أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اعتزامه تقلّيص المهلة، التي كان منحها لنظيره الروسي فلاديمير بوتين للتوصل إلى هدنة في أوكرانيا، في محاولة لتكثيف الضغط على موسكو لوقف القتال، فيما قال الكرملين إنه أحيط علماً بتصريح ترمب بشأن تقليص الإطار الزمني لتسوية الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى “تباطؤ”، في تطبيع العلاقات الثنائية. 

وقال ترمب للصحافيين في اسكتلندا، الاثنين، خلال محادثاته مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: “سأحدد مهلة جديدة مدتها حوالي 10، 10 أو 12 يوماً، تبدأ من اليوم”، وفق ما نقلته “بلومبرغ”.

وأضاف ترمب: “سأعلن عنها (المهلة) على الأرجح الليلة أو غداً (الثلاثاء)، لكن لا داعي للانتظار إذا كنت تعرف ما هي الإجابة”، معبراً عن إحباطه من رفض بوتين دعواته السابقة لوقف إطلاق النار.

ولم يتمكن الرئيس الأميركي من وضع حد للنزاع، رغم أنه كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بحل سريع للحرب بين روسيا وأوكرانيا، والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

وفي 14 يوليو الجاري، أعلن ترمب مهلة مدتها 50 يوماً لروسيا، كان من المفترض أن تنتهي في 2 سبتمبر المقبل. كما لوح الرئيس الأميركي بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا إذا لم توقف الأعمال العدائية ضد أوكرانيا. إلا أن هذا التهديد لم يؤدِ إلى إنهاء القتال، إذ صعدت موسكو من الهجمات بالصواريخ والمُسيرات على المدن الأوكرانية.

وسجل الروبل الروسي تراجعاً بأكثر من 2%، متجاوزاً عتبة 81 روبلاً للدولار في موسكو، وهو أدنى مستوى له منذ منتصف مايو الماضي، وذلك عقب تصريحات ترمب، كما ارتفعت أسعار النفط بعد تصريحاته، وسط مخاوف من أن تؤدي التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى تهديد تدفقات الخام.

الكرملين: تباطؤ تطبيع العلاقات

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، خلال إحاطة إعلامية، الثلاثاء، لقد أخيطنا علماً بتصريحات الرئيس ترمب بشأن تقليص الإطار الزمني لتسوية الأزمة الأوكرانية من 50 يوماً إلى 10 أو 12 يوماً.

وأضاف أن “موسكو لا تزال ملتزمة بعملية السلام لحل النزاع الأوكراني”، مشيراً إلى أن روسيا تعتزم مواصلة العملية العسكرية الخاصة بهدف حماية مصالحها على الرغم من تصريحات ترمب.

ونوّه إلى أن روسيا والولايات المتحدة، لا تتواصلان حالياً بشأن تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “ستارت” لأن وضع العلاقات الثنائية لا يسمح لهما بذلك.

ومضى بيسكوف قائلاً: “عملية تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تسير على مسار متذبذب، وترغب موسكو في رؤية ديناميكية أكبر في هذا الشأن. نرصد تباطؤاً في عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة”.

وأردف: “يستمر العمل على رسم صورة روسيا كعدو في أوروبا، وموسكو تعرب عن أسفها لذلك”.

عقوبات ثانوية

وقال ترمب، الاثنين: “ما سأقوم به هو فرض عقوبات ثانوية، ما لم نتوصل إلى اتفاق، وربما نصل إلى اتفاق، لا أدري”.

وكان ترمب قد صرح في وقت سابق من الشهر الجاري، بأنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على روسيا إذا لم توقف القتال. وقال مسؤولون إن العقوبات الثانوية ستُفرض على الدول التي تشتري صادرات روسية مثل النفط.

وتعتبر واشنطن وعواصم أخرى متحالفة مع كييف، أن شراء هذا النفط يمثل شكلاً من أشكال الدعم الضمني لروسيا، إذ يسهم في تعزيز اقتصادها وتقويض أثر العقوبات.

وتمكن السيناتور الجمهوري من ساوث كارولاينا، ليندسي جراهام، وهو مقرب من ترمب، من حشد دعم من الحزبين لمشروع قانون يفرض عقوبات صارمة على روسيا أيضاً.

