علي أبو هميلة الجزيرة مباشر

غزة تستغيث وتستصرخ العالم أن يتدخل لإيقاف المذبحة والإبادة التي لا تنتهي؛ قذائف تأتي على حياة الجميع في كل مكان، والدفاع المدني يُقصف بالقنابل الأمريكية التي تقتل العشرات في كل لحظة، والعالم العربي والإسلامي صامت لا يتحرك.

يُقصف مستشفى ناصر ويسقط العشرات على الهواء مباشرة، والعالم الحر لا ينفعل ولا يستجيب لمن يصرخون في كل مكان. الجيش الصهيوني استهدف بالأمس فقط 5 إعلاميين استشهدوا، والهيئات الإعلامية العالمية والعربية والإسلامية تكتفي فقط بالتنديد والشجب. 245 إعلاميًا، والعدد في ازدياد من أهل غزة المحاصَرة بجيش نتنياهو، الإعلاميين الذين ينقلون جرائمهم على الهواء.

أهل غزة يرسلون نداءً لعلماء الأمة الإسلامية المجتمعين في إسطنبول في مؤتمر “غزة مسؤولية إسلامية وإنسانية” منذ الجمعة الماضية وحتى الجمعة القادمة، يستصرخونهم: «لا فائدة من المؤتمرات، الكلمات، الجلوس في المقاعد داخل القاعات. أخرجوا إلى الشوارع، هيا تعالوا معنا إلى غزة. فإن أنهار الدماء لا يوقفها البيانات ولا المؤتمرات». رسالة قاسية تنزف دمًا بدلًا من الدموع التي أصبحت بلا تأثير لدى الجميع، رسالة هي استمرار لصرخة الطفل الشهيد جوعًا في تركيا الأسبوع الماضي، صاحب صرخة: «أنا جوعان».

الآن يستعد عدد من نشطاء العالم للإبحار إلى غزة عبر البحر. أسطول كبير يتحرك في 31 أغسطس/آب الجاري من إسبانيا، وتتحرك سفن من تونس يوم الرابع من سبتمبر/أيلول القادم، ليتكون أسطول كبير يحمل اسم (أسطول الحرية) يتجمع فيه عشرات السفن حتى الآن ليصل شواطئ غزة خلال الشهر القادم.

يمر الأسطول عبر موانئ الدول على سواحل البحر المتوسط، إذن جاءت الفرصة للجميع؛ لمن يدّعون الألم على أطفال ونساء وشيوخ غزة، ومن يطلقون كلمات التأييد والمساندة. الكلمات مطلوبة، ولكنها لا تُسمن ولا تُغني من جوع أو عطش، ولا توقف جنون الصهاينة ورئيس وزرائهم نتنياهو، ولا أحلام ترامب في أخذ غزة.

الآن كما كان نداء أهل غزة لعلماء المسلمين في إسطنبول حان وقت التحرك: «إن تخليتم عن واجبكم اليوم فاعلموا أن دماء أبنائنا ستُكتب عليكم في ميزان التاريخ والآخرة». هذا النداء لا يُوجَّه فقط لعلماء الأمة وعليهم دور كبير في قيادتها، لكنه يُوجَّه لكل عربي ومسلم وإنسان في كل أنحاء العالم.

إذن لتكن رحلة أسطول الحرية فرصتكم جميعًا إلى شواطئ غزة. سيمر الأسطول على سواحل الدول من إسبانيا إلى لبنان وسوريا، ومن سواحل أوروبا إلى تركيا ومصر والجزائر وليبيا. إذا كانت قوات الاحتلال الصهيوني أوقفت محاولتين قبل ذلك لكسر الحصار عبر سفينتين، فهل تستطيع أن توقف عشرات أو مئات السفن؟ ليجعل العالم الحر وخاصة أبناء أمة العرب والمسلمين الفرصة قائمة للانطلاق من شواطئهم.

في تركيا أعلن نشطاء عبر وكالة الأناضول أن أسطول الصمود العالمي (أسطول الحرية) سينضم إليه الآلاف من أبناء تركيا، وهناك آلاف الأشخاص حول العالم تقدموا بطلبات للانضمام إلى الأسطول، وأن التحضيرات قد وصلت مراحلها النهائية. وقالوا إن وفد تركيا سيكون حاضرًا بقوة، فهل سيكون علماء الأمة والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حاضرين أيضًا مع الشباب وهؤلاء القادمين من أنحاء العالم؟

هذا الأسبوع حضرتُ أول مسيرة تضامنية بالمراكب في إسطنبول للمطالبة بوقف حرب الإبادة ومساندة غزة. استمرت المسيرة بين ميناء كركواي في إسطنبول وسواحل مضيق البوسفور ما يقارب الثلاث ساعات، شاركت فيها حوالي 14 سفينة كبيرة امتلأت بالمتضامنين من كل أحياء إسطنبول، وعشرات المراكب الصغيرة.

شارك من على ساحل البوسفور ما يقارب 3 آلاف من المتضامنين. الفكرة التي قدمها شباب حركة (افتحوا رفح) كانت نموذجًا صغيرًا من رحلة الأسطول المزمع القيام بها خلال أيام، وتلألأت أعلام فلسطين ولافتات المساندة وصور الشهداء على ضفاف البوسفور لأول مرة منذ بدء حرب الإبادة على غزة.

الأمة والإنسانية جمعاء أمام امتحان مستمر منذ 23 شهرًا لم تتوقف فيها دماء أهلنا في فلسطين. الجميع الآن لديهم فرصة ليضعوا العالم أمام ضميره الذي أعدمته حرب الكيان الصهيوني على غزة.

لم تعد المسألة فردية حتى يخشى أي منا على نفسه. كلما زادت أعداد السفن والمراكب أيًا كان حجمها كلما كان من الصعب على الكيان الصهيوني الإضرار بمن فيها. وفي مصر يقولون: «الدفا في الجماعة»، ويقول الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي: «الموت يبقى أهون لما نقابله صدفة». وقد علمتنا غزة عبر صور على مدار عامين أن كثيرًا من الأبناء والرفاق والمقاومين الصامدين استُشهدوا جماعة، فكان استشهادهم أهون عليهم، وإن كان بالتأكيد مريرًا علينا.

العالم العربي والإسلامي نخبته، علماؤه، شيوخه، شبابه لن يجدوا تبريرًا أمام ضمائرهم وإنسانيتهم حينما يتخاذلون عن المشاركة في الرحلة القادمة. لن يرحمنا التاريخ، وكفى ما كتبه عنا جميعًا، كفى أن يقول إننا أسوأ نسخة من العرب والمسلمين الذين شاهدوا أبناءهم ونساءهم يُذبحون على الهواء وبقوا صامتين متخاذلين. ولعل الله يستبدل بنا رجالًا كما في غزة، الشهادة أحب إليهم من الحياة. فالنصر لا يتأتى إلا بالتضحية، وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.

عن الكاتب


شاركها.