فاطمة الصديقي

هل حلمت يوماً أن تلمس ما كنت تراه على شاشة التلفاز فقط؟ الأسود تجوب السهول بخطوات واثقة، الفيلة تمر من أمامك بقامتها المهيبة، والزرافات تعانق السماء بأعناقها الطويلة.. كل ذلك ليس مشهداً من فيلم وثائقي، بل تجربة حقيقية تنتظرك في قلب جنوب إفريقيا، إحدى أفضل الوجهات العالمية لرحلات السفاري.

من محميات طبيعية تزخر بالحياة البرية، إلى مغامرات «الخمسة الكبار» الشهيرة الأسد، النمر، الفيل، وحيد القرن، والجاموس ستعيش لحظات استثنائية تجمع بين الإثارة، الاكتشاف، والتأمل في روعة الطبيعة. ومع سيارات السفاري المكشوفة، ومرشدين محترفين يروون لك أسرار البراري، ستشعر بأنك بطل في فيلم واقعي من المغامرة والجمال.

جنوب إفريقيا ليست مجرد وجهة سياحية، بل بوابة لعالم آخر، حيث السحر الطبيعي، وحماية الحياة البرية، وتجربة تُحفر في الذاكرة وتُحكى للأجيال، واليوم أصبح الحلم حقيقة، فكانت رحلتي ناجحة إلى جنوب إفريقيا حيث متعة رحلة السفاري المليئة بالتوجس قبل أن أتعمق في البراري.

ولا يخفى على أحد أن جنوب إفريقيا تعد واحدة من أفضل الوجهات لرحلات السفاري، حيث تقدم تجربة فريدة لمحبي الطبيعة والمغامرات، وتتميز بتنوع بيئي يضم العديد من المحميات الطبيعية والمنتزهات، حيث يمكن للزائر مشاهدة الحياة البرية عن كثب في تجربة لا تُنسى، حيث سماع أصوات الحيوانات والطيور المختلفة، ومشاهدة الحيوانات المفترسة والأليفة، وكأنها لحظات سحرية نعيشها وتمضي وتبقى في الذاكرة.

سيارة السفاري.. وشعور المغامرة

تخيل نفسك في سيارة سفاري مكشوفة عند الشروق أو الغروب، مع مرشد محترف يشاركك المغامرة ويسرد قصة البقاء للأقوى وحياة تلك الحيوانات والبيئة المحيطة بها. حيث يبدو عليك الانبهار عندما يمر أمامك قطيع من الغزلان وحمار الوحش والجواميس وبعض أنواع الطيور المهاجرة، تجانس جميل وهدوء ولو لبعض الوقت لهذه الحيوانات التي لا هم لها غير الأكل.

أو عندما ترى أسدًا يتجول في السهول بخطوات تهز الأرض، أو ينتظر الفرصة لافتراس غزالة صغيرة كما شاهدنا في رحلتنا، وأنت في حالة من الخوف والتوجس. أو عندما تشاهد قطيعاً من الفيلة وهم يسيرون بثقة وبخطى واثقة غير مكترثين بالمخاطر. مشاهد طبيعية جميلة تظهر لديك معها موهبة التصوير هنا وهناك بسرعة متناهية خشية أن يفوتك مشهد أو لقطة لسلوك غير متوقع من هذه الحيوانات في زمن لن يتكرر أمامك. تلك اللحظات كانت مجرد مشاهد في الأفلام، وأصبحت اليوم حقيقة تتحول بعد حين إلى ذكريات حية تظل محفورة في ذاكرتك وبين صورك إلى الأبد. إن مغامرة رحلة السفاري ليست مجرد رحلة لرؤية الحيوانات، بل هي تجربة تعليمية وثقافية تفتح للمغامر أبوابًا جديدة لفهم الطبيعة والتواصل مع العالم من حوله، وسلوك تلك الحيوانات وفطرتها في البقاء.

«Big Five» وفيلم «The Lion King»

أنت الآن في سيارة سفاري دفع رباعي مكشوفة مجهزة لتتمكن من الوصول إلى الطرق الوعرة، تجوب البراري تحت سماء جنوب إفريقيا الواسعة بحثًا عن «الخمسة الكبار» أو كما يُطلق عليهم Big Five، وهم: الأسد، النمر، وحيد القرن، الفيل، والجاموس. حيث الظلمة قبل الشروق والبرد القارس وخيوط الشمس تتصدر المشهد لبزوغ رائع وألوان جميلة تحبس الأنفاس. المغامرة كانت البحث عن الأسود، فالسيارة تجوب وتواصل البحث في الطرق الوعرة، وبعد أن فقدنا الأمل في تلك الجولة وجدنا آثار أقدام أسد، وتجولنا قليلاً حتى وجدنا أسدين اثنين، فكان الحظ حليفنا. المسافة بيننا وبينهما لم تكن بعيدة، وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية اتباع تعليمات المرشد بجدية تامة، وكما أشار المرشد فإن الحيوانات ترى السيارة وكأنها كتلة واحدة، والخطر يكمن عند تحريك الأيدي خارج السيارة أو عند الوقوف وتحريك الجسم، أما الجلوس بهدوء داخل السيارة فيعني الأمان. كان مشهداً رهيباً في حضرة ملك الغابة وهو يمشي بحثاً عن فريسته. ويقول المرشد إن الأسود غالباً لا تصطاد، وإنما اللبوة تقوم بذلك، خاصة في الظلام الحالك حيث تنشط لديها حاسة البصر.

