تنسجم كلمة كهرباء في معظم دول العالم مع النور والتكنولوجيا والإنتاجية، لكن دولاً بالمشرق العربي “نجحت” في إعطائها بُعداً آخر، حيث أمست تترافق مع الظلام الجزئي والفساد والهدر.

العراق، وسوريا، ولبنان هم روّاد هذه الدوامة المستمرة منذ سنوات، لكن اللافت ليس فقط أن النتيجة واحدة وهي “العتمة” -وإن تفاوتت مدد التقنين- بل تقارب ذهنية المعالجة بين هذه الدول القائمة على التخبُّط في محاولة إيجاد حلول، وتقديم الوعود المتسرعة، وعدم الإيفاء بمواعيد خطط العلاج. 

أما الاختلاف، فيتمثل في أسباب الأزمات الكهربائية لهذه الدول -الظاهر منها والباطن- وسيناريوهات المعالجة الآنية والاستراتيجية.. وهو ما تسلّط عليه الضوء “الشرق” من خلال هذا التقرير، الذي يستعرض بدايةً واقع الحال في كل دولة من هذه الدول، وما الذي أوصلها إليه، وما المشاريع القائمة، وقيد التخطيط للخروج إلى الضوء.

العراق

أول ما يتبادر إلى الذهن عند مقاربة ملف الكهرباء العراقي؛ كيف لدولة نفطية، لا بل من أكبر مُنتجي الوقود بالعالم، أن تعيش أزمة طاقة مستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود؟

يعاني ثاني أكبر مُنتج للنفط في منظمة الأقطار المصدرة للنفط “أوبك” من فجوة حادة بين إنتاج الكهرباء والطلب عليها، إذ يبلغ الإنتاج الحالي نحو 25 ألف ميغاواط، فيما يتراوح الطلب بين 48 ألف ميغاواط إلى 55 ألف ميغاواط في الذروة، ما يؤدي إلى انقطاعات متكررة، خاصةً في فصل الصيف. 

جذور المشكلة

أزمة العراق الكهربائية بدأت مع حرب الخليج الثانية عام 1991، حيث تمّ تدمير محطات الكهرباء بشكل كامل، ما أفقد البلاد أكثر من 70% من قدرتها التوليدية. وفاقم الوضع الحصار الاقتصادي، ومنع استيراد المعدات وقطع الغيار، ما جعل المنظومة تتدهور بشكل متزايد. لتبلغ الأزمة ذروتها خلال العقد الأول من القرن الحالي، الذي اتسم بفساد مالي وإداري “هائل” في عقود الكهرباء، بحسب مستشار سابق بوزارة الكهرباء العراقية لـ”الشرق” فضّل عدم الإفصاح عن هويته. وتلت ذلك سيطرة “داعش” على مناطق الموصل والأنبار وصلاح الدين بما فيها منشآت الطاقة التي تعرّضت لتخريب.

هذه العناصر المتراكمة، جعلت بغداد تعتمد بشكلٍ رئيسي على الغاز المستورد من إيران، إلى جانب كهرباء جاهزة منها، واستيراد إضافي من تركيا والأردن، بينما تترقب الربط الخليجي بدءاً من السعودية والذي بلغ مراحله النهائية.

عوامل التدهور

أسباب التدهور الكهربائي لدى بغداد تتنوّع بين خارجية، تتمثل في الانكشاف المفرط على طهران كمصدر وحيد للغاز، وتذبذب العلاقات مع تركيا بسبب نفط كردستان، وداخلية، تشمل نقص الوقود المحلي نتيجة استمرار حرق الغاز المصاحب وتأخر مشروعات معالجته، بالإضافة إلى التعرفة المنخفضة والضعف في الجباية. فضلاً عن تعرّض الشبكة إلى “فاقد” كبير، سواء لأسباب فنية أو سرقات، حيث أفاد وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب بمقابلة مع “الشرقية نيوز” مؤخراً أن الفساد في القطاع يكلّف العراق 10 مليارات دولار سنوياً.

