شعبان عبدالرحمن خاص اخبار تركيا

يسمّيها أهلها : ” أباد نمل ” أي ” أرض الروح” لأنها تمثل قطعة منهم لاتنفك عن أرواحهم التي قدّموها دائما فداءً لها.

ويسمّيها الروس الذين يسيطرون عليها فعليا اليوم” لؤلؤة البحر الأسود ” لجمال طبيعتها وطيب هوائها وموقعها الفريد علي البحر الأسود ما جعلها منطقة جذب سياحس .

و” الأبخاز ” أو ” الأباظة ” هم الشعب الذي يقطنها والذي ذاع صيته ، وفرقته الحروب والمحن التي أنزلها به المستعمرون الطامعون من دول الجوار مثل جورجيا ثم روسيا ، وتسبب ذلك تشريده في بلاد شتي فكوّن فيها عائلات يشار إليها بالبنان ، وأبرزهم عائلة ” الأباظة ” في مصر تلك العائلة المشهورة بالانخراط في السياسة والتجارة والأدب معا ، مشاركة بذلك في امتلاك مفاتيح إدارة الحياة : سياسيا واقتصاديا وثقافيا .

بداية الظهور.. وعلاقتهم بالدين

والعلاقة بين الأرض والشعب تضرب بجذورها إلي ما قبل التاريخ ، فقد كان الأبخاز وفق علماء التاريخ هم أول من سكن هذه الأرض في القرن الخامس قبل الميلاد ولذلك تسمت باسمهم.ومنذ ذلك التاريخ تتابعت علي بلادهم الغزوات الاستعمارية وقاومها ذلك الشعب صانعا ملاحم بطولية متتابعة بما يبنئ عن ارتباط هذا الشعب بأرضه ارتباطا روحيا وتاريخيا ،وقدم في سبيل ذلك تضحيات كبيرة .

وفي القرن السادس الميلادي (عام 533م ) كانت المسيحية هي ديانة أهلها الرسمية ، بعد أن غزاها الرومان ثم البيزنطيين ، ثم عرفت الإسلام عندما وصلها في نهاية القرن السابع الميلادي ، وترسخت جذوره عندما كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها .

وظلت أبخازها هكذا حتي منتصف القرن السادس عشر الميلادي عندما ضمتها دولة الخلافة الإسلامية ضمن فتوحاتها لمنطقتي آسيا الوسطي والبلقان ، وانتشر الإسلام فيها بين كل الطبقات حيث دخل الناس في دين الله أفواجا ،وظلّت الدولة الإسلامية قائمة فيها حتي أُصيبت الدولة العثمانية بالضعف والتفكك في بداية القرن العشرين، وتم تقسّيم أملاكها بين الطامعين من قوي الاستعمار .

نكبة العهد الشيوعي

وفي العهد الشيوعي الملحد ( 1922م 1991 م ) خضع الأبخاز ” الأباظة ” في ثلاثينيات القرن العشرين كغيرهم من الشعوب المسلمة في الأراضي والدول التي ضمها وحكمها الاتحاد

السوفييتي خضعوا لسياسات تفتيت الأوطان وتمزيق الشعوب المسلمة عبر التهجير القسري والنفي والتوطين في أراض أخري غير وطنهم ، وسط حملات من التنكيل المتواصلة التي مارسها جوزيف ستالين أحد عتاة الاتحاد السوفييتي ، وهو ما أدي إلي هدم خريطة أبخازيا الديموجرافية بعد تمزيق شعبها المسلم وتشتيته وإعادة تشيكله من جديد ليصبح أقلية مهيضة الجناح، منقوصة الحقوق بعد أن كان أغلبية وسيدا على أرضه ، وهو ما حدث في باقي الجمهوريات الإسلامية السوفييتية ومثلما يحاول الصهانة تحقيقه اليوم في غزة بدعم من الاستعمار الأمريكي ، فقد دفعت الحكومة المركزية الشيوعية بأعداد كبيرة من الروس والأرمن والجورجيين إلي أبخازيا ليحلوا محل من تم نفيهم خارج أبخازيا من السكان الأصليين المسلمين، حتى صار المسلمون أقلية في بلادهم بعد أن كانوا الكثرة الغالبة ، فعلي سبيل المثال : كان الأبخاز يمثلون85% من السكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي لكنهم صاروا يشكّلون 17% فقط مقابل 43% جورجيين و16% روس وبقية النسبة من أعراق وجنسيات أخري.

