اخبار تركيا

سلط مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، في صحيفة يني شفق، الضوء على خطط وزارة الشتات الإسرائيلية لشن حملة ضد تركيا وقطر في ظل هزيمة إسرائيل في ميدان الرأي العام العالمي بعد حرب غزة.

يعرض الكاتب أبعاد هذه الحملة المتوقعة، من مساعي عزل تركيا عن الغرب، وتشويه صورتها عبر اتهامات “معاداة السامية” والتطرف، وصولًا إلى تضييق مجالها الإقليمي خصوصًا في سوريا.

كما يربط بين هذا التوجه الإسرائيلي والتحولات الجيوسياسية الأخيرة، مثل تقارب أنقرة مع أوروبا والولايات المتحدة، وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا، والتنافس المباشر بين إسرائيل وتركيا.

ويخلص إلى أن متابعة تفاصيل هذه الحملة ستكشف عن شبكات النفوذ الإعلامية والسياسية الخفية لإسرائيل في الغرب، بما في ذلك ما يُعرف بـ“الطابور الخامس”. وفيما يلي نص المقال:

استوقفني خبر لافت تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا، ومفاده: “وزارة الشتات الإسرائيلية تُخطط لشن حملة ضد قطر وتركيا”. ولكن لا تفاصيل حول طبيعة هذه الحملة ومضمونها، إلا أن هذا التطور قد يفضي إلى فضحكثيرٍ من “الإسرائيليين الخفيّين”. وسأوضح كيفية ذلك لاحقًا، لكن دعونا أولًا نضع المشهد في إطاره العام.

أولًا: إسرائيل خسرت حرب الرأي العام العالمية، فأصبحت في عزلة شبه تامة؛ إذ لا يدعمها سوى الولايات المتحدة وعدد محدود من الدول. وحتى في عواصم الغرب بات نتنياهو يُوصف اليوم بأنه “زعيمٌ مُختل”. ورغم ذلك يكتفي نتنياهو وفريقه بالقول: “يكفي أن نحافظ على دعم الولايات المتحدة”. وقد تبين أن تل أبيب كانت تنفذ حملة سرية بملايين الدولارات للتأثير على السياسيين الأمريكيين، وكانت الحملة تحمل توقيع وزارة الشتات نفسها.

تحليل إخباري مُلفت من “عرب نيوز”

ثانيًا: تركيا تجاوزت مرحلة “العزلة الثمينة” التي كانت توصف بها. فقد غيّر الغزو الروسي لأوكرانيا موازين المعادلة، وصارت بروكسل تنظر إلى أنقرة بوصفها شريكًا في منظومة الأمن الأوروبية. (إذ قال الرئيس الفرنسي ماكرون: “أبلغتُ أردوغان استعداد فرنسا للعمل مع تركيا على أجندة ثنائية طموحة.”) كما أن “المحادثات الاستراتيجية والإقليمية بين واشنطن وأنقرة”، التي بدأت في عهد بايدن، قد تجسّدت عمليًا في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وأفريقيا في عهد ترامب. وهذا ما يشير إليه تحليل من صحيفة “عرب نيوز” السعودية، والذي خلص إلى أن إسرائيل، بعد حرب غزة الأخيرة، تحولت إلى تهديد أكبر، الأمر الذي دفع العديد من الدول العربية إلى التقارب مع تركيا.

ثالثًا: سقوط النظام في دمشق غيّر المعادلة الإقليمية. فمع تراجع النفوذ الإيراني، دخلت إسرائيل في منافسة مباشرة مع تركيا، ساعيةً لأن تكون “الطرف الوحيد صاحب القول الفصل” في المنطقة. وهناك ملفان أساسيانيثيران الخلاف بين إسرائيل وتركيا: الأول غزة، حيث تواصل أنقرة دفع قضية حل الدولتين، وقد ساهمت في مؤسساتية هذا الملف عبر إعلان نيويورك، وتمثل التصريحات المتتالية للدول بشأن الاعتراف بفلسطين، خسارة كبيرة لتل أبيب. والثاني سوريا، حيث تسعى إسرائيل لتقسيم البلاد، وأكبر عقبة أمامها في هذا الصدد هي تركيا.

يمكن تحليل التفاصيل الدقيقة لهذه المعادلة بشكل أوسع، إلا أن هذين الملفين يكتسبان أهمية خاصة بالنسبة لنا، إذ يمثلان النقاط التي ستطلق منها إسرائيل هجمتها المحتملة.