وشهدت البلاد إطلاق العديد من الخطط لإصلاح الكهرباء، لكنها لم تصل إلى خواتيمها، بما في ذلك خارطة طريق “سيمنز” عام 2019 التي لم يُنفذ إلا جزء بسيط منها، إلى جانب حزمة مشاريع الغاز المصاحب والطاقة المتجددة التي أُعلن عنها تكراراً، وما زالت المباشرة بتنفيذها رهينة البيروقراطية.

لكن العامين الأخيرين شهدا توقيع اتفاقيات يُرتقب أن تحرّك عجلة القطاع هذه المرة، ومنها:

  • مشروع “توتال” الفرنسية لمعالجة 300 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز وإنتاج طاقة شمسية بنحو 1250 ميغاواط والمتوقع إنجازه بالكامل عام 2027.
  • توسعة شركة غاز البصرة لمشاريع معالجة الغاز
  • الربط الخليجي بقدرة 600 ميغاواط في 2026، ليُضاف إلى كل من الربط الأردني بقدرة 150 ميغاواط بنهاية العام الحالي والمستهدف وصوله إلى 500 ميغاواط.
  • والربط التركي القائم بقدرة 300 ميغاواط، والذي تمّت مضاعفته إلى 600 ميغاواط مؤخراً.

إلى أين؟

ما زالت معظم محطات الكهرباء العراقية تعتمد على الغاز المستورد، ومعظمه من إيران. هذا الارتباط جعل بغداد عُرضةً للضغوط الدولية لا سيما مع تبنّي الرئيس الأميركي دونالد ترمب سياسةً أكثر تشدّداً تجاه طهران، ومطالبة واشنطن بغداد بالتخلص من الاعتماد على الطاقة الإيرانية في أسرع وقت، ما دفع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للإعلان أن بلاده تسعى إلى “استقلال كامل عن الواردات الإيرانية من الطاقة بحلول عام 2028”.

لكن حتى حلول هذا الموعد، بدأ العراق سلسلة خطوات متفرقة، تمثل حلولاً جزئية، كإعلان وزارة الكهرباء العراقية، في 27 مايو 2025، عن آلية جديدة لاستيراد الغاز من تركمانستان بهدف تعويض النقص نتيجة تقلب الإمدادات الإيرانية.

وفي 20 أغسطس الحالي، وقّعت شركة “بي كيه بي إس” (BKPS) التابعة لـ”كار باور شيب” التركية، التي تدير أسطولاً من السفن العائمة التي تضم محطات لتوليد الكهرباء، عقداً لمدّة 71 يوماً كمرحلة أولى مع وزارة الكهرباء العراقية لإمداد المنطقة الجنوبية من البلاد بـ590 ميغاواط.

غير أن هذه الخطوات الخارجية “يجب أن تتزامن مع إجراءات داخلية، كتسريع إنتاج الغاز محلياً، وإصلاح نظام الجباية، وتحديث شبكات النقل والتوزيع، وترشيد الاستهلاك “، وفقاً للمستشار السابق بوزارة الكهرباء العراقية لـ”الشرق”. ملقياً الضوء على 3 سيناريوهات مستقبلية: “أولها، تحسن تدريجي بالتغذية مع استمرار العجز في الذروة، ومن ثم اكتمال مشاريع الغاز العراقية، والطاقة الشمسية، والربط الكهربائي الإقليمي، مترافقةً مع إصلاحات مالية وهيكلية، بما قد يقلّص العجز بشكل كبير بحلول 2027. وإلاّ العودة إلى نغمة تعثر المشاريع، وسط خفض الإمدادات الإيرانية، بما يؤدي لاستمرار العجز واللجوء لحلول طارئة ومكلفة”.

سوريا

قبل عام 2012، كانت سوريا تتفاخر بطاقتها الكهربائية الفائضة، حيث وصلت القدرة الإنتاجية لمحطاتها إلى 9500 ميغاواط، وكان التحدّي بالنسبة إليها البحث عن أسواق لتصدير هذا الفائض. لكن الحرب التي امتدت لأكثر من 14 عاماً، والعقوبات الدولية القاسية، تركت شبكة الكهرباء شبه مشلولة.

