اخبار تركيا
أجرت شبكة الجزيرة القطرية حوارا حول مسيرة الـ24 عاما لحزب العدالة والتنمية مع شخصية بارزة شغلت مواقع مهمة داخل الحزب، سواء في البيروقراطية أو في الكوادر السياسية، وزير الداخلية السابق، نائب بورصة، والنائب الحالي لرئيس حزب العدالة والتنمية، الرجل الثاني في الحزب بعد زعيمه رجب طيب أردوغان؛أفكان آلا.
وُلد الحزب الأكثر أهمية في التاريخ السياسي لتركياوأبرز الفاعلين السياسيين في أغسطس/آب 2001، وبعد نحو عام واحد فقط من تأسيسه، خاض أول انتخابات وحقق فوزا كاسحا أوصله إلى السلطة.
يتولّىحزب العدالة والتنمية، الذي يترأسهرجب طيب أردوغانالحكم منذ ما يقارب ربع قرن، ويحتفل الحزب في مثل هذه الأيام بالذكرى الـ24 لتأسيسه.
سيُذكر حزب العدالة والتنمية في التاريخ السياسي التركي بما مر به من أزمات سياسية، وما قام به من إصلاحات وتجديدات، وبما أحدثه من تحولات في البلاد، في تاريخ الجمهورية الممتد إلى 100 عام.
وبالتالي لا يوجد حزب آخر ولا زعيم سياسي آخر استمر في السلطة بلا انقطاع لمدة 22 عاما، ومن هذه الزاوية وحدها، فقد حاز موقعا تاريخيا فريدا.
وفي ما يأتي نص حوار الجزيرة نت مع أفكان آلا:
تحتفلون بالذكرى الـ24 لتأسيس حزبكم، وفي الوقت ذاته تمضون في عامكم الـ23 في الحكم، أعتقد أنه لا يوجد حزب آخر في تاريخ الجمهورية بقي في السلطة هذه المدة الطويلة من دون انقطاع، ما سرّ هذا الاستمرار الطويل في الحكم؟
إن التحول المذهل الذي قدّمه حزب العدالة والتنمية باعتباره عنوان النجاح في تركيا، أمر واضح للعيان، فمنذ تأسيسه وحتى اليوم، حقق الحزب في مجالات عديدة إنجازات ملموسة وإصلاحات تركت آثارا باقية في السياسة والحياة العامة في تركيا.
وما يقف وراء هذه النجاحات ليس فقط مكاسب الماضي، بل أيضا الرؤية الإستراتيجية بعيدة المدى التي تبناها الحزب، فمنذ يوم تأسيسه، جعل الحزب من حل المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه تركيا، وإعادة تموضع البلاد على محور التنمية، هدفا أساسيا له.
ورؤية “قرن تركيا” تعكس بوضوح أن الحزب يمتلك خريطة طريق تمثل آمال البلاد في المرحلة المقبلة، ومن هذا المنطلق، وضع حزب العدالة والتنمية نفسه ليس فقط عنوان نجاح الحاضر، بل أيضا عنوان نجاح وتطور تركيا المستقبلية.
وعلى صعيد العلاقات الدولية، جعل الحزب من تركيا فاعلا أكثر تأثيرا وقادرا على المبادرة بما يتجاوز حدود تركيا القديمة، فقد رفع الحزب بخطواته في مجالات من الصناعات الدفاعية إلى الاقتصاد، ومن الاستقرار السياسي إلى الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا مكانة تركيا إلى مستوى قوة إقليمية، وفاعل عالمي.
كثيرا ما نتحدث عن استثمارات البنية التحتية المادية، كالطرق، والجسور، والقطارات السريعة، والأنفاق، لكن الإصلاحات السياسية التي أنجزت في تلك الفترة لا تقل أهمية، لقد أحدثنا تحولا سياسيا في تركيا؛ أنشأنا ما يشبه “الطرق السريعة السياسية”، غيّرنا البنية الفوقية للسياسة، رسّخنا سيادة إرادة الأمة في إدارة الدولة، وألغينا هيمنة بؤر الوصاية على الساحة السياسية، وهكذا صارت المؤسسات قادرة على القيام بمهامها، واستقر النظام السياسي في البلاد.
