حمد الناصري

 

رغم وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب والتزمت به الدولتان المتحاربتان دون توقيع أي وثائق أو تقديم أي التزامات، ورغم صمود تلك الهدنة، فإن نيران التهديدات المبطنة والمعلنة لم تخمد ولا تزال قائمة، وعمليات إسرائيل الممنهجة في اغتيال قيادات حزب الله أيضًا مستمرة دون هوادة في لبنان، ناهيك عن القتل المبرمج للأبرياء من أهلنا في غزة. وكل المظاهر تنذر بعودة حالة الحرب بين الطرفين، ولكن هذه المرة بشكل أشمل وأشد. ورغم كل هذه المظاهر والمخاطر فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بالسيناريو القادم، رغم أن المحللين قدموا مجموعة من السيناريوهات الخطيرة على المنطقة، ويكاد صوت طبول الحرب يصم الآذان.

من جانب آخر، لن يتفاجأ العالم أو المنطقة في حالة عودة العمليات القتالية، فقد باتت كل الأحداث متوقعة كأننا أمام مشاهد فيلم مكررة.

ففي غزة، التي يتم تجويع أهلها وإبادتهم كل يوم وبكل الوسائل الوحشية وأمام العالم المتفرج، لم تحرك دول العالم ساكنًا ولا حتى الدول الإسلامية؛ بل لم يكلفوا أنفسهم عناء عقد اجتماع لدعم معنوي أو مالي أو للضغط على دولة الإرهاب إسرائيل لفتح المعابر لإدخال مقومات الحياة لمليوني فلسطيني في غزة. وبدا وكأن الأمر ليس قضية إسلامية ولا إنسانية ولا حتى عربية! بل إن الإدانات والأصوات الخافتة من بعض الدول صمتت وأصبح الجميع متفرجين.

لا أحد يستطيع أن يضمن أن أي حرب قادمة لن تتوسع وتطال شراراتها دول المنطقة وحتى بعض الدول الأوروبية، وأن لهب حرب شاملة بدأ يستعر تحت رماد الحرب السابقة، ولا يبدو أن أيًّا من الطرفين سيجنح للسلم أو يسعى له. إن المنطقة بأكملها على أعتاب مرحلة جديدة ستنتهي مع نهاية الحرب القادمة، ولن يكون العرب فيها الرابح الأكبر بطبيعة الحال.

وبالنسبة للدولتين، فإن الحرب القادمة حرب وجود لا حرب مصالح فقط؛ لأن الخاسر سيخسر كل شيء، فيما سيستولي الرابح على كل شيء. وواهم من يشك أن الدولتين لن تستفيدا من دروس الحرب السابقة. وأحد السيناريوهات المحتملة هو دخول إيران بكل أجنحتها في المنطقة بحرب شاملة ستستدعي تدخل دول كبرى إلى جانب إسرائيل، مما سيؤدي إلى اشتعال المنطقة.

ما ستقرأه اليوم شيء مختلف عن سيناريو الحرب المباغتة السابقة؛ فإيران أكثر استعدادًا ولديها أوراق جديدة لم تطرحها، ولن تكون صيدًا سهلًا. وإسرائيل بدورها استلمت منظومات أسلحة جديدة من أمريكا وأيضًا تحتفظ ببعض أوراقها لتحقيق المباغتة. أما المفاوضات النووية فأصبحت في مهب الريح، وأصبح طرحها خجولًا وبلا معنى، وإسرائيل تهدد بإعادة إيران مئة سنة إلى الوراء إن هي بدأت بالحرب.

لكن كما يبدو، لا خيار أمام إيران إلا أن تكون البادئة هذه المرة لتحفظ ماء وجهها ولتحقق بعض المكاسب الاستراتيجية. وصرح أحد كبار القادة الإيرانيين: إنه في حالة بدأت إسرائيل بالحرب فسوف نعيدها إلى القرون الوسطى ولن تتوقف المعركة. ولحد الآن نسمع جعجعة ولا نرى طحينًا، ولم يحدث أي تماس أو معركة بين الطرفين إلا في سيناريوهات وكأنها معدّة للتوجيه من المخرج. وتأتي الأخبار من إيران بشن حملة مطاردة واعتقالات على جواسيس إسرائيل في الداخل الإيراني، وعن أرقام تتحدث عن أكثر من 21 ألف معتقل!

ترى لماذا في هذا التوقيت بالذات انتبهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى مخاطر التجسس؟ والغريب أن جماعة أنصار الله “الحوثي” في اليمن هي الجهة الوحيدة التي تقصف إسرائيل بلا هوادة، رغم أن المسافة البعيدة بين الدولتين فرضت واقعًا بعدم جدوى أو تأثير عملياتها. والنهايات لم تُسجَّل باسم قوات اليمن، ولكن باسم إيران.

ثم ماذا؟ تتحرر سوريا من نظام بشار الأسد ونستبشر خيرًا، ثم تُشعل إسرائيل جنوب وشمال سوريا بالاضطرابات والإرهاب. ونرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يزور عددًا من دول الخليج العربية ويعقد الصفقات ثم يستعرض إنجازاته موجهًا كلامه إلى روسيا: “نحن أخذنا تكلفة حرب أوكرانيا في ساعتين”.

ما الذي يجري في ساحة منطقتنا العربية والخليجية؟ وما سر هذا السكوت الذي وصل إلى حد التواطؤ مع قتلة أهلنا في فلسطين؟ وهل ستنقذنا هذه المواقف السلبية من شرارات أي حرب قادمة؟ كثير من حكومات الغرب تعمل ليل نهار لدعم إسرائيل سرًا بالأسلحة والذخائر بلا توقف، فيما يظهر مسؤولوها بالعلن ليدينوا جرائمها ويعلنون أنهم مع أمن إسرائيل وسيادتها!!

خلاصة القول: نحن على أعتاب حرب شرسة بين قوتين إقليميتين ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، فيما سنتحمل نتائجها ونكتوي بنارها في كل الأحوال.. فهل سنعتبر؟!

شاركها.