خلال جلسة حوارية مع وفد أهلي قبل أيام تطرق الرئيس السوري، أحمد الشرع لقضية التهديدات الإسرائيلية للجنوب السوري، وأكد حينها أن احتلال المنطقة ليس سهلاً على إسرائيل لا عسكرياً ولا سياسياً، لكن الأمر على الأرض يشي بخلاف ذلك، حيث تتحرك إسرائيل عسكرياً منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الأسد، وتحتل عدة مواقع وتنفذ عمليات توغل يومية، ومن منظور عسكري فإنها تشق الطرق وتسيطر على مواقع مرتفعة للاتصال والرصد، كما أنها تمسح المنطقة يومياً بطائرات الاستطلاع، فهل ستغزو إسرائيل سوريا قريباً؟

 

سهم باشان غزو سوريا

بدأت إسرائيل عملية عسكرية جوية وبرية منذ يوم الأحد 8 ديسمبر 2024 بعد ساعات من سقوط بشار الأسد في سوريا، حيث توغَّلت إسرائيل داخل المنطقة العازلة والقنيطرة وجبل الشيخ، بذريعة إنشاء منطقة عازلة بين الأراضي السورية وهضبة الجولان السوري المحتلة من إسرائيل بالأصل.

وتعد العملية هي المرة الأولى منذ 50 عامًا التي تعبر فيها القوات الإسرائيلية السياج الحدودي السوري، محتلة أراضي سورية جديدة، بعد اتفاقيات وقف إطلاق النار في 31 مايو 1974، والذي أعلنت تل أبيب لاحقاً أنه انهار.

في 9 ديسمبر حدَّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أهدافًا عسكريةً للجيش، والتي تضمنت الاستيلاء الكامل على المنطقة العازلة والمواقع القريبة، وإقامة منطقة أمنية تمتد إلى ما وراء المنطقة العازلة الخالية من الأسلحة الثقيلة والبنية التحتية العسكرية السورية.

وفي 23 فبراير 2025، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنزع السلاح بالكامل في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وأمهل القوات السورية الجديدة أسابيع لإخلاء المنطقة.

وسائل إعلام عبرية ذكرت أن إسرائيل تخطط لإقامة منطقة تحت سيطرتها بطول 15 كيلومتر (9.3 ميلًا) داخل الأراضي السورية، ومجال نفوذ استخباراتي يمتد لنحو 60 كيلومتر (37 ميلًا).

وواصلت إسرائيل بشكل يومي اختراق الحدود وسيطرت على مواقع منها التلول الحمر، وسرّيات عسكرية تركتها قوات النظام البائد قرب الجولان، وشقت عدة طرق جديد عبر آليات ثقيلة بالمنطقة، وأزالت سواتر ترابية وكتل أسمنتية تعيق حركة الآليات، كما أحرقت بعض الأحراش المحيطة بمواقعهم الجديدة.

وأمس كان هناك تطور آخر تمثل بدخول مستوطنين يهود متطرفين وحاولوا وضع أحجار أساس لإقامة مستوطنة داخل الأراضي السورية، فيما قالت وسائل إعلام عبرية أن الجيش الإسرائيلي أعادهم.

وتسعى إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية البرية والجوية إلى تحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز السيطرة على الأراضي الحدودية، فهي تعمل على منع الجيش السوري من استعادة قوته الكاملة. ويرى خبراء أن هذه التدخلات تهدف أيضًا إلى فرض واقع جغرافي وسياسي جديد في الجنوب السوري، يضمن لإسرائيل قدرًا أكبر من النفوذ والأمن على حدودها.

 

إسرائيل تمهد للاحتلال منذ قبل الثورة السورية

كانت إسرائيل تقصف المواقع السورية قبل سقوط النظام البائد بذريعة وجود ميليشيات إيرانية، وذرائع أخرى.