وهكذا تقلص تعداد الأبخاز فأصبح مائة ألف نسمة فقط وفق إحصاءات جورجيا وباتوا يعيشون وسط غابة من الجنسيات الأخري،تتوزع خريطتههم السكانية التقريبية كالتالي :

100ألف من الأباظة الأبخاز

293000 ألف من الجورجيين

76000ألف أرمن

75000ألف من الروس

15000من الأروام

18000ألف أتراك

2000من الروس البيض

1500من اليهود

1100تتري

11000من الأوكرانيين

5000قوميات أخري

فقد شتت النظام الشيوعي معظم الشعب الأبخازي المسلم إلي سيبيريا في شمال الاتحاد السوفييتي وإلي مصر والأردن وتركيا وسوريا ، ويكفي أن نعلم أنه يعيش منهم في تركيا وحدها

أكثرمن 300ألف أبخازي .

إحراق الإرشيف الوطني ومعهد الأبحاث

وقد ركّزت حملة التشتيت والتذويب للشعب الأبخازي المسلم علي المثقفين بصفة خاصة لأنهم يمثلون عقل الشعب وذاكرته التي تحمل قضيته وتعبر عنها و تشكل إرادته وتقوده إلي النضال من أجل الاستقلال .

وإمعانا في طمس الهوية الإسلامية واندثار التاريخ الحقيقي قامت جورجيا بإحراق الإرشيف الوطني ، ودار المتحف الوطني ، ومعهد الأبحاث العلمية واللغوية في محاولة لقطع جذور هذا الشعب المسلم باتاريخه الحقيقي .

من جهة أخرى وفي عام 1911م تحالفت جورجيا مع روسيا لممارسة ضغوط شديدة علي أبخازيا للموافقة علي تشكيل اتحاد فيدرالي مع جورجيا ، وفي عام 1921م أي بعد أربع سنوات من قيام الثورة البلشفية الشيوعية ، قرر الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين ( الجورجي الأصل ) بمساعدة وزير داخليته ” بيريا ” ضم أبخازيا إلي جورجيا عنوة وعلي غير رغبة من أهلها ، وكانت الشيوعية الصاعدة في ذلك الوقت في أوج قوتها ، وأخذ قادة الاتحاد السوفييتي ينفذون مخططهم لتغيير هوية الجمهوريات الإسلامية الكبيرة بزرع الشيوعية بين شعوبها والعمل بإصرار علي محو هويتهم وفي الوقت نفسه قامت بتفتيت الكتل السكانية المسلمة الكبيرة وتوزيعها في أماكن متفرقة متباعدة وتم إلحاق الكيانات المسلمة الصغيرة مثل أبخازيا وغيرها بالدول الكبيرة ليتم تذويبها ومحو هويتها .. وقد صب كل ذلك في محو الوجود الإسلامي من هذه المنطقة ، وقد نجح ذلك المخطط في بعض المناطق ولكنه فشل في مناطق أخرى .

وفي إطار هذا المخطط كان نصيب أبخازيا الإلحاق بجورجيا لتضيف إليها مساحة جديدة مع إقليمي أوسيتيا الجنوبية ووادجاريا اللذين تتكون منهما الأراضي الجورجية .

رفض الاستسلام والإصرار علي الاستقلال

لكن بالرغم من كل ذلك لم يستسلم الأبخاز للتقريط في هويتهم أو دولتهم ولم ييأسوا من الدفاع عن بقائها حيّة علي خارطة الكون وحيّة علي المسرح السياسي ، فقاوموا الضم إلى جورجيا ورفضوا الاحتلال الجورجي وطالبوا بالاستقلال التام ، وقد كلفهم ذلك الكثير ، فواجه قادتهم السجن والنفي والقتل في سجون سيبيريا علي أيدي القوات السوفيتية ، خاصة في عهد ستالين (صاحب الحملات الأشد قسوة ضد المسلمين في الجمهوريات الإسلامية عموما ) .

وفي عهد خروشوف هب المسلمون الأبخاز مرة أخري للمطالبة بحقهم في الاستقلال لكن السلطات السوفيتية ردت عليهم بحملة أكثر وحشية حتي قضت علي حركتهم .

وهكذا …قوبلت أي تحركات للأبخاز علي امتداد ستة وستين عاما ( 1926 1992م ) للمطالبة بالاستقلال بالقمع الوحشي كما قوبلت أي مطالبة بالحقوق المشروعة بالرفض التام والتهديد بالانتقام .

