المتأمل لتاريخ البحرين قديماً، خصوصاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، يستطيع أن يلحظ العلاقة المتميزة بين الإنسان الطبيعة، والتي انعكست في كل مناحي الحياة، بل وتواصلت إلى يومنا الحاضر، حيث نستطيع أن نرى هذا العلاقة في الكثير مما تركه لنا الآباء والأجداد، سواء على الصعيد التراث المادي أو غير المادي. ولأنني دائماً ما كنت أهتم بضرورة الاستفادة مما وهب الله بلادنا من خيرات طبيعية، وتسخيرها في تقديم صورة حضارية للبحرين والحفاظ على بيئة نظيفة؛ فقد لفتني التصريح الأخير لرئيس هيئة الكهرباء والماء، والذي تم الإعلان فيه عن بدء العمل لإنشاء أول محطة للطاقة الشمسية في المملكة، بالتعاون مع القطاع الخاص.وحين نتحدث اليوم عن فكرة التحول نحو الطاقة النظيفة، قد يعتقد البعض أنها بدعة أو إملاء يفرض لينا تبعاً لاتفاقيات ومواثيق دولية؛ ولكنه في الحقيقة عودة ذكية إلى الماضي، فبلادنا التي حباها الله بالشمس والرياح والماء قبل أن تعرف النفط، تمتلك في ذاكرتها إرثاً غنياً من الاستفادة الفطرية من مصادر الطاقة المتجددة، التي نراها تعود اليوم في ثوب جديد. في ذاكرة البحرين القديمة؛ كانت الرياح هي محرك الحياة، حيث تنطلق سفن الغوص بحثاً عن اللؤلؤ وتخوض عباب البحار لنقل البضاعة عبر موانىء الخليج والعالم، فقد كانت الريح وقود المجد البحري، تدفع السفن وتحمل الأمل والخير لهذه الأرض.أما على اليابسة؛ فقد عرف الأجداد كيفية التعايش مع الشمس، حيث بنوا بيوتهم بهندسة متقنة لا مثيل لها من التهوية الطبيعية والملاقف الهوائية والجدران التي تعزل الحرارة، وتستفيد من تيارات النسيم، كما كانت الشمس تضيء المنازل وتجفف التمر والأسماك، وتستخدم في تحضير الطعام وتبخير الملح، وببساطة كانت الشمس شريك البحريني اليومي في معيشته.اللافت في هذه الممارسات أنها لم تكن تسمى «طاقة متجددة»، بل كانت عملاً فطرياً وتعايشاً مع الطبيعة واقتصاداً في الموارد، وها هي اليوم تعود تحت عناوين أكبر مثل؛ استدامة وحياد كربوني وأمن طاقي وكفاءة بيئية..التحول نحو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البحرين اليوم، يمثل استمرارية حضارية لتجربة شعب عاش مع الطبيعة بذكاء، محطة الطاقة الشمسية الجديدة التي تقام في جنوب المملكة، ومبادرات صافي القياس وتركيب الألواح على الأسطح تمثل بعثاً جديداً لذاكرة قديمة.وأخيراً؛ لا يمكن أن نتحدث عن المستقبل دون أن نفهم كيف عاش أجدادنا الماضي، لقد عرفوا الشمس والريح والماء قبل أن تختزل الطاقة في «كبسة زر»، واليوم تعيد البحرين وصل ما انقطع، وتمنح الطبيعة دورها المستحق في صناعة الغد.

شاركها.