عرضنا على الشعب تعديلا دستوريا يجعل انتخاب الرئيس يتم مباشرة من قبل الشعب حتى لا تتكرر الأزمات السابقة، وقد أقره الشعب في استفتاء بنسبة 69% بـ”نعم”، وهكذا بدأ لأول مرة عهد انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وكان السيد رجب طيب أردوغان أول رئيس للجمهورية يُنتخب بشكل مباشر من قبل الشعب، ثم واصل الفوز في الانتخابات وأدار البلاد باستقرار سياسي.
أما ليلة 15 يوليو/تموز 2016، فقد عاشت تركيا أحد أحلك وأخطر المنعطفات في تاريخها، إذ حاولت منظمة إرهابية خائنة متغلغلة في أجهزة الدولة أن تغتصب إرادة الأمة وتدفع البلاد إلى الفوضى عبر انقلاب عسكري، لكن هذه المحاولة أُفشلت بفضل القيادة الحازمة لرئيس جمهوريتنا السيد رجب طيب أردوغان، وبفضل ثقة شعبنا بقائده.
والخطوات التي اتخذناها في تركيا لم تقتصر على المجال السياسي فحسب، بل ظهرت نتائج ملموسة في الاقتصاد والبنية التحتية أيضا، فمن مشروع (السيارة الكهربائية) “توغ” إلى مشاريع القطارات السريعة، ومن الطرق المقسمة إلى الطرق السريعة، ومن مرمراي إلى نفق أوراسيا، جرى تنفيذ استثمارات لا تحصى، وهذه في طليعة الخطوات الملموسة لمسيرة التنمية في تركيا.
كما تؤكد المؤشرات الاقتصادية هذا التقدم، فقد ارتفع نصيب الفرد من الدخل القومي منذ عام 2001 إلى اليوم بمعدل 5 أضعاف، وهذا يُعد خطوة مهمة نحو الانتقال إلى شريحة الدخل الأعلى، ونحن عازمون على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للحفاظ على هذا المستوى.
أي أننا ننتهج سياسة تعزز الاستقرار داخل حدودنا وحولنا على حد سواء، وكل هذه النجاحات تحققت من خلال تغيير الفهم السياسي والبنية الذهنية، لقد أردنا أن نُخرج تركيا من حالة الانشغال الدائم بمشكلاتها الداخلية، ونقلها إلى موقع أقوى وأكثر تأثيرا.
خلال سنوات حكمكم الطويلة، حققتم عديدا من الإنجازات المهمة، ولكن إذا أردتم ترتيب هذه الإنجازات حسب الأهمية، ما أول خمسة إنجازات لحزب العدالة والتنمية؟
جميع إنجازاتنا تستحق أن تُصنَّف ضمن المراتب الخمس الأولى، فمن التعليم إلى الصحة، ومن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية إلى المشاريع التكنولوجية، خطونا خطوات ملموسة ودائمة في كل مجال من مجالات تركيا، ولكن من الطبيعي أن بعض التغييرات والمكاسب في بعض المجالات كانت ذات طابع تحويلي.
أولا أزلنا العقبات والقيود المفروضة على حرية الدين والمعتقد، أنهينا آثار انقلاب 28 فبراير/شباط الذي وُصف بالانقلاب ما بعد الحداثي، وألغينا جميع الترتيبات والقيود والحظر التي فُرضت في تلك الفترة ضد حرية الدين والمعتقد.
من ناحية أخرى، كان الكفاح ضد الوصاية وإرساء العلاقة الصحيحة بين الدولة والأمة أحد أهم نجاحاتنا، لقد شهدت تركيا في الماضي فترات لم تنعكس فيها إرادة الشعب بشكل كامل على إدارة الدولة بسبب بعض العوائق الهيكلية.
أما في استثمارات البنية التحتية، فقد قفزت تركيا قفزة كبيرة إلى الأمام، فالطرق المزدوجة، والطرق السريعة، ومشاريع مثل مرمراي ونفق أوراسيا تحت مضيق إسطنبول، والجسور المشيدة على مضيقي إسطنبول وجناق قلعة ومعبر الخليج، وخطوط القطارات السريعة، والسدود التي برزت كمشاريع على المستوى العالمي، إضافة إلى مطار إسطنبول الذي جعل من المدينة مركزا عالميا، كلها أمثلة ملموسة على هذه الطفرة.
