في مطلع آب/أغسطس، اتخذت حكومة نواف سلام في لبنان خطوة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ سنوات، حين كلفت الجيش إعداد خطة لإرساء “احتكار الدولة للسلاح”، وهذا القرار ترافق مع نقاش في مجلس الأمن حول تجديد ولاية “يونيفيل” لعامين إضافيين سيحسم خلال جلسة اليوم، في ظل ضغوط أميركية وأوروبية لتثبيت التهدئة على الحدود وتفعيل القرار 1701. بالتوازي، ارتفعت التوقعات بأن يشكّل الجنوب اللبناني نقطة اختبار أولى لمسار سياسي أمني جديد، يقوم على تعزيز الجيش وتوسيع دوره تدريجياً في مناطق لطالما اعتُبرت عصية على الدولة، فيما يربط خبير سياسي تحدث لوكالة ستيب نيوز التطورات في لبنان بملف إقليمي كبير موضحاً شروط نجاح المهمة “الصعبة”.

 

 

واشنطن وطهران… رسائل على أرض لبنان

 

الحرب الأخيرة ضد إيران في حزيران/يونيو أعادت فتح قنوات حذرة بين واشنطن وطهران، ومع أن التفاهم الشامل لا يبدو قريباً، فإن لبنان برز كمساحة تبادل رسائل، حيث يتقاطع مطلب الأميركيين بخفض المخاطر عند الحدود مع حاجة الإيرانيين لإثبات أنّ “حزب الله” ما يزال جزءاً من معادلة الردع.

الباحث في العلاقات الدولية جو معكرون يرى أنّ “الأمور ما زالت غير واضحة، وكل شيء يتوقف على ما سيجري بين واشنطن وطهران وحجم التوافق داخل لبنان”، مضيفاً أن “طريقة الإخراج من الداخل ستكون حاسمة في تخفيف الضغط واحتواء التوترات”.

ويشير معكرون إلى أنّ “ما يُطرح اليوم سيُعرض لاحقاً على الإسرائيليين بشكل غير مباشر، وإذا حصل توافق يبدأ لبنان بخطوات أولى، يقابلها انسحاب إسرائيلي تدريجي من بعض المناطق المحتلة”.

هذا الطرح يعكس منطق “التبادلية” الذي تحاول العواصم الغربية تكريسه لضمان جدية التنفيذ.

وأمس قال المبعوث الأميركي توم باراك عقب اللقاء مع رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام والرئيس جوزيف عون، إن الحكومة اللبنانية “اتخذت الخطوة الأولى”، مشدداً على أن على إسرائيل أن تلتزم بدورها في المرحلة المقبلة، ومؤكداً أن “الأسابيع المقبلة ستشهد تقدما من شأنه تحسين حياة اللبنانيين ودول الجوار”.

 

عودة خليجية مشروطة

 

في موازاة ذلك، استعادت الرياض اهتمامها بالملف اللبناني، لكن بمنطق مختلف عما كان سائداً قبل أعوام بحسب الخبير فالدعم المالي الكبير مؤجَّل، فيما بات الشرط الأساسي هو الإصلاح السياسي والاقتصادي وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها.

الرسائل الأخيرة من مسؤولين سعوديين وخليجيين عكست بوضوح أن أي تمويل لن يمر من دون ضمانات، وأن المساعدات ستكون مرتبطة بمسار واضح يُثبت أن الدولة اللبنانية عادت إلى موقع الممسك بزمام القرار.

 

معكرون يعلق على هذه النقطة بالقول: “السعودية والخليج يربطون المساعدات بكونهم الجهة المموِّلة بسيادة سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها، والمسألة واضحة من جهتهم، لكنها تبقى رهن توافق الأطراف المعنية داخلياً”.

 

الجيش اللبناني في قلب المعادلة

 

لا يمكن لأي خطة أن تُكتب لها الحياة من دون ركيزة عسكرية متينة، فواشنطن مرّرت هذا العام مساعدة بقيمة 95 مليون دولار للجيش، فيما واصلت قطر تزويده بالوقود.

هذه المساعدات ليست تفاصيل تقنية بل عنصر أساسي في تأمين الانتشار، وتجهيز الحواجز، وضمان استمرارية الرواتب، لتعزيز قدرة القوات اللبنانية في بسط السيطرة على كامل الأراضي، إلى جانب ذلك، يعمل المجتمع الدولي على إطلاق مشاريع إعادة تأهيل للبنى التحتية المتضررة في الجنوب، بما يعزز قدرة الجيش على القيام بدوره الجديد.

 

ويشدد معكرون في هذا الإطار على أن “الدعم الأميركي للجيش قائم وقد يُطلب المزيد لتعزيز القدرات”، لافتاً إلى أنّ “الاتجاه نحو توسيع دوره أصبح واضحاً مع مواكبة عربية ودولية”، وقد يكون الخطوة التالية بعد حصر السلاح.

 

معضلات التنفيذ وتعقيداته

 

التحدي الأكبر يكمن في كيفية قبول “حزب الله” بمسار يحدّ من حضوره العسكري جنوب الليطاني، بداية، فالحزب يرفض أي خطوة تُفهم على أنها تقويض لدوره في معادلة الردع، فيما تسعى الحكومة إلى استخدام القرار 1701 كمرجعية قانونية دولية لإقناع الداخل والخارج، بانتشار القوات اللبنانية وانسحاب حزب الله من الجنوب، ثم الولوج بعملية داخلية توافقية لحصر السلاح كاملاً بيد الدولة، بالوقت الذي يواصل الحزب رفضه المطلق للفكرة.

 

في المقابل، الساحة الإسرائيلية تشهد بدورها انقساماً بين تيارات ترغب في تسريع التفاهم لأسباب اقتصادية وانتخابية، وأخرى تضغط لتشديد الشروط، وهذا التباين يضاعف صعوبة مهمة الوسطاء الأميركيين والأوروبيين، الذين يسعون إلى صياغة تفاهمات متدرجة، تبدأ بإجراءات محدودة على الأرض قبل الانتقال إلى خطوات أكبر.

 

نحو أي أفق؟

 

مع نهاية آب/أغسطس، ستكون بيروت أمام اختبارين حاسمين: الأول في مجلس الأمن من خلال صيغة تجديد ولاية “يونيفيل”، حيث ستعقد الجلسة اليوم الثلاثاء، وما إذا كانت ستتضمن دعماً صريحاً للجيش، والثاني في تل أبيب عبر مستوى التجاوب الإسرائيلي مع الرزمة التي يجري إعدادها بوساطة أميركية وأوروبية.

 

جو معكرون يلخص المشهد بالقول: “مع تبلور الخطة العسكرية المرتقبة، ستتضح الأمور أكثر، داخلياً لجهة قدرة الدولة على تخفيف الضغط والتوترات، وخارجياً لجهة ما يُحسم بين واشنطن وطهران”.

 

السيناريو الأكثر تفاؤلاً يقوم على تبادلية محكمة: خطوة لبنانية تقابلها خطوة إسرائيلية، بدعم أميركي وأوروبي، وبمظلّة خليجية مشروطة بالإصلاح والسيادة. أما السيناريو البديل، فهو هدنة هشة بلا أفق، تُبقي لبنان عالقاً في دوامة إدارة الأزمة بدل الخروج منها.

 

اقرأ أيضاً|| من بغداد إلى بيروت… هل تنجح جولة لاريجاني في إنقاذ ما تبقّى من النفوذ الإيراني؟

شهر حاسم في لبنان.. مجلس الأمن يجتمع اليوم وصراع “السلاح والسيادة” مرهون بملف إقليمي

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.