الاحتياجات الأساسية للبلاد اليوم تبلغ 6500 ميغاواط، بينما الإنتاج الفعلي حالياً لا يتجاوز 1500 ميغاواط، ما يستدعي قطع الكهرباء عن كافة المناطق السورية لمعظم ساعات اليوم، الأمر الذي لا يطال حياة المواطنين اليومية فقط، بما في ذلك الصحة والتعليم، بل يكبح عجلة القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها الصناعة.

تدهور المنظومة

عاشت سوريا أزمة كهرباء حادّة خلال السنوات الأخيرة للنظام السابق وحتى سقوطه، مع تراجع ساعات التغذية إلى ساعتين يومياً. وتعود الأزمة إلى الحرب الطويلة التي شهدتها البلاد، وتداعيات العقوبات الدولية، خاصةً قانون “قيصر”، التي أعاقت الحصول على الفيول الخاص بتوليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى خسارة الحكومة المركزية لحقول النفط والغاز في شمال شرق سوريا التي سيطرت عليها “قسد”.

أمّا الضربة القاصمة للقطاع، فالأضرار الجسيمة التي لحقت ببنية توليد الطاقة الكهربائية، نتيجة القصف والمعارك التي دارت داخل المحطات ومعامل الإنتاج وحولها، وأهمها المحطة الحرارية في حلب، ومحطة توليد التيم التي تعمل بغاز معمل كونيكو، ومحطة الزارة بحماة، والزربة بريف حلب. بالإضافة إلى تضرر خطوط الغاز في تدمر وريف دمشق، وكذلك شبكة نقل الكهرباء في غالبية المحافظات.

وقال عمر شقروق، وزير الكهرباء في أول حكومة انتقالية بعد سقوط نظام الأسد، خلال تصريحات في فبراير، إن “جزءاً كبيراً من محطات التوليد، وعددها في سوريا حوالي 50 محطة، تعرّض لأضرار جسيمة أدّت إلى خروج معظمها عن الخدمة، والقدرة الإنتاجية لمحطات التوليد العاملة حالياً والبالغ عددها 12 محطة حوالي 4000 ميغاواط، فيما لو توفّر الوقود اللازم لتشغيلها، بينما الاستطاعة حينها كانت بحدود 1300 ميغاواط، وحاجة البلد تقدر بـ6500 ميغاواط”.

وزاد الطين بلّة، تخفيض تركيا لمنسوب نهر الفرات من 500 متر مكعب في الثانية إلى أقل من 200، ما أدّى لانخفاض منسوب النهر، وانعكس بدوره على هبوط التوليد الكهربائي من سدي الفرات وتشرين إلى أدنى مستوى له منذ تأسيس السدين.

نتج عن ذلك نشوء منظومة كهربائية جديدة بفعل الأمر الواقع، مع اعتماد السكان على المولدات التي تعمل على الديزل بشكلٍ أساسي، أو ألواح الطاقة الشمسية التي انتشرت بكثافة على أسطح المباني لتعويض النقص في الكهرباء الحكومية.

بداية الغيث

مع سقوط نظام عائلة الأسد، وتشكيل حكومة جديدة، تمّ وضع قطاع الكهرباء على رأس الأولويات. الخطوة الأولى جاءت إجرائية عبر دمج وزارتي الكهرباء والنفط في وزارة واحدة. وتلاها وضع خطة تقوم على عدّة محاور داخلية وخارجية، وبدعم من متغيرين أساسيين: الدعم العربي لا سيما الخليجي وبشكل أخص السعودية وقطر، ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية.

للوصول إلى 24 ساعة تغذية مقارنة بنحو 5 ساعات يومياً حالياً، فإن العنصر الأول والأساس في الخطة زيادة الطاقة الإنتاجية المحلية، كما أوضح وزير الطاقة السوري محمد البشير في 9 أغسطس عند إعلانه عن التخطيط لتأسيس شركتين قابضتين للإشراف على قطاعي النفط والكهرباء.