وفي عهد حكومات حزب العدالة والتنمية، اتخذت تركيا خطوات تاريخية في مجال الصناعات الدفاعية التي باتت محط أنظار العالم، لقد أصبحنا اليوم بلدا قادرا على تصدير منتجات الصناعات الدفاعية إلى عديد من دول العالم.
لم يكن تأثير رئيس الحزب أردوغان وحزب العدالة والتنمية محدودا بتركيا فقط، بل كان له وقع على العالم الإسلامي أيضا، حيث أسهما في التغيير والتحول في كثير من القضايا، خاصة أنكم أظهرتم إمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية، هل تعتقدون أنكم أوجدتم نموذجا جديدا وتيارا سياسيا خاصا بكم؟
بادئ ذي بدء، يجب أن نوضح الأمر بشكل صريح، إن حزب العدالة والتنمية ورئيس جمهوريتنا أردوغان، يُنظر إليهما ليس فقط في تركيا، بل أيضا في العالم الإسلامي، كقيادة وحركة سياسية أسهما بشكل كبير في تحول الحياة السياسية والاجتماعية.
فقد أظهرت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية من خلال تعزيز الآليات الديمقراطية أن الإسلام والديمقراطية يمكن أن يجتمعا معا بشكل عملي وملموس، وهذا لم يكن مجرد أطروحة سياسية أو خطاب نظري، بل برهانا على إمكانية تطبيق هذا النموذج على أرض الواقع.
وقد لقيت هذه التجربة صدى واسعا في العالم الإسلامي، فالتحول الذي عاشته تركيا شكل مصدر إلهام لعديد من الحركات والأحزاب السياسية في بلدان أخرى، فقد أظهرنا عمليا أنه من الممكن لإرادة الشعب الديمقراطية أن توجه السياسة من خلال الانتخابات.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية قد أوجد بالفعل نموذجا جديدا وتيارا سياسيا، هذا النموذج لا يهدف فقط إلى تفعيل العمليات الديمقراطية، بل يسعى أيضا إلى تشجيع مشاركة مختلف فئات المجتمع في الحياة السياسية.
وعند النظر إلى المبادئ الأساسية للإسلام، يتضح أكثر فأكثر في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يواجهها المجتمع الصناعي الحديث ومجتمع ما بعد الصناعة، ما تحمله هذه المبادئ من قيم وأهمية عالمية في يومنا هذا.
تغيّرت تركيا كثيرا بعد وصولكم إلى السلطة عام 2002، فقد أصبحت قوة فاعلة على مستوى المنطقة والعالم، كما أنها باتت تحتل موقعا مختلفا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا بين الدول الإسلامية، إلامَ تعزون هذه التحولات وما ديناميكيتها الأساسية؟
إن التحول الذي شهدته تركيا منذ عام 2002 تأثر بشكل كبير بكل من الديناميكيات الداخلية وبالظروف الإقليمية والدولية، وقبل كل شيء، فقد لعبت الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تم تنفيذها بقيادة حزب العدالة والتنمية دورا محوريا في هذا التغيير.
أما اقتصاديا، فقد تمكنت تركيا من تحويل البنية الهشة التي ورثتها عن مرحلة ما قبل 2002 بشكل سريع، فقد أُطلقت إصلاحات كبرى على المستوى الكلي، ونُفذت استثمارات واسعة في البنية التحتية، ومشاريع في مجالات الطاقة والنقل، إلى جانب دعم الإنتاج والاستثمار في التكنولوجيا.
وفي المجال العسكري والأمني، تبنت تركيا إستراتيجية تقوم على التحديث والتركيز على الإنتاج المحلي، وقد تم تعزيز قدرات الصناعات الدفاعية عبر مشاريع وطنية ومحلية، الأمر الذي جعل تركيا لا تكتفي بتأمين أمنها القومي فحسب، بل تتحول أيضا إلى قوة إستراتيجية تسهم في تعزيز الاستقرار في أزمات المنطقة.
أما على صعيد العلاقات الدولية، فقد تحولت تركيا من كونها لاعبا محدودا ضمن نطاقها الإقليمي القريب إلى دولة قادرة على المبادرة والتأثير في القضايا الإقليمية والدولية، فاليوم من الشرق الأوسط إلى البلقان، ومن القوقاز إلى أفريقيا، أصبحت مواقف تركيا ومبادراتها محل اعتبار من قبل مختلف الأطراف.
