نيفين مدور تصوير أيمن المدهون

في قلب المحرق، وبين بيوت الطيبين وأزقتها القديمة، تقبع بقالة متواضعة تحولت مع مرور الزمن إلى مقصد للبحرينيين من مختلف المناطق. والسر يكمن في “المتاي” الذي يبيعه الحاج محمد بالشوك بطريقته المميزة، حيث يأتون خصيصًا لبقالته لتذوق هذا المتاي الفريد الذي أصبح علامة فارقة يتناقلها الكبار والصغار. لم يعد مجرد وجبة خفيفة أو “سناك”، بل تحول إلى جزء من ذاكرة البحرينيين، حاملًا معه طعم الطفولة.

اشتهر المتاي باسم صاحبه الحاج محمد بالشوك، الذي يعرفه الجميع بلقب “محمدين”، حيث يقول إن سر الإقبال الكبير على متجره لا يكمن في المتاي وحده، بل في “خلطة الفلفل” الخاصة التي يحرص على إعدادها بنفسه منذ أكثر من 50 عامًا. ويؤكد الحاج محمد أن وصفة الخلطة سرية للغاية، قائلاً بابتسامة يخفي وراءها فخرًا كبيرًا: “حتى أولادي وزوجتي ما يعرفونها.. هذي خلطة سحرية ما قلتها لأحد”.

وعن الأسعار، يوضح أن الخلطة تباع في عبوتين مختلفتين: الصغيرة بدينار ونصف، والكبيرة بثلاثة دنانير، فيما يبيع المتاي بأسعار رمزية تبدأ من 200 فلس ولا تتجاوز 400 فلس.

أما عن أصل الاسم الذي ارتبط بمنتجه، فيروي بالشوك قصة طريفة تعود إلى طفولته: “من يوم ولدتني أمي سمّتني محمدين.. وكانوا يدلعوني بهالاسم وصارت حتى أغنية باسمي.. ومع الوقت انشهر المتاي باسمي وصار معروف بين الناس باسم متاي محمدين”. ومن هنا ارتبط المتاي بهذا الاسم الشعبي الذي ظل حاضرًا في ذاكرة المجتمع البحريني.

ويعود تاريخ المتاي في البحرين بحسب الحاج محمد إلى فترة الثمانينات، بعدما كان يُحضر في السبعينات بطرق بدائية، إذ كان الناس يشترون “الرول” من المخابز ويرشون فوقه الفلفل ثم يبيعونه. ويقول: “في السبعينات سنة 1976 تقريبًا كنا نبيعه بهالطريقة.. لكن في الثمانينات طلع المتاي المعروف وصار ينتشر أكثر بين الناس”.

ومع مرور السنين، بقي “متاي محمدين” محتفظًا بجاذبيته، إذ يقصده الزبائن من كل مكان، بعضهم من مناطق بعيدة فقط لتذوقه وبعضهم من دول الخليج المجاورة. ويستذكر بالشوك بفخر هذه العلاقة الممتدة مع زبائنه قائلًا: “يجون لي نسوان كبار وعجايز.. ينادون علي من عند الباب: نبي متاي فلفل.. لين يومنا هذا ما زالوا يجون”.

يؤكد بالشوك أن بيع المتاي بالنسبة له ليس مجرد مهنة، بل هواية وشغف عاش معه طوال حياته، قائلاً: “ما أتركها لين أموت.. من السبعينات وأنا متعود.. البرادة تمشي في دمي، ما أقدر أجلس في البيت بدون شغل.. بموت لو جلست”.

وعند سؤاله عن شعوره تجاه محبة الناس له، يبتسم بالشوك بصدق ويختم حديثه بكلمات مؤثرة: “الناس يحبوني أكثر من المتاي نفسه”.

قصة “متاي محمدين” ليست مجرد حكاية عن طعام، بل قصة إنسانية وذكريات ووفاء متبادل بين بائع وزبائنه. هي حكاية رجل جعل من وصفة سرية وبساطة منتجه إرثًا شعبياً يجذب البحرينيون والخليجيون، لتبقى بقالته الصغيرة في المحرق شاهدة على أكثر من نصف قرن من الحكايات والنكهات والمحبة

شاركها.