ولفت إلى أن الطاقة الإنتاجية الاسمية وصلت حالياً إلى نحو 5 آلاف ميغاواط؛ بسبب تأهيل عدد من المحطات، ما يعادل “كل احتياجات سوريا من الكهرباء تقريباً”، لكن التوليد الفعلي لا يزال عند 1900 ميغاواط بسبب نقص الوقود.

لمعاجلة معضلة الوقود للمدى القصير، وحتى المتوسط، قبل استعادة إنتاج الغاز المحلّي لعافيته، تعوّل البلاد على خطوط النقل من جيرانها، لاسيما تركيا التي وصف البشير الخط القادم منها بأنه “شريان حيوي” حيث سيمرّ عبره 3.4 مليون متر مكعب من الغاز الأذربيجاني يومياً، بعد التوصل لاتفاق بين البلدان الثلاثة في 12 يوليو، بتمويل قطري، بما يتيح للبلاد توليد ما بين 700 إلى 900 ميغاواط من الكهرباء، ويرفع عملياً ساعات التغذية إلى ما بين 8 إلى 10 ساعات يومياً لحوالي 5 ملايين مواطن.

كما أكملت سوريا عملية تأهيل الخط مع الأردن، وتجري محادثات بشأن شراء الغاز وتغويزه بميناء العقبة في الأردن، وضخّه عبر هذا الخط، من دون إعطاء تفاصيل بشأن الكميات أو الأطراف التي يتم إجراء المحادثات معها.

وللطاقة المتجددة دورها

لن تقتصر عملية تحسين توليد الكهرباء على استيراد النفط والغاز، بل تخطط الوزارة أيضاً للاستعانة بالطاقات المتجددة، بحسب البشير، مُنوّهاً بدراساتٍ تبيّن وجود نشاط رياح قوي بأكثر من “كوريدور” في سوريا. مشيراً أيضاً إلى التوجه لاستغلال الطاقة الشمسية، إذ عرض على شركة “أكوا باور”، خلال زيارته السعودية، إنشاء محطات طاقة شمسية، بما يفتح فرصاً أمام إنشاء مزارع لإنتاج الطاقة. 

وفي مايو، وقّعت وزارة الطاقة السورية مذكرات تفاهم لإنعاش البنية التحتية لقطاع الكهرباء باستثمارات بقيمة 7 مليارات دولار مع عدد من الشركات العالمية، بما فيها “مجموعة UCC العالمية”، و”أورباكون” و”باور الدولية” و”جنكيز للطاقة”، و”كاليون للطاقة”. ستسهم هذه الاتفاقيات بتوليد 5 آلاف ميغاواط، كما أفاد وزير الطاقة على هامش مراسم توقيع مذكرات التفاهم.

كان خالد أبو دي، المدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، أوضح بمقابلة مع “الشرق” في يونيو، أن سوريا تحتاج إلى 5 سنوات و40 مليار دولار لحل مشكلة الكهرباء.. فهل تنجح بتأمين تلك الأموال؟ وهل يصبر السوريون كل هذه المدة؟

لبنان

هناك مقولة تسود الشارع اللبناني منذ مدّة؛ “انزعوا سلاح حزب الله وأعطونا كهرباء وخذوا ما يُدهش العالم”. هذه المساواة بين الشائكتين في ذهن شريحة كبيرة من اللبنانيين، تُشير إلى عُمق الأزمة الكهربائية التي تغلغلت في مفاصل بلاد الأرز الاقتصادية والاجتماعية منذ بداية الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، وبدل أن تُحلّ بعد مُضي 35 سنة على نهاية الحرب، فإنها تتفاقم عاماً بعد عام. 

عتمة الفساد

لا تؤمّن مؤسسة كهرباء لبنان حالياً سوى ثلث حاجة اللبنانيين بالحدّ الأقصى، ما يفرض تقنيناً حادّاً أصبح خبزاً يومياً يُضرب به المثل حول سوء إدارة المرافق الحيوية.

