حوراء مرهون
المرض لم يعق تقدمي في الدراسة وأعمل اليوم كمصممة جرافيك
أكبر إنجاز في حياتي هو الاستمرار بمواجهة التحديات رغم المعاناة
تعلمت أن أحب اختلافي وأعتبره مصدر قوتي وتميزي لا العكس
وُلدت الشابة البحرينية زينب حبيب قبل ثلاثين عاماً وولدت معها معركتان قاسيتان؛ مرض وراثي نادر يُسمى “السُّماك”، إلى جانب مرض فقر الدم المنجلي “السكلر”، ولاحقاً أصيبت بإعاقة دائمة في الظهر..
كل مرض على حدة كفيل بإرهاق حياة الإنسان وتحويلها لنفق مظلم من الألم، لكنها اختارت أن تحوّل هذه التحديات إلى مصدر قوة وإلهام، بدلاً من أن تكون قيوداً تكبّل حياتها، واعتبرت اختلافها سر تميزها عن الآخرين. في هذا الحوار، تفتح زينب قلبها لـ”الوطن” وتروي قصة النجاح.
من هي زينب حبيب وكيف بدأت رحلتك مع المرض؟
أنا زينب، ولدت مختلفة عن أقراني وأدركت ذلك مبكراً، حيث لاحظت اختلاف شكل بشرتي وإرهاقي وتعبي المستمر، خصوصاً عند التعرض للشمس والجو الحار، لكني تعايشت إلى حد ما في طفولتي مع المرض رغم شعوري المستمر بأنني مختلفة عن أقراني.
لم أكن أعرف سبب اختلاف شكل بشرتي وجفافها واحمرارها بشكل كبير، وكنت أبكي أحياناً وأسأل والدتي لماذا أنا مختلفة عن الآخرين؟ لم أكن أعرف بأنه مرض نادر اسمه “السمكية”، وظننت بأنني سأكبر ويتغير كل شيء.
لاحقاً، وبعد البحث عبر الإنترنت وقراءة العديد من المقالات اكتشفت بأنني مصابة بمرض نادر، وذلك فسّر لي سبب اختلافي، ولماذا لم أر أحداً مثلي من قبل. كل ذلك لم يعقني عن التقدم في الدراسة والعمل، فقد درست الهندسة الداخلية ثم حصلت على دبلوم في التصميم الجرافيكي، واليوم أعمل كمصممة جرافيك. إن أكبر إنجاز في حياتي ليس الشهادات الأكاديمية بقدر ما هو الاستمرار في مواجهة التحديات رغم المعاناة مع مرضي “السُّماك” وفقر الدم المنجلي وإصابات المفاصل والظهر.
كيف انعكس المرض على طفولتك ودراستك؟
منذ الابتدائية كنت أعاني من جفاف شديد وتشقق في البشرة. لم يكن جسمي يتعرق تقريباً، ومع الحرارة يصبح وجهي أحمر كقطعة طماطم بسبب انعدام التعرق في بشرتي. كنت ألعب مع زميلاتي لكنني أتعب بسرعة حيث يتسارع نفسي ويضيق صدري، والمعلمة لم تكن تدرك ما بي. كما أذكر موقفاً حين أحرجتني إحدى المعلمات في الصف أمام زميلاتي قائلة: “لماذا شكل بشرتك هكذا؟ اذهبي لطبيب ما وتعالجي. لكنني كطفلة وقفت صامتة لفترة، ثم أخبرتها بأنني أتعالج أساساً.. كل هذه المواقف رغم قساوتها جعلتني كما أنا اليوم، وعلمتني أن أحب اختلافي وأعتبره مصدر قوتي وتميزي لا العكس.
هل تشعرين أن المرض حرمك من أشياء معينة؟
بالعكس، لا أشعر أنه حرمني من شيء، بل منحني تحديات صنعتني بشكل أفضل. ربما أخذ مني بعض الفرص، لكنني على يقين أن الله دائماً يختار لعبده ما هو أنسب. كما أن أكبر نقطة تحول كانت عندما انكسرت فقرة في ظهري، وقتها شعرت أن كل شيء انهار، لكن التجربة منحتني يقظة روحية عميقة. الألم الذي رافقني لأكثر من عام صعّب علي حتى الحركات البسيطة، وجعلني أخسر وظيفتي وأصبحت هوايتي المفضلة الرسم صعبة كثيراً، لكنه علّمني الصبر والتأمل والإيمان بمنظور مختلف.
ما أبرز التحديات اليومية؟
ترطيب البشرة أصبح جزءاً لا يتجزأ من يومي. أحياناً أتمنى التوقف عنه، لكنه ضرورة لا مفر منها. حتى عندما أخرج لا بد أن أحمل كريماً معي. أما الملابس فهي تحدٍّ آخر؛ فليست كل الأقمشة تناسب بشرتي. أحب ارتداء اللون الأسود مثلاً، لكني أحياناً أتجنبه؛ لأنه يُظهر قشور بشرتي بشكل أوضح. كما أنني عانيت كثيراً مع بعض الأدوية الخاصة بعلاج فقر الدم المنجلي مثل “الهيدروكسيوريا”، فقد تسبب بتلف بشرتي بشكل كبير وأثّر على نفسيتي. حتى شراء الكريمات لم يكن سهلاً؛ بعضها غير متوفر محلي، واضطررت للسفر أو طلبه من الخارج.
كيف استطعتِ تحويل المعاناة إلى مساحة إبداع؟
أدركت مع الوقت أن التعلم هو طريقتي الخاصة للتعافي. بعد كل فترة صعبة أبحث عن شيء جديد أتعلمه: دورة، لغة، أو هواية جديدة. تعلمت الإسبانية، انخرطت في العمل التطوعي، احترفت الرسم، ومؤخراً بدأت العزف على الكمان.
الموسيقى بالنسبة لي مثل مسكّن خفي؛ أحياناً يختفي ألم ظهري تماماً عندما أعزف، وكأنما جسدي يتعافى بالموسيقى. الرسم أصبح أصعب بسبب إصابة ظهري، لكنني لا أستطيع تركه وأواصل حتى وإن رسمت رسومات بسيطة.
ما رسالتك لمن يواجه التنمّر أو يخشى من اختلافه؟
أول خطوة هي أن تفهم نفسك. حين تدرك قيمتك، يصبح رأي الآخرين أقل تأثيراً. كل إنسان نسخة فريدة لا تتكرر. التنمر ليس حقيقتك، بل انعكاس لنقص في الآخر. تذكر أن اختلافك هو ما يجعلك مميزاً. وأذكر بأني حين استمعت لجسدي وفهمت احتياجاته تحسّن أدائي الأكاديمي والمهني بشكل كبير وبدأت أستمتع بالحياة. التقبّل الحقيقي للمختلف لا يعني شفقة ولا تجاهلاً، بل أن نراه كما هو: إنسان كامل له قيمة وكرامة. الاختلاف ليس نقصاً، بل وجه آخر للجمال.
ما هو طموحك في المستقبل؟
وجدت في تجربتي الهام للعديد من الناس الذين يعانون بشكل ما في حياتهم، وبدأت في نشر قصتي على حسابي في “الإنستغرام ” لأشارك أفكاري وتجربتي مع الحياة، ليكون محتوى ينبض بالأمل والطاقة الإيجابية. وأطمح إلى كتابة كتاب أجمع فيه قصتي وتأملاتي، ليبقى أثراً ملموساً يذكّر الآخرين بأن الحياة، رغم تحدياتها، ما زالت جميلة، وتستحق أن نعيشها بكل تفاصيلها.