يؤكد العميد عبد الهادي الخزاعلة، الخبير العسكري والاستراتيجي، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أنّ التدخل الإسرائيلي في الأجواء السورية لم يبدأ مع اندلاع الثورة، بل سبقها بسنوات طويلة.

ويقول: “منذ قصف الموقع العسكري في دير الزور، مروراً بتدمير بعض مواقع الفصائل الفلسطينية في القلمون، وصولاً إلى سنوات الثورة السورية، فتحت إسرائيل أجواء سوريا أمام طيرانها ونفّذت مئات الضربات الجوية تحت ذرائع متعددة، كمنع بناء مفاعل نووي أو مواجهة القوات الإيرانية”.

ويضيف أنّ إسرائيل استهدفت “البنى التحتية للجيش السوري ومراكزه الحيوية والعلمية، حيث نُفّذت أكثر من 300 غارة جوية دمّرت مخازن السلاح والذخيرة، وهي ممتلكات للشعب السوري، وليست ملكاً للنظام أو لإيران”.

 

المنطقة العازلة واتفاق 1974

يشير الخزاعلة إلى أنّ إسرائيل تجاوزت بنود اتفاق فضّ الاشتباك الموقّع عام 1974، والذي نصّ على إنشاء منطقة عازلة بعرض يتراوح بين 200 متر و12 كيلومتراً.

وكان نتنياهو قال: “إن اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1974 انهارت عندما تخلت القوات المسلحة السورية عن مواقعهم في مرتفعات الجولان، وأن المنطقة ستُحتل مؤقَّتًا لضمان عدم تمركز أي قوة معادية بجوار حدود إسرائيل”.

يوضح العميد الخزاعلة: “بعد سقوط النظام، اقتحمت إسرائيل المنطقة ووصلت إلى مدينة القنيطرة وتمركزت لساعات، ثم عادت لتسيّر دوريات عسكرية داخل الأراضي السورية، وصلت إلى قرى مأهولة بالسكان، حيث مارست الترهيب والاعتقالات”.

 

أحداث السويداء نقطة تحول

بقيت إسرائيل تحاول توسيع توغلاتها، لكنها كانت تصطدم بمواجهة شعبية، حيث اندلعت معارك في قرية كويا بريف درعا الغربي بين إحدى القوات الإسرائيلية المتوغلة ومجموعة مسلحة أهلية من أبناء البلدة، أدت لسقوط قتلى من المجموعة المحلية، وقصفت إسرائيل المكان بالمدفعية.

إلا أن اندلاع المواجهة في السويداء بين الفصائل المحلية هناك وقوات حكومية، أعطى لإسرائيل ذريعة جديدة لتوسيع تدخلها في سوريا، حيث أعلن المسؤولون الإسرائيليون مراراً أنهم يتعهدون بحماية “الدروز” في السويداء، ونفذت الطائرات الإسرائيلية غارات جوية على القوات الحكومية في محيط السويداء أدت لسقوط قتلى، كما استهدفت مبنى الأركان في دمشق وقرب القصر الجمهوري.

يقول العميد الخزاعلة: “”عملية سهم باشان لم تنتهِ بعد، بل ما زالت مستمرة عبر الضربات الجوية والبرية. فقد استُهدفت مقار القيادة والأركان في دمشق، ومناطق قرب السويداء، برسالة واضحة بأنّ السويداء خط أحمر بالنسبة لإسرائيل، وأنها ستدعم بعض المجموعات هناك”.

ويرى الخزاعلة أنّ هذه الاستراتيجية تهدف إلى “فرض واقع جديد في الجنوب السوري، يتمثل بإنشاء منطقة منزوعة السلاح وخالية من الجيش السوري”.