الأهداف الثلاثة للاستراتيجية الإسرائيلية

يمكن تلخيص أهداف الحملة المحتملة لإسرائيل ضد تركيا على النحو التالي:

أولًا: عزل تركيا؛ ستخصص إسرائيل جزءًا كبيرًا من مواردها لتصوير تركيا بأنها “غير موثوق بها” في المعسكر الغربي. وستعمل على تشويه الحقائق والتركيز على علاقات تركيا مع روسيا بهدف زعزعة المناخ الإيجابي بين تركيا والغرب. ومن التطورات الحديثة في هذا السياق، قيام 40 سيناتورًا في الكونغرس الأمريكي بإرسال رسالة إلى وزير الخارجية روبيو يطالبون فيها بعدم بيع مقاتلات F35 لتركيا، وردّ الأخير بأن موقف الحكومة الأمريكية لم يتغير.

ثانيًا: تشويه صورة تركيا؛ من المتوقع أن تصنف إسرائيل انتقادات تركيا للإبادة الجماعية على أنها “معادية للسامية” وإسلامية متطرفة. وستسعى إلى ربط تركيا بـ”المنظمات الراديكالية”. ولأن جهودها الطويلة في ربط تركيا بحماس قد باءت بالفشل في ظل حجم الإبادة الجماعية، فإنها تنقل جهودها الآن إلى سوريا. ولهذا السبب يصرون على تسمية أحمد الشرع بـ”الجولاني”، في إشارة إلى ماضيه في هيئة تحرير الشام. وقد تتصاعد هذه المحاولات في حال حدوث أي توترات محتملة مع قسد أو فيما يتعلق بوجود تركيا في أفريقيا. وفي هذا الصدد، قد تلجأ إسرائيل إلى الهجمات السيبرانية لكشف التحركات الاستراتيجية لتركيا، واستخدام هذه المعلومات لشن حملات تضليل إعلامي ضد تركيا.

ثالثًا: تضييق مجال المناورة الإقليمية لأنقرة. وفي هذا السياق، سبق أن أشرنا إلى تعاون طويل الأمد بين إسرائيل واليونان، وكذلك إدارة قبرص الرومية. لكن النقطة الحاسمة هي سوريا. فمن خلال جهودهم الخفية، أجبروا المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، باراك، على التراجع. فقد انتقل باراك، حفاظًا على منصبه، من تبنّي نهج “الحكومة المركزية” في سوريا إلى نهج “حكومة ليست مركزية ولا فيدرالية بالكامل”. وهذا يشير إلى تغير في السياسة الأمريكية. ويُقال إن سوريا وإسرائيل ستوقعان في سبتمبر في نيويورك اتفاقًا يتعلق بأمن الحدود. ورغم أن تفاصيل الاتفاق غير واضحة فإن حصول إسرائيل على ما تريد في السويداء سيشجع قسد أيضا. ويُعد تصريح بيرسوم عضو وفد التفاوض مع دمشق عن قسد بأن “الحكومة السورية تسعى لتدمير كل المؤسسات المدنية والأمنية وأن المفاوضات توقفت” مؤشراً لافتاً. كذلك، يشمل هذا الإطار مؤتمر الأكراد واليهود المزمع عقده في برلين خلال شهر سبتمبر.

فوائد الحملة المرتقبة

بالطبع، يمكن إجراء دراسات أوسع للتنبؤ بخطوات إسرائيل المحتملة، و هذا أمرٌ جديرٌ بالمناقشة. ولهذه “الحملة المرتقبة” أيضًا جانب إيجابي، أود أن أختتم مقالي بالإشارة إليه:

استنادًا إلى التجارب السابقة، من المعروف أن إسرائيل تستخدم في مثل هذه الحملات وسائل الإعلام الغربية التقليدية والصحفيين، وتنشر معلومات مضللة عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خفي، (على تركيا أيضاً أن تكون حذرة من المحاولات التي تستهدف زعزعة استقرار تركيا من الداخل)، وتكلف مراكز الأبحاث الغربية بإعداد تقارير. ومن المرجح أن يكون هذا الأسلوب هو الطريقة الظاهرة الأولى التي ستلجأ إليها. ومن ثم، سيكون لزامًا علينا متابعة الأخبار، والتعليقات، والتقارير المضللة والمعادية لتركيا، وكذلك حملات وسائل التواصل الاجتماعي. وبهذا سيتم الكشف عن خريطة “الطابور الخامس” الإسرائيلي.

شاركها.