وتعد الحرب التي شنتها جورجيا على أبخازيا بتحريض ودعم من الاتحاد السوفييتي بين عامي 1992م 1993م من أعنف الحروب التي استهدفت أبخازيا وتم خلالها تهجير موجات جديدة ممن تبقي من الشعب الأبخازي وطالت أكثر من نصف السكان الذين كان يقدرعددهم عام 1989م ب 525,061 نسمة وتناقص هذا العدد حتى بلغ أقل من ربع المليون نسمة، وبات وضع المسلمين في الخريطة السكانية في أدني مستوياته وتحولوا إلى أقلية ،فوفقًا لمسح اجتماعي تم عام 2003م يعتبر 16 ٪ من سكان البلاد أنفسهم مسلمين، ووفقًا لتعداد عام 2011م ، عرّف ١٠٪ منهم أنفسهم كمسلمين.! ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الأرثوذكسية والوثنية الجديدة

وباتت غالبية السكان اليوم من معتنقي الديانة المسيحية الأرثوذكسية ، بينما تتزايد أعداد معتنقي ما يسمى “الوثنية الأبخازية الجديدة أو الحديثة” والمعروفة أيضا باسم “الوثنيّة المعاصرة “، وهي عبارة جامعة لحركات دينية جديدة متأثّرة بالعقائد الوثنيّة في أوروبا القديمة، شهد ت إحياءً في تسعينيات القرن الماضي و لم يزل تأثيرها قويًّا .

ومن الناحية السياسية لم تتمكن أبخازيا من الحصول علي الاعتراف الدولي الكامل باستقلالها ، فمازالت لا تمتلك مقومات الدولة ،ولم يعترف باستقلالها حتى اليوم سوي خمس دول فقط هي: روسيا، وفنزويلا، ونيكاراجوا، وناورو، وسوريا؛ وهي الدول التي يمكن السفر اليها والعودة منها بجواز سفر أبخازي ، أما الوجهات الأخرى من العالم فيتم السفر إليها بجواز سفر روسي ، سمحت به روسيا التي مازالت تطمح في وراثة الاتحاد السوفييتي القديم في النفوذ والمكانة بين الدول والكيانات التي انفكت من هذا الاتحاد ، ولذلك فهي تسيطر عمليا على حدود واقتصاد وجيش أبخازيا بشكل كامل، و تُغطي المساعدات المالية الروسية ما يقرب من 80% من ميزانية أبخازيا و تُشرف القواعد العسكرية الروسية وضباط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي على الأمن ، مما يحد من قدرة أبخازيا على العمل باستقلالية كاملة.

حالة نادرة ..استفاد منها السوريون

وتعد أبخازيا بهذا الوضع حالة نادرة بين الدول فهي من جانب أعلنت استقلالها لكنها لم تحظ بالاعتراف الدولي الكامل ، ومن جانب آخر تدير أمورها وتسير شئونها اليومية بنفسها لكن النفوذ الروسي يسيطرعليها بصورة كاملة .. هي إذا شبه دولة مستقلة تعيش حالة سياسية نادرة ، وتجتهد في زيادة عدد سكانها مقدمة العديد من الامتيازات في هذا الجانب ، ولعل السوريون هم الأكثر استفادة من هذه الامتبازات ، ففي الوقت الذي كانت العديد من الدول الأوروبية ترفض أو على الأقل تقيد انتقال اللاجئين السوريين إليها، رحبت أبخازيا بهم بل وتتمنى بقاءهم فيها لأطول فترة ممكنة، حيث يمكن أن يساعد توطين الأسر السورية في البلاد على ارتفاع تعداد سكان الدولة ، وقد مثل هذا الوضع فرصة كبيرة لآلاف السوريين ليعيشوا في أبخازيا بأمان وسلام حيث يمتلكون حقوق العيش فيها كأي مواطن عادي، بما فيها التأمين الصحي والتعليم المجاني وحتى الحق في التصويت في الانتخابات.

رفض استقلال الدول الصغيرة

وقد ظلّت أبخازيا بهذه المكانة الكبيرة رغم صغر حجمها ، وظلّت تشغل حيزا كبيرا علي الساحة السياسية رغم ضعفها .

فرغم مساحتها الصغيرة إلا أن تلك المساحت تتبوأ موقعا استراتيجيا علي الساحل الشمالي للبحر الأسود حيث تهيمن على نصف سواحل جورجيا القديمة

،ولذا يعتمد اقتصادها على السياحة إضافة إلى الفلاحة وإنتاج السجائر إذ تمتلك حقول تبغ شاسعة، وقد أثرت علاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا على اقتصادها بالسلب فأبقته هشاً، ويعاني العديد من سكانها الأصليين والسوريين من الفقر.