ورغم التفوق الجوّي إلا أن إسرائيل لم تستطع الوصول برّاً إلى السويداء، حيث كان أعمق توغل لها وصل إلى أكثر من 15 كيلومتراً داخل سوريا، حيث وصلت القوات الإسرائيلية إلى مشارف مدينة نوى بريف درعا الغربي، لكنها فوجئت بمقاومة شعبية عنيفة، حيث قامت مجموعات محلية بمحاصرة الرتل الإسرائيلي في حرش تسيل لساعات، ما اضطر القوات الإسرائيلية لاستخدام سلاح الجو والمدفعية وإرسال تعزيزات برية لفك الحصار، ثم انسحبت تلك القوات من المنطقة.

وفي هذا الوقت الحساس وبعد أزمة السويداء، أعيد طرح فكرة إسرائيلية قديمة تتمثل بما يعرف مشروع “ممر داوود” الذي تريد إسرائيل أن يمر من الجولان حتى يصل شمال شرقي سوريا.

 

أين القوات الحكومية والجيش من هذا السيناريو؟

 في كل المواقع التي تتوغل فيها إسرائيل لا يوجد أي مراكز عسكرية أو أمنية للجيش السوري أو الجهاز الأمني الجديد، ويترك الأمر عادة لمقاومة هذه التوغلات لمجموعات محلية من أبناء المنطقة بسلاحها الخفيف والفردي.

ويعتمد الجيش السوري الجديد بهذه المرحلة على إعادة بناء قدراته العسكرية بعد سنوات من الضعف والتفكك، لكنه يواجه تحديات كبيرة في الردع المباشر ضد إسرائيل. حيث تشكل من اندماج فصائل مسلحة محلية، مع محدودية التدريب والعتاد الحديث. ويظل الخيار العسكري المباشر محفوفًا بالمخاطر.

حول ذلك يقول العميد الخزاعلة: “”الجيش السوري اليوم يحتاج إلى إعادة بناء شاملة: تدريب، عتاد، وضباط ذوو خبرة. يجب أن تُصاغ عقيدة عسكرية جديدة وفق طبيعة السلاح المتوفر، سواء كان شرقياً أو غربياً. لكن حتى الآن، يعتمد الجيش على اندماج فصائل مسلّحة أكثر من اعتماده على فكر عسكري منظم”.

 

ورغم استمرار التهديد الإسرائيلي وارتفاع حدة التوغلات وتعمّقها بالأراضي السورية، لم تتحرك القوات السورية الحكومية بشكل رادع أو دفاعي، من خلال تحصين مواقع أو وضع خطوط دفاع جديدة، وهو ما أثار سخطاً بين الأهالي ومخاوف جدّية.

 

ويشير الخزاعلة إلى دور بعض الدول بتطور الجيش السوري الجديد ودعمه قائلاً: “تركيا تقدم تدريبات واستشارات وتسليحاً خفيفاً ومتوسطاً، لكن هذا لا يكفي لبناء جيش قادر على مواجهة أي تدخل عسكري إسرائيلي”.

 

وبالحديث عن الدور التركي فإن إسرائيل رفضت قطعاً أي تواجد لتركيا داخل سوريا وهددت بقصف مواقعها بل وحتى تهديد باغتيال شخصيات مهمة بالسلطة السورية بينها الرئيس السوري.

ومؤخراً وقعت وزارة الدفاع السورية مذكرة تفاهم مع نظيرتها التركية لتدريب القوات السورية، إلا أن الحديث عن قواعد تركية في سوريا لم يعد ضمن الخطط المطروحة قريباً على الأقل.

 

روسيا تدخل على الخط

خلال سنوات الثورة السورية وتحديداً بعد عام 2018 كانت روسيا طرفاً ضامناَ لاتفاق الجنوب السوري وسيّرت دوريات عسكرية على طول الحدود مع الجولان وأقامت قواعد هناك، واليوم بعد زيارة وزيري الخارجية والدفاع بسوريا إلى روسيا لبحث إعادة العلاقات والتفاهمات بين البلدين، طرحت موسكو فكرة عودة الدوريات الروسية كحل مؤقت لضمان منع التوغلات الإسرائيلية.