ورغم تهديداته السابقة بفرض تداعيات اقتصادية على بوتين، امتنع ترمب عن تنفيذها، مشيراً إلى رغبته في الإبقاء على مساحة للمفاوضات.

ولفتت “بلومبرغ” إلى أن تنفيذ عقوبات ترمب الثانوية سيلحق ضرراً بالهند والصين، وهما من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، في وقت يسعى فيه إلى إبرام اتفاق لخفض الرسوم والعوائق التجارية مع نيودلهي، بينما يواصل المفاوضون محادثاتهم في ستوكهولم لتمديد الهدنة التجارية مع بكين.

وقال تشارلز ليتشفيلد، نائب مدير مركز الجغرافيا الاقتصادية في المجلس الأطلسي ومقره واشنطن: “أعتقد أن تقليص المهلة هو جزئياً رد فعل على اعتبار أن مهلة الخمسين يوماً كانت طويلة بعض الشيء”، مضيفاً: “هناك دائماً ميل لمنح بوتين بعض الوقت”.

واستبعد ليتشفيلد أن تفرض إدارة الرسوم الجمركية التي تهدد بفرضها، والتي تتجاوز 100%، على كبار مستوردي الطاقة الروسية، مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، في ظل المفاوضات التجارية المعقدة الجارية معهم.

وقال: “أعتقد أن الجميع يدركون ذلك”، مشيراً إلى أن اتباع نهج تدريجي يبدأ برسوم تتراوح بين 10% و20% قد يكون ممكناً.

إحباط ترمب من بوتين

ويعكس تهديد ترمب الأخير، إلى جانب تقصيره للمهلة الممنوحة لبوتين، شعوره المتزايد بالإحباط من الرئيس الروسي.

وقال ترمب، الاثنين: “لم أعد مهتماً كثيراً بالمحادثات. هو يتحدث، نجري محادثات لطيفة للغاية، مليئة بالاحترام والمجاملة، ثم يموت الناس في الليلة التالية بصاروخ يسقط على بلدة ما”.

وعاد ترمب إلى السلطة متعهداً بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا بسرعة، مستنداً إلى علاقته مع بوتين. إلا أن تلك الجهود لم تُقابل سوى بمطالب من موسكو تتعلق بالأراضي الأوكرانية، ورفض متكرر للدعوات إلى عقد محادثات مباشرة بين بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وركز ترمب في البداية غضبه على زيلينسكي، واعتبره عقبة أمام تحقيق السلام، لكنه أشار في الأسابيع الأخيرة إلى نفاد صبره تجاه بوتين، متهماً إياه بعدم الجدية في إنهاء الحرب، رغم المكالمات المتكررة وأشهر من الجهود الدبلوماسية.

ويتحرّك حلفاء شمال الأطلسي “الناتو” أيضاً لتكثيف الضغط على بوتين، إذ تُجري ألمانيا محادثات متقدمة مع الولايات المتحدة، وحلفاء آخرين للمساعدة في تزويد أوكرانيا بمزيد من منظومات الدفاع الجوي “باتريوت”.

وتضع حكومة زيلينسكي الدفاع الجوي على رأس أولوياتها، في ظل الهجمات الروسية المتواصلة منذ أسابيع، التي ألحقت أضراراً بالمدن الأوكرانية.

ورغم أن المحادثات بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول، أسفرت عن تبادل للأسرى، فإنها لم تُحرز أي تقدم نحو إنهاء النزاع الذي بدأ مع الغزو الروسي في فبراير 2022.

وقال ترمب: “بوسع روسيا أن تكون غنية جداً، غنية جداً، مزدهرة كما لم تزدهر أي دولة أخرى تقريباً”، مضيفاً أن بوتين عبر عن رغبته في إبرام صفقات تجارية. وأضاف: “هو يتحدث عن ذلك طوال الوقت”.

وتابع ترمب: “لديهم الكثير من الأشياء القيمة”، مشيراً إلى أن الموارد الروسية من المعادن النادرة قد تكون هدفاً تجارياً محتملاً… لديهم معادن نادرة مهمة، أليس كذلك؟ لديهم تقريباً كل نوع يمكن تصوّره”.

شاركها.