وتعد أبخازيا نقطة ربط بين أوروبا والصين عبر طريق الحرير التاريخي الشهير الذي تجري محاولات لإحيائه ، وهي لذلك تعتبر ممرا هاما للتبادل التجاري بين أوروبا والشرق الأوسط وقد عرفت قديما كمنطقة ازدهار تجاري عبر التاريخ .

عندما انهار الاتحاد السوفيتي وتفككت دوله عام 1990م ، كانت الحياة في دوله قد أصيبت بالتفكك والتحلل والاضطراب والفراغ السياسي ، وكان نصيب جورجيا من ذلك كبيرا فقد شهدت فراغا سياسيا بعد أن تم عزل رئيسها جامسيا خورديا وفراره إلي غرب البلاد ، وتنصيب مجلس عسكري جديد لحكم البلاد ، ثم سيطر خورديا علي غرب البلاد وخاض حربا شديدة ضد الحكم الجديد.

وظلت الحرب سجالا بين المجلس العسكري الجديد والرئيس المخلوع حتي تم التضييق عليه ففر إلي أبخازيا محتميا بأراضيها وأهلها ..وهكذا بعد أن كان جامسيا خورديا شوكة في ظهر أبخازيا ومهددا لاستقلالها وسيفا مسلطا علي أمنها واستقرارها ، أصبح أمنه ومصيره بيد شعبها بعد أن فر إليهم .

وعاشت جورجيا بسبب هذه الأحداث فراغا سياسيا واضطرابا اقتصاديا أصابها بالعجز ،وهو مامثّل فرصة نادرة للأبخاز لإعلان دولتهم المستقلة من جانب واحد عام 1992م، وأعلنوا في نفس الوقت العودة للعمل بدستور 1925م وهو آخر دستور للدولة الأبخازية قبل أن يعلن ستالين ضمها إلي جورجيا عام 1926م.

وجاء إعلان استقلال أبخازيا بمثابة الصاعقة علي المجلس العسكري الحاكم في جورجيا في ذلك الوقت والذي كان يسيطر عليه تيار التطرف القومي الرافض بقوة لفكرة استقلال أبخازيا .

عوامل انتصار أبخازيا علي جورجيا

وكان تقدير المجلس العسكري أن القضاء علي الأبخاز لن يتجاوز سوي أياما معدودة نظرا لتعدادهم المتواضع الذي لايتجاوز المائة ألف نسمة ،فأعلن الحرب الشاملة في اغسطس 1992م ، وبالفعل حقق انتصارات كبيرة في بدايتها لكن المعركة لم تنته فقد واصل الأبخاز المقاومة ببسالة نادرة فاجأت جميع المراقبين ووضعت جورجيا ونظامها العسكري الجديد في مأزق كبير.

وبعد ان انتهت الفترة الانتقالية التي تولي فيها المجلس العسكري إدارة البلاد بانتخاب ادوارد شيفارنادزة رئيسا جديدا للبلاد واختار طريق مواصلة الحرب مع ابخازيا فلم يجد الأبخاز بدا من مواصلة المقاومة حتي قلبوا الميزان العسكري لصالحهم وحققوا نصرا ساحقا علي جورجيا ، تضافرت عوامل عديدة في تحقيقه ، ويمكن إجمالها فيما يلي :

قوة شكيمتهم ومراسهم في القتال والتي اعجزت الجورجيين وآلمتهم كثيرا ، ولاشك أن ذلك عوضهم عن قلة عددهم أمام جحافل القوات الجورجية ، هذا إضافة إلي استنادهم إلي قوة ضخمة من من أشقائهم المسلمين الذين يصل تعدادهم إلى 2مليون ابخازي ينتشرون في دول القوقاز المجاورة لهم ( الشيشان الشركس تتارستان ..وغيرها )، وكذلك أهلهم المهاجرين منذ حملات التهجير القسري في تركيا والأردن الذين يمدونهم بالمعونات المادية والعينية .
انحياز روسيا في بداية الحرب إلي جانب الأبخاز دون الإعلان عن ذلك صراحة ، ولم يكن ذلك انتصارا لقضيتهم بقدر ما كان انتقاما من جورجيا التي رفضت الانضمام إلي كمنولث الدول المستقلة برعاية روسيا ، وهذا الرفض من قبل جورجيا حرم روسيا من النفاذ إلي موانئ البحر الأسود الذي تطل عليه جورجيا وأبخازيا .

