كلمة صحيفة الوطن
حين يقرّر المشرّع تغليظ العقوبات المرورية، فالأمر لا يتعلق بمجرد تعديل قانوني، بل بقرار مصيري عنوانه حماية الأرواح وصون المجتمع. فالقوانين في جوهرها ليست نصوصاً جامدة، وإنما انعكاسٌ لأولويات الدولة ومرآة لقيمها، وحين تضع البحرين السلامة المرورية في صدارة اهتماماتها، فإنها تؤكد أن الإنسان هو الثروة الأغلى، وأن حياته لا تقبل المساومة.
وقد جاء صدور مرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2025 بتعديل بعض أحكام قانون المرور الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2014، عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ليعكس بجلاء هذا التوجّه، وليؤكد أن الدولة بكل مؤسساتها تمضي نحو تشديد الردع القانوني في مواجهة المخالفات الجسيمة، خصوصاً تلك التي تحصد الأرواح، وتترك خلفها مآسي لا تمحى.
التوجيهات السامية التي عبّر عنها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، جاءت واضحة وحاسمة: لا تسامح مع المتهورين، ولا مجال للتهاون في مواجهة من يستهين بالقانون، أو يعبث بسلامة الآخرين. هذه التعديلات تعبّر عن إرادة سياسية حازمة، تقطع الطريق أمام التراخي، وتؤكد أن حماية المجتمع أولوية لا تقبل التأجيل.
لقد شهدت طرق البحرين كما سائر دول العالم حوادث أليمة أزهقت أرواحاً بريئة، وخلفت خسائر فادحة، لم يكن سببها إلا رعونة أو استهتاراً من البعض. تلك الحوادث لم تكن أرقاماً في إحصاءات رسمية، بل قصصاً موجعة تركت وراءها أمهات ثكالى، وأطفالاً يتامى، وأسراً تعيش مرارة الفقد. ومن هنا تأتي أهمية هذه التعديلات بوصفها نقلة نوعية لا تقف عند حد العقوبة، بل تحمل رسالة ردع ورادع، ورسالة وعي ومسؤولية في الوقت ذاته.
القانون الجديد يضع المجتمع أمام لحظة مفصلية: فإما أن نواصل ترك الطرقات ساحة لطيشٍ يحصد الأرواح، أو أن نختار الانضباط كقيمة حضارية، والالتزام كسلوك يومي، نغرسه في نفوس أبنائنا قبل أن نسلّمهم عجلة القيادة. ولا شك أن الردع القانوني سيظل ضرورة، لكنه لا يغني عن الوعي المجتمعي، ولا يعفي الأسر من مسؤولياتها، ولا يعفي المؤسسات التعليمية والإعلامية من واجبها في بناء ثقافة مرورية راسخة.
تشديد العقوبات لا يُقصد به العقاب لذاته، وإنما حماية الأرواح من التهور، وردع السلوكيات التي تحوّل الطريق إلى مقبرة متحركة. إنه إعلان واضح بأن حياة الناس ليست رخيصة، وأن من يعرّض الآخرين للخطر سيواجه عواقب توازي جسامة ما يرتكب. بهذا، يتحول القانون من مجرد نصوص إلى مظلة تحمي المجتمع، ومن رادع فردي إلى وازع جماعي.
لكن هذه الخطوة التشريعية، مهما بلغت قوتها، تحتاج إلى أن تُترجم على أرض الواقع عبر تكامل الجهود. فالمشرّع يسن القوانين، والجهات المعنية تطبقها، والرقابة المرورية تفرض هيبتها، غير أن الرهان الأكبر يبقى على وعي السائقين أنفسهم. الطريق مسؤولية مشتركة، وكل إهمال قد يقتل، وكل لحظة تهور قد تقلب حياة أسر بأكملها.
في هذه اللحظة، يتأكد أن السلامة المرورية ليست خياراً بين بدائل، بل واجباً وطنياً، وأولوية إنسانية. فالمجتمع الذي يحترم حياة أفراده هو المجتمع الذي يمضي نحو المستقبل بثقة، والمجتمع الذي يضع سلامة الناس فوق كل اعتبار هو المجتمع الذي يحمي ذاته من الانهيار.
هذه التعديلات تفتح صفحة جديدة في سجل التشريع البحريني، وتؤكد أن البحرين لا تساوم على أمنها الاجتماعي، ولا تقبل أن تُرتهن أرواح أبنائها لاستهتار قلة. ومن هنا، فإن المطلوب أن يلتقط الجميع
مواطنين ومقيمين جوهر الرسالة: على الطريق، كل حياة ثمينة، وكل مخالفة جسيمة هي جريمة في حق المجتمع.فالسلامة ليست شعاراً يُرفع، بل حياة تُصان.. والحياة فوق كل اعتبار.عبدالله إلهامي