د. أحمد بن علي العمري
شيء غريب وعجيب، كنَّا نتمنى ألّا نصل إلى هذا المستوى الوضيع الذي نراه يتحقق ويحدث أمام أعيننا، وهو أن يتناقر أو يتجادل أو يتشاجر أو يتضاد عبر الشاشات العربية وغيرها، وأمام الملأ، وعلى مسمع ومرأى من العالم، الفلسطيني مع الفلسطيني، واللبناني مع اللبناني، واليمني مع اليمني… إنِّه أمر مؤسف جدًا ومُخجل.
ليس لهذا الحد فحسب؛ بل أن يُفضِّل أحدهم إسرائيل، العدو اللدود والتاريخي والمزروعة في المنطقة، على ابن جلدته وابن وطنه…
ولا أريد أن أقول “رفاق وشركاء الكفاح”؛ لأنَّ القيم والمبادئ والتوجهات والمقاصد هنا تختلف، وحتى يجوز لي أن أقول “المصالح”…
وهنا يكمن مربط الفرس، والبوصلة التي تحدد الاتجاه، ومفترق الطرق، وأيضًا المنافع والمطامع؛ بل إننا نلاحظ في أغلب الأحيان أن يتدخل أعجمي مسلم، سواء كان إيرانيًا أو باكستانيًا أو إندونيسيًا أو حتى تركيًا، ليبيّن الواقع والحقيقة ويؤلف بين المتنازعين، فإذا بالكل يقف ضده، مُعاديًا ومُحاربًا ومضادًا، حتى المذيعين في القنوات العربية المختلفة ذاتهم، الذين يدخلون في الجدال وكأنَّهم حققوا منجزًا أو عثروا على غنيمة أو سبق صحفي مهم كما يقولون، وعادة ما يؤجّجون الموقف بدلًا من تهدئة الأمور.
لقد كانت، للأسف، القنوات العربية برمتها ومذيعوها محرضة أكثر مما تكون داعية إلى لملمة الصفوف وتوحيدها، والتوفيق والمصالحة والجمع والتعاضد بين الإخوة الفرقاء؛ فهل نحن بحاجة إلى المزيد من التشرذم والتفكك والتجزئة؟
ولا أريد أن أقول “المذلة والعار”، وإن كانت واقعة، للأسف الشديد والمؤلم، وقد وصل بنا الأمر إلى الاستقواء بالخارج والأعداء على بعضنا جهارًا وأمام أنظار العالم بلا حياء ولا كرامة، كما حصل في السويداء من قبل حكمت الهجري، الذي يستقوي بأمريكا وإسرائيل على وطنه، والذي لا يمثل الدروز في الوطن السوري المتحد… رفاق الثورة والوطن.
لقد أعلن نتنياهو بشكل مستفز وعدواني أمام العالم أجمع، بلا خجل ولا وجل، قائلًا: “أنا مستعد لفتح معبر رفح، ولكن مصر سوف تغلقه فورًا”، وقد ردت عليه مصر مُستهجنة ذلك التصريح.
فهل هذا ضعف منَّا؟ وأن مشكلتنا منَّا وفينا؟ أم ماذا؟!
ثم بعد أن كانت مصر تصدّر الغاز لإسرائيل، صارت تستورده منها من خلال الاتفاقية التي وُقّعت منذ أسابيع، وحاليًا إسرائيل تحاول استغلال هذه النقطة للضغط على مصر وليّ ذراعها.
ألا يوجد في الوطن العربي من يقدر أن يوفر الغاز لمصر، وربما بأسعار أفضل؟ ولنتذكر موقف الملك فيصل، رحمه الله، البترولي مع مصر.
فمتى نفيق من غينا؟
والغريب والعجيب في الأمر، وغير المنطقي وغير المعقول، أن نتنياهو، بكل غلو وغطرسة، يلمّح لإلغاء اتفاق السلام، وليس مصر، بعد كل ما حدث.
فماذا حلّ بنا يا قوم؟! هل تهنا في مجرّات الكون؟! وهل فقدنا الطريق؟! وهل ملنا عنوة عن الطريق المستقيم؟! لماذا لا نجلس مع بعض ونتصارح ونصفي قلوبنا بصراحة، ونمدّ أيدينا لبعضنا البعض، ويلتحم الفلسطيني مع الفلسطيني، واللبناني مع اللبناني، واليمني مع اليمني، شرط أن نضمن تمامًا عدم تدخل أي تأثير خارجي، من قريب أو بعيد، في الشأن الداخلي مهما كان تأثيره.
فلماذا لا تجلس السلطة الفلسطينية مع بقية الفصائل، وتحتويها وتضمها، وتتعامل معها بروح الفريق الواحد، دون مزايدة أو تفضيل لأحد على الآخر؟ وقد لاحظنا غلو اليمين الإسرائيلي بلا رادع ولا صادّ له.
تعتزم العديد من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في قمة الأمم المتحدة؛ فكيف يكون ذلك والسلطة الفلسطينية ممنوعة من دخول أمريكا؟
ثم أين تقيم هذه الدول سفاراتها، وإسرائيل تنوي احتلال الضفة الغربية بالكامل والاستيلاء عليها؟
وقد لاحظنا التحديات والمصاعب التي واجهتها السلطة مع بداية العام الدراسي لطلابها.
ولماذا لا تجلس الحكومة في لبنان مع حزب الله، وتجتمع مع كل الطوائف اللبنانية الكريمة، بروح الأخوّة والوطن الواحد، وليرموا بورقة باراك عرض الحائط (ولا يعتبروها خارطة طريق)، ويخطّوا منهاجهم ودليل دربهم بأنفسهم، دون أي تدخل خارجي؟
ولماذا لا تجلس حكومة عدن مع أنصار الله، ويتفقوا على سدّ الثغرات والخلل، ويمضوا في وحدة يمانية هادفة ومستقلة؟ وكما يقولون: “الحكمة يمانية”، وهم أصل العرب ومنبتهم، ولديهم وادي عبقر الذي يُنسب إليه الذكاء والدهاء والتعقل.
هذه مجرد ثلاثة نماذج أحببت أن أستعرضها، أما في الواقع فحدّث ولا حرج.
هناك النموذج السوداني والليبي والسوري والصومالي، والله يستر مما هو قادم.
حفظ الله بلاد العرب والمسلمين أجمعين من كل شر ومكروه.