لكن الموقف الروسي اعتدل بعد ذلك لصالح جورجيا بعد أن سارع الرئيس الجورجي بالذهاب إلي موسكو وإعلان الانضمام من هناك إلي رابطة الدول المستقلة .. وعلي اثر ذلك سارع الرئيس الروسي في ذلك الوقت بوريس يلتسين بإعلان موقف جديد لصالح جورجيا وذلك بتوجيه تحذير شديد اللهجة إلي الأبخاز من عواقب استمرار العمليات العسكرية .

وتوثق التعاون الجورجي الروسي بتوقيع الجانبين اتفاقية تعاون عام 1994م تؤكد علي أن أبخازيا جزء لايتجزأ من الأراضي الجورجية ، لكن الأبخاز ردوا علي تلك الخطوة بتوقيع معاهدة مع جمهورية تتارستان ( جمهورية قوقازية تتمتع بالحكم الذاتي داخل روسيا ) وهو ما مثل ضربة لروسيا من الداخل جعلها تسارع بإعادة النظر في موقفها وتتحسب خطاها من الانزلاق نحو العداء الكامل لأبخازيا .

وهكذا تأرجح الموقف الروسي بين الطرفين ، لكنه في كل الأحوال تعامل بحذر شديد مع مسألة استقلال أبخازيا ، فروسيا تقف سدا منيعا امام أي نزعة استقلالية جديدة داخل الكيان السوفييتي السابق لأن ذلك يمثل نموذجا مشجعا يغري الجمهوريات والكيانات التي مازالت واقعة في القبضة الروسية ولم تستطع الفكاك منها بعد ومنها جمهوريات القوقاز ذات الحكم الذاتي( الشيشان داغستان الأنجوش قيرقزيا إديقيا ) ، وغيرها من الكيانات الأخري مثل تتارستان وبشكيريا الموجودتان داخل الكيان الروسي وتتمتعان بحكم ذاتي .

هذه الدول إذا استقلت فسوف تشكل لامحالة كتلة إسلامية كبري تهدد مشاريع روسيا نفسها .

مستقبل الأوضاع

علي جانب الحكومة الجورجية ذاتها فإنها لم تبد أي مرونة في قبول استقلال أبخازيا علي أي صورة من الصور، وربما يسندها في ذلك إصدار مجلس الأمن أكثر من ثلاث إدانات لمحاولة لمحاولة أبخازيا السعي للاستقلال عن جورجيا !

لكن الموقف الجورجي المتشدد المسنود دوليا أضعفه الاقتصاد المنهك من الحروب وعوامل التفجير من الداخل المتمثلة في تركيبة السكان المتعددة الأعراق .

وقد شجع ذلك الأبخاز على إعلان استقلال دولتهم عام 1992م ضاربة عرض الحائط برفض مجلس الأمن وعدم الاعتراف الدولي ، وقرروا أنه من المستحيل التنازل عن دولتهم المستقلة التي خاضوا في سبيلها جهادا دام أكثر من ستين عاما .

ومن هنا لانبالغ إذا قلنا بأن الصراع بين جورجيا وأبخازيا سيطول ، خاصة أن أربع جولات من المفاوضات برعاية دولية وتوقيع اتفاقين لوقف إطلاق النار ،أحدهما في بداية عام 1993م، والآخر في مايو من نفس العام، لم تفلح في إنهاء ذلك الصراع .

الغريب في الموقف الدولي الذي يصر على رفض استقلال المكونات الإسلامية الصغيرة مثل أبخازيا والشيشان وغيرها من الدول الإسلامية في الاتحاد السوفيتي المنفك ، والرافض كذلك لاستقلال كوسوفا ومقدونيا في البلقان بدعوي الحفاظ علي وحدة الأراضي،هو نفسه الموقف الدولي الذي لم يمانع في تفتيت البوسنة إلي ثلاث كيانات ( مسلمة صربية كرواتية )، وهو نفس الموقف الدولي الذي وقف بقوة وراء انسلاخ تيمور الشرقية من اندونيسيا في 30 أغسطس 1999م .

والواضح ان الموقف الدولي في مسألة الاستقلال بالذات يقف بكل قوة ضد مساعي الاستقلال إذا جاءت من كيانات إسلامية ، بينما يعضد ويساعد إذا صدرت من كيانات غير مسلمة داخل دول مسلمة ..لذا لانري تغيرا في الموقف الدولي الرافض لاستقلال أبخازيا ، لسبب بسيط هو أنهم مسلمون.!!

عن الكاتب


شاركها.