة لبناء تكتلات إقليمية تحمي مصالح الشعوب وتدعم الاستقرار.

إن نجاح التجربة التركية القطرية يعكس أهمية الحوار والشراكة والثقة المتبادلة، ويدفعنا كصناع قرار ومؤسسات أعمال إلى العمل على توسيع هذا النموذج ليشمل أطرافًا عربية أخرى، بما يخلق فضاءً اقتصاديًا إسلاميًا واعدًا، أكثر استقلالًا وقدرة على التفاعل مع التحولات العالمية.

في الختام، فإننا أمام نموذج عربيتركي ناجح في التعاون السياسي والاقتصادي، يمكن البناء عليه لإحداث توازن جديد في المنطقة، وتعزيز مقومات السيادة الاقتصادية والتنمية المستدامة في عالم تسوده التكتلات والتحالفات المتقدمة.

عن الكاتب


شاركها.