اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، المؤتمر الدولي الذي يعقد في إسطنبول تحت عنوان “غزة: مسؤولية إسلامية وإنسانية”، تحت إشراف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع وقف علماء الإسلام التركي، بمشاركة 150 عالمًا من 50 دولة.

التقرير الذي نشرتهصحيفة يني شفق،يسلطالضوء على أهمية هذه الاجتماعات في صياغة مواقف استراتيجية وفكرية بعيدة عن صخب الأحداث اليومية، ويدافع عن جدواها رغم الانتقادات حول توقيت انعقادها.

كما يؤكد الدور الريادي الذي تسعى تركيا للعبه في دعم القضية الفلسطينية، ويوضح أن غزة تمثل قضية إنسانية تتجاوز الخلافات السياسية والإقليمية، ويشدد على ضرورة الاستماع لقرارات العلماء وتنفيذها لتعزيز التضامن الإسلامي والضغط على إسرائيل لوقف الانتهاكات.

وفيما يلي نص التقرير:

تستضيف إسطنبول منذ يوم الجمعة الماضي مؤتمرا دوليا بالغ الأهمية، ينظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع وقف علماء الإسلام التركي، وتستمر الاجتماعات التشاورية في جزيرة الديمقراطية والحريات بمشاركة 150 عالمًا من 50 دولة، تحت عنوان “غزة: مسؤولية إسلامية وإنسانية”. وفي ختام هذه الاجتماعات، سيتم إطلاق “إعلان إسطنبول” من جامع آيا صوفيا يوم الجمعة المقبل لتذكير الأمة الإسلامية بواجباتها تجاه غزة.

وأثناء متابعتي لردود الفعل على هذا المؤتمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لاحظت أن هناك نقطتين يتم تداولهما بكثافة: “ألم يفت الأوان على مثل هذا الاجتماع؟” و”هل هذا وقت التشاور بينما ترتكب إسرائيل إبادة جماعية وحشية؟” ويمكن إضافة سؤال ثالث لهما: “ماذا سنكسب من مجرد الكلام؟”.

وبالنظر إلى ملفات الشخصيات التي أثارت هذه التساؤلات، يتضح أن بعضهم يطرحها بتوجهات سياسية معينة أو بمعارضة سياسية، سأتجاهل هؤلاء. أما من يطرحها بصدق، ويشعر بالعجز إزاء هذه المأساة، فيجب تذكيرهم ببعض النقاط الجوهرية.

أولًا: يجب التأكيد على أن هذه ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها العلماء منذ بداية طوفان الأقصى. فقد عُقدت العديد من الاجتماعات واللقاءات في تركيا، وفي دول مختلفة من العالم الإسلامي، وكذلك في الغرب،. ونُظّمت العديد من ورش العمل التي شارك فيها أكاديميون وصحفيون ونشطاء، حيث أسفرت قراراتها هناك عن تنظيم العديد من المظاهرات، والمؤتمرات، والفعاليات. فالملايين من البشر حول العالم شاركوا في الاحتجاجات والفعاليات بناءً على القرارات الصادرة عن هذه الاجتماعات. ويُعد اجتماع إسطنبول الأخير هو الأكثر شمولًا حتى الآن، ولعل هذا هو الفارق الوحيد. و لذلك، فإن وصف هذا الاجتماع بأنه “مبادرة متأخرة” ليس منطقيًا ولا صحيحا.

ثانيًا: نعم، إنه الوقت المناسب للتشاور، بل هو التوقيت الأمثل. ففي أوقات الأزمات على وجه الخصوص، يصعب لأسباب متعددة التفكير بعقلانية واتخاذ قرارات سديدة، ووضع استراتيجيات عملية قابلة للتطبيق. ومن ثم، ومن هنا تبرز ضرورة أن بنعزل أهل العلم للتأمل بهدوء، وطرح الأفكار، ووضع الأسس النظرية. وقد لاحظ القراء اليقظون أنني استشهدت في مقالي السابق بنفس الضرورة بالآية 122 من سورة التوبة. فإذا لم يبذل البعض جهده في الخلفية لوضع الأسس الفكرية للموقف، فإن صخب الأحداث اليومية سيطغى على الحقائق.

وينبغي أيضًا النظر إلى اجتماع «مسؤولية إسلامية وإنسانية: غزة» باعتباره مؤشرًا على الدور الريادي الذي تسعى تركيا إلى لعبه في قضية فلسطين. صحيح أن الجهود المبذولة لم تكفِ لوقف الإبادة، وأنّ هناك حاجة إلى المزيد من العمل، و لكن يجب أن نعترف بصدق أن أعلى صوت ضد وحشية إسرائيل لا يزال ينبعث من تركيا، مقارنة بالعالم الإسلامي بشكل عام.

لقد شهدتُ بنفسي الجهد الكبير الذي بذله منظمو الاجتماع لضمان مشاركة أوسع، ولوحث بعض الدول الإسلامية على الانضمام. ولكن تجاهل بعض الدول الإسلامية، التي تُعد طرفًا مباشرًا سياسيًا وتاريخيًا في القضية الفلسطينة، للدعوة وحضور الاجتماع في إسطنبول، يعد فقدانًا من رصيدهم ونقطة سلبية تحسب عليهم. فقد قام المنظمون بواجبهم، وأصبح اجتماع العلماء في إسطنبول بمثابة “اختبار حقيقي” يذكّر العالم الإسلامي بالمأساة التي يعيشها العالم الإسلامي منذ عقود فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.فغزة قضية إنسانية تتجاوز جميع الحسابات السياسية، والمنافسات الإقليمية، والمخاوف الإيديولوجية، ويجب أن يُنظر إليها ويُتعامل معها على هذا الأساس. أما الصراعات الشخصية والخلافات الداخلية، فلن تزيد إلا من جرأة المحتل، كما يحدث بالفعل.

آمل أن تكون هذه الاجتماعات التشاورية التي يشارك فيها علماء بارزون ومعروفون على مستوى العالم، مصدرًا للخير، وأن يُنصت العالم الإسلامي والمسؤولون في بلداننا إلى القرارات التي ستصدر بآذان صاغية، وأن تُبذل كل الجهود الممكنة لتطبيقها.

شاركها.