وخلاصة القول إن التحول التركي منذ 2002 يستند إلى مجموعة مترابطة من العوامل؛ الإصلاحات الديمقراطية، وتحقيق الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي والاستثمارات في البنية التحتية، وتطوير الصناعات الدفاعية، واعتماد سياسة خارجية نشطة وفعّالة. إن هذا النهج الشامل جعل من تركيا قوة مختلفة وفاعلة على المستويين الإقليمي والعالمي.
تركيا اليوم تحتل موقعا رياديا بين الدول الإسلامية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وهذا الموقع سيزداد قوة عبر مواصلة الإصلاحات والخطوات الإستراتيجية في المرحلة المقبلة.
تسعى تركيا من جهة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى إلى إقامة علاقات أقوى وأكثر كثافة مع الدول الإسلامية، أي أنها تتبع سياسة التوازن، ومع ذلك يشهد العالم تغيرات كبيرة في الوقت نفسه، كيف تخططون لوضع بلدكم في المستقبل؟
السياسة الخارجية لتركيا اليوم لا تُدار بمنظار التوازن الكلاسيكي فحسب، بل تُسير عبر نهج دبلوماسي متعدد الأبعاد وفعّال، والأساس الذي يقوم عليه هذا النهج هو تبني تركيا بوصفها فاعلا إقليميا وعالميا سياسة خارجية تدعم السلام والاستقرار، لا ترتكز فقط على المصالح الذاتية.
المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي تشكل مرحلة حاسمة، إذ تسهم في تقريب الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية التركية من المعايير الدولية، كما أن تركيا بوصفها دولة مسلمة تشارك في هذه المفاوضات، تمثل نموذجا يُحتذى به لكل من مجتمعها المحلي والعالم الإسلامي.
بهذا الإطار، تحظى تركيا بموقع إستراتيجي، وتواصل بحزم عملية زيادة تأثيرها على المستوى العالمي. السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد والفعّالة لتركيا لا تقتصر على أوروبا فقط، بل تمتد من آسيا الوسطى إلى أفريقيا، حيث تُطبق الدبلوماسية القيادية بفاعلية. على سبيل المثال، أسهمت تركيا في مناطق مثل أوكرانيا، والحرب الروسية، وسوريا، وليبيا، وقره باغ عبر منظار متعدد الأبعاد لضمان السلام والاستقرار. كما أبرمت اتفاقيات تعاون اقتصادي وسياسي مع دول أفريقية لدعم التنمية الإقليمية والأمن. هذا النهج يظهر قدرة تركيا على حل الأزمات ودعم الاستقرار الإقليمي.
بالنظر إلى المستقبل، تهدف تركيا إلى مواصلة هذا النهج المتعدد الأبعاد في السياسة الخارجية، وتعزيز موقعها بوصفها وسيطا موثوقا وميسرا لحل الأزمات الدولية.
ما هدف حزبكم في الانتخابات المقبلة في تركيا؟
يتمثل الهدف الأساسي لحزبنا في مواصلة مسيرتنا عبر تعزيز استقرار تركيا وتنميتها وأمنها.
لقد أظهر شعبنا دائما ثقته بفخامة رئيس الجمهورية، وهذه الثقة نتيجة مباشرة لنهج الرئيس الحازم والمرتكز على المواطنين “ماذا يقول الشعب، وما الذي يطالب به الحق؟”.
باختصار، الهدف من الانتخابات المقبلة بالنسبة لحزبنا هو تعزيز المكتسبات الوطنية، ومواصلة الإصلاحات والمشاريع، ورفع مستوى تركيا إلى موقع أقوى وأكثر فعالية بما يتوافق مع إرادة شعبنا.
إن القيادة الحازمة والرؤية المستقبلية للرئيس، جنبا إلى جنب الهوية السياسية الإصلاحية لحزب العدالة والتنمية، وباستمرار الدعم الشعبي، تخلق ديناميكيات أساسية تتيح الحفاظ على الاستقرار السياسي وتسريع التحول المؤسسي، بما يضمن تنفيذ الأهداف المحددة بنجاح.