كان يوماً جميلاً شاهدنا فيه «الخمسة الكبار» من الحيوانات، بجانب الغزلان وحمار الوحش والزرافة وفرس النهر. وتذكرنا حينها فيلم «The Lion King» حيث الخنزير البري بومبا وتيمون «السرقاط» والطائر الذي يجوب مع سيمبا الأسد. فجنوب إفريقيا تقدم تجربة فريدة في المحميات الخاصة التي تُعد موطناً لمجموعة واسعة من الحيوانات والنباتات الفريدة.

حماية الحيوانات في السفاري

تُعد الحياة البرية جزءاً هاماً من النسيج الطبيعي في جنوب إفريقيا، حيث تجسد تنوعاً غنياً من الأنواع الحيوانية والنباتية. ومع تزايد التهديدات التي تواجه هذه الكائنات، مثل الصيد الجائر وفقدان المواطن الطبيعية، يصبح من الضروري اتخاذ خطوات فعالة لحمايتها. وهذا ما تعكف عليه حكومة جنوب إفريقيا من خلال جهود متكاملة تشمل التوعية العامة والحماية القانونية. حيث تعمل الحكومة على تحديد مناطق محمية يُحظر فيها الصيد الجائر، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على المحميات لمكافحة أي نشاط غير قانوني.

تقوم هذه المحميات بدور حيوي في توفير الغذاء والماء خلال مواسم الجفاف، مما يضمن بقاء الحيوانات في بيئتها الطبيعية. كما تُعد إعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض خطوة حاسمة، حيث تم توطين بعض الجواميس النادرة في مناطق آمنة كما شاهدنا في المحمية، مما يساهم في زيادة أعدادها وتكاثرها ومن ثم إطلاقها في البراري. كما تُسهم المحميات في تحقيق توازن بين أعداد الحيوانات المفترسة والحيوانات الأليفة، مما يسمح بتكاثرها بشكل مستدام. وتتضمن هذه الجهود أيضاً برامج للبحث والدراسة لفهم احتياجات الحيوانات بشكل أفضل، وتنفيذ استراتيجيات تهدف إلى حماية المواطن الطبيعية. ومن خلال هذه المبادرات تسعى جنوب إفريقيا إلى الحفاظ على تراثها الطبيعي وضمان مستقبل مستدام للحياة البرية، مما يعكس التزام البلاد بحماية التنوع البيولوجي للأجيال القادمة.

السلامة أثناء رحلة السفاري

تُعد السلامة جزءاً أساسياً من تجربة السفاري الناجحة. وبالرغم من أن مشاهدة الحيوانات البرية من الأمور المثيرة لمحبي هذه المغامرات، إلا أنه من المهم والضروري اتباع القواعد الأساسية لضمان سلامة الجميع في البراري. ومن هذه الأمور: عدم مغادرة السيارة إلا في المناطق المخصصة داخل المحمية، سواء لأغراض التصوير أو لأي غرض آخر، حيث يمكن أن تكون الحيوانات المفترسة مختبئة في مكان غير متوقع وتهاجم بلا تردد. كما يجب أن تكون السيارات المستخدمة في السفاري مصممة خصيصًا للتعامل مع التضاريس الوعرة في البراري والغابات لضمان الراحة والسلامة أثناء التنقل عبر البيئات الصعبة. كذلك يجب اختيار مرشدين محترفين يتمتعون بخبرة واسعة في تنظيم رحلات السفاري، يحرصون على سلامة الزوار ويقدمون تعليمات صارمة قبل البدء في المغامرة، فهم مدربون على كيفية التصرف في حالات الطوارئ، وقادرون جيدًا على التعامل مع الحيوانات، مما يضمن للمغامر تجربة آمنة وممتعة. لذلك لابد من التخطيط الدقيق وبعناية لرحلة السفاري، واختيار أفضل الأوقات للزيارة، والملابس المناسبة لفصول السنة. فكل لحظة في السفاري، سواء كانت مليئة بالإثارة أو الهدوء، تساهم في خلق ذكريات لا تُنسى تدوم مدى الحياة.

شاركها.