ببساطة شديدة “ما أوصلنا إلى ذلك هو التلكؤ في السنوات الماضية عن إنشاء معامل كهرباء حديثة على الغاز تستطيع أن تؤمن الحاجة المطلوبة من ساعات التغذية”؛ بحسب مستشار في وزارة الطاقة طلب عدم الإفصاح عن هويته. مضيفاً: “الأمر كان مرتبطاً بحسابات عدّة وبمصالح وزبائنية، وربما فساد ومحسوبيات وصفقات، كما أنه مرتبط بصراعات على مواقع النفوذ واستغلال السلطة”.

هذا الفساد كانت أكثر صفقاته وضوحاً عندما تقاسمت أحزاب معروفة “منافع” استئجار بواخر تركية لتوليد الكهرباء عام 2013 لمدة 8 سنوات مقابل 850 مليون دولار سنوياً، بينما استمرت أحزاب أُخرى بالسيطرة على عالم المولدات واستيراد المازوت اللازم لها.

لكن هذه الدوامة المظلمة كان لها ارتداد إيجابي عبر تطورٍ غير محسوب، تمثل في اعتماد اللبنانيين على الطاقة الشمسية، حتى أصبحت مرايا الألواح تغطي أسطح معظم المباني في المدن والقرى على حدٍّ سواء، لتولّد 1500 ميغاواط في صيف هذا العام، أي ما يفوق كامل إنتاج الدولة من الطاقة.

الانهيار باختصار

يفصّل غسان بيضون، مدير عام الاستثمار السابق بوزارة الطاقة والمياه والخبير بالمعهد اللبناني لدراسات السوق، مسيرة منظومة الكهرباء اللبنانية؛ “بدءاً من تسعينيات القرن الماضي عندما دخلنا بإعادة النهوض والإعمار مع رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري، حيث تمّ إنشاء معملين بقدرة 900 ميغاواط يعملان على الغاز وعلى الديزل، وتمّ تحسين الشبكات، وجرى تأمين كهرباء لمعظم المناطق لمدة 20 ساعة يومياً”. لكنه يَعتبر أن “هذا النهوض كان يجب أن يُستكمل بتنظيم قانون قطاع الكهرباء وتعيين هيئة ناظمة، ووضع خطة عملية لمواجهة تزايد الطلب على الطاقة مع النمو العمراني”.

ويتابع بيضون: “بين عامي 2005 و2008 حصلت أزمات متتالية، من استشهاد الرئيس الحريري، إلى حرب يوليو بين إسرائيل وحزب الله، فحكومات معطلة، وشغور رئاسي، حتى تكليف الرئيس سعد الحريري برئاسة الحكومة عام 2009، حيث جرى وضع خطة تهدف إلى توفير التيار الكهربائي على مدار ساعات اليوم خلال 3 سنوات، عبر زيادة الإنتاج إلى 5 آلاف ميغاواط من خلال برنامج استثماري بقيمة 6.5 مليار دولار تتشارك في تمويله الدولة مع القطاع الخاص”.

لكن الخطة لم تُنفّذ، وزاد استفحال الأزمة مع الانهيار الاقتصادي والمالي وتدهور الليرة في أكتوبر 2019. ومؤخراً الحرب الإسرائيلية التي دمرت مناطق واسعة في لبنان، لا سيما ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع.

ويقدّم مدير عام الاستثمار السابق بوزارة الطاقة صورةً قاتمة: “وزارة الطاقة حالياً غارقة بوحل الماضي، ولم تستطع حتى الآن تقديم بدائل أو خطوات إلى الأمام، فبقينا مكاننا، والكهرباء بين لحظة وأُخرى تقطع، ونعود من حين لآخر إلى العتمة الشاملة. ومؤسسة كهرباء لبنان لا أحد يعرف أين تُهدر أموالها”.

خطة جديدة.. هل تُنفذ؟

لكن مستشار وزارة الطاقة يُقدّم رؤية مغايرة، مشيراً إلى خطة الوزير جو صدي؛ “الذي أكد منذ اليوم الأول أنه سيعمل على حلول مستدامة، ولن يسير بخطوات ترقيعية”.