 

يقول الخزاعلة: “روسيا دعمت النظام البائد سياسياً وعسكرياً منذ 2015، ونفّذت تجارب عسكرية على حساب الشعب السوري، لكنها لم تعترض يوماً الضربات الإسرائيلية. لذلك فإنّ التعويل على موسكو في ردع إسرائيل هو ضرب من الخيال”.

ويضيف: “الشعب السوري لا يرى في روسيا طرفاً مرغوباً، إلا أن المصالح قد تفرض لاحقاً نوعاً من التفاهمات السياسية معها”.

 

حلم إسرائيل الكبرى يمر بسوريا

لا تخفي إسرائيل الحديث عن أطماعها التوسعية، فرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تحدث عن طموحه بتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، وهذا المشروع الذي تريده إسرائيل بأن تصبح حدودها من نهر الفرات إلى البحر الأحمر والمتوسط (من النهر إلى البحر).

 

ويرى الخزاعلة أنّ إسرائيل تمتلك “مشاريع توسعية قديمة، أبرزها ممر داوود وحلم إسرائيل الكبرى”، موضحاً: “إسرائيل تدعم قوات قسد في الشمال الشرقي، وتنسق مع مجموعات في السويداء، بل إن هناك أسلحة ومستشارين إسرائيليين يعملون مع هذه القوى، في محاولة لفرض كانتونات تُسهّل السيطرة على سوريا”.

ويحذر الخزاعلة من أنّ “المساعدات الإسرائيلية لبعض المجموعات في السويداء تهدف إلى فصل المحافظة عن الدولة السورية، لكن الشعب السوري سيرفض ذلك، وسيواجه أي محاولة للتقسيم”.

 

ويوضح أن “الدولة السورية لا تبحث عن حرب جديدة، بل تريد السلام مع الجوار وفق احترام السيادة، والدبلوماسية السورية الآن هي الأداة الأهم لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططاتها”.

 

وكانت العديد من التقارير تحدثت عن مفاوضات جرت بين مسؤولين سوريين ونظرائهم من إسرائيل في دول عربية وآسيوية، إلا أنه لم يتضح مطالب وشروط الطرفين للسلام، بينما تؤكد الولايات المتحدة أنها تعمل على ضم سوريا لقائمة الدول في “اتفاقات إبراهيم” للتطبيع مع إسرائيل.

 وفي خضم هذه التطورات يذكر أن إسرائيل تحكمها حكومة يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو، ويرى خبراء أن هذه الحكومة تهرب من أزماتها الداخلية من خلال افتعال مشاكل وتوترات خارجية، لكن ذلك لن يصل إلى حد تغيير الحدود، بينما يرى آخرون أن هذه الحكومة تحاول استغلال الفوضى السياسية والعسكرية بالمنطقة لتحقيق أحلامها.

ويبقى الجنوب السوري مسرحًا لتحديات متعددة ومعقدة، حيث تتقاطع الأطماع الإسرائيلية مع ضعف الردع المحلي، بينما خيارات دمشق محدودة وتتمثل بالاعتماد على الوساطة والدبلوماسية. وفي ظل استمرار التدخلات الخارجية، سواء الإسرائيلية أو من دول أخرى، وغياب استراتيجية واضحة لدى الجيش السوري الجديد، يبقى المستقبل في الجنوب السوري مرتبطًا بقدرة الدولة على إعادة بناء مؤسساتها العسكرية والأمنية، وتحقيق توازن سياسي قادر على حماية سيادتها، مع إدراك أن أي خطأ قد يفتح الباب أمام تصعيد أكبر يهدد استقرار المنطقة بأسرها بل وقد يغير خرائطها.

 

 

اقرأ أيضاً|| هل تنفجر المواجهة بين دمشق و”قسد”؟.. خبير عسكري يتحدث عن أوراق ضغط لدى الطرفين

سهم باشان يمهّد لحلم إسرائيل الكبرى وجنوب سوريا مسرحاً للمعركة.. ماذا أعدت دمشق؟

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.