تقوم الخطة الجديدة على 3 محاور:

في طليعتها العمل على بناء معامل حديثة تعمل بالغاز، وكبيرة الحجم، تستطيع أن تؤمّن حاجة اللبنانيين لساعات التغذية. لكن ذلك يتطلب أموالاً، وهي غير متوفرة. وفي هذا الصدد، تركز الخطة على التوجه نحو نموذج “بناء، إدارة، نقل” (BOT)، حيث يخوض وزير الطاقة مفاوضات حالياً مع شركات عربية وعالمية للاستثمار بمعامل الكهرباء اللبنانية.

المحور الثاني مرتبط بالهدر التقني و”غير التقني”، حيث إن مؤسسة كهرباء لبنان لا تجبي سوى 60% من فاتورة الكهرباء، إذ هناك هدر 10% تقني وهو رقم مرتفع مقارنةً بالمعدلات الدولية، و30% غير تقني أي سرقة. وحضّ صدي مؤسسة كهرباء لبنان على وضع خطة عملية ومستدامة لمكافحة السرقة.

أما الثالث، فمتعلق بالطاقة النظيفة، خصوصاً الشمسية. ويلفت المستشار إلى أنه حين تسلّم صدي الوزارة كان هناك 11 رخصة مزارع شمسية أُعطيت من الحكومة السابقة عام 2022، ولم يتم العمل فيها، فاجتمع الوزير مع أصحاب هذه الرخص، وأعطاهم حتى نهاية العام للبدء جدياً بالعمل على المشاريع وإلا ستُسحب منهم.

3 سيناريوهات

بالإضافة إلى الخطط الخاصة بكل دولة، والتي تقوم بشكلٍ أساسي على إصلاح قطاع الكهرباء هيكلياً وفنياً ومالياً، وزيادة القدرات الإنتاجية، وضمان تدفق الوقود لاسيما الغاز، سواء داخلياً أم من الخارج، إلى جانب جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وخصخصة سلسلة الطاقة من الإنتاج إلى التوزيع، هناك عدد من السيناريوهات المستقبلية والحلول المحتملة التي تتشارك فيها الدول الثلاث.

أولها، تعزيز مشروعات الربط الكهربائي الإقليمي، مثل الربط مع مصر عبر الأردن. حيث كشف مسؤول مصري لـ”الشرق” أن بلاده تخطط لتصدير الكهرباء إلى العراق، وسوريا، ولبنان، عبر تمديد كابل بحري جديد مع الأردن بقدرة أولية 2000 ميغاواط، متوقعاً إنجاز المشروع عام 2029.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في التحول نحو الطاقة المتجددة، وبوتيرة أسرع، عبر تحفيز الاستثمار في مزارع الشمس والرياح. وتشير تقديرات بحثية إلى أن الطاقة النظيفة يمكن أن تتجاوز 70% من إنتاج الكهرباء في الدول العربية بحلول منتصف القرن، متقدمة على الوقود الأحفوري بين 2040 و2050، مع استحواذ الطاقة الشمسية على نصف الإمدادات. هذا المسار يعزز الاقتصاد الأخضر، يخفض الانبعاثات الكربونية، ويوفر استجابة مرنة للطلب المتزايد والنمو السكاني في المنطقة.

في المقابل، يبقى السيناريو الأكثر قسوة، وهو تعثر الإصلاحات واستمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية. هذا الاحتمال يعني استمرار النقص المزمن في التوليد وتردي الشبكات، ما يفرض على دول مثل العراق وسوريا ولبنان الاعتماد على المولدات الخاصة أو مواجهة انقطاعات متكررة. النتيجة المباشرة ستكون تفاقم التفاوت في الحصول على الكهرباء، زيادة الضغط الاجتماعي، وتهديد التنمية المستدامة، وإبطاء معدلات النمو الاقتصادي.. فأي من الدول الثلاث ستنجح بتجنُّب السيناريو الثالث قبل غيرها؟

هذا المحتوى من “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”.

شاركها.