اخبار تركيا
تناول مقال للكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، أزمة سياسية وقانونية عميقة داخل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، عقب قرار محكمة بإبطال نتائج مؤتمر فرعه في إسطنبول بسبب مخالفات إجرائية واتهامات بالفساد والرشوة.
وأشارت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إلى أن القرار أعاد الجناح الموالي لكمال كيليجدار أوغلو إلى مواقع القيادة في إسطنبول، وأثار مخاوف من تأثير مشابه على نتائج المؤتمر العام الذي أطاح بكيليجدار أوغلو لصالح أوزغور أوزيل.
وتستعرض الكاتبة تداعيات هذا الحكم على وحدة الحزب ومستقبله، في ظل تصاعد الاتهامات بتسييس القضاء، واستعداد كيليجدار أوغلو للعودة إلى رئاسة الحزب. كما تبرز التوتر المتزايد بين المعارضة والحكومة، وحالة الانقسام الداخلية التي تهدد مكانة الحزب التاريخية وموقعه في المشهد السياسي التركي.
وفيما يلي نص المقال:
قرار المحكمة الصادر بإبطال نتائج مؤتمر حزب الشعب الجمهوري بمحافظة إسطنبول المنعقد في 8 أبريل/ نيسان 2023، لوجود عدة مخالفات إجرائية شابت عملية الاقتراع، يؤسس لمرحلة توتر جديدة ستزيد من حدة التصعيد المستمر بين الحكومة وأكبر أحزاب المعارضة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من الانقسامات بين أجنحة الحزب المتنافسة على السلطة به.
الحكم المشار إليه قضى بإقالة رئيس الحزب بإسطنبول أوزغور جيليك، وعزل أعضاء أمانته العامة، وإبعاد 196 مندوباً عن مهامهم، ووقف كافة أشكال العمليات الجارية الة بالمؤتمرات الحزبية في إسطنبول كإجراء احترازي.
مستنداً إلى ادعاءات من جانب أعضاء من الحزب، وتحديداً الجناح المؤيد لرئيسه السابق كمال كيليجدار أوغلو، بوقوع خروقات إجرائية وقانونية، واتهامات بدفع رشاوى لعدد من مندوبي البلديات للتأثير على عملية التصويت وما تفرزه من نتائج.
كما أصدرت المحكمة قراراً يقضي بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل المؤتمر الانتخابي الأخير المطعون في نتائجه، فتقرر إعادة غورسيل تكين لمنصبه كرئيس للحزب بإسطنبول، يعاونه أعضاء المجلس المنتخبون السابقون زكي شين، أركان نارساب، حسن باباجان، ومجدات غوربوز المحسوبون على كيليجدار أوغلو إلى مواقعهم لتسيير شؤون الحزب بالمحافظة لحين إجراء انتخابات أخرى.
ورغم أن القرار الصادر هو حكم درجة أولى، ولا تزال هناك مراحل التقاضي المعروفة من طعن واستئناف وغيرها، وارتباطه بصورة مباشرة بالأمانة العامة للحزب بمحافظة إسطنبول ومؤتمرها الانتخابي فقط؛ إلا أن ما حمله من أحكام اعتُبرت ذات أهمية قصوى لقيادات حزب الشعب الجمهوري، باعتبارها مؤشراً لما يمكن أن تترشح عنه دعوى أخرى مماثلة تنظرها محكمة أنقرة، التي من المقرر أن تصدر قرارها في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري.
خطورة المسألة تكمن في أن الدعوى المنظورة أمام محكمة أنقرة تستهدف إلغاء النتائج التي نتجت عن المؤتمر العام للحزب، الذي انعقد في العام نفسه، وتمت فيه إزاحة كيليجدار أوغلو عن رئاسة الحزب، وإحلال أوزغور أوزيل محله، بدعم من الجناح الموالي لأكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، المعتقل حالياً على ذمة قضايا فساد مالي وإداري.
فإذا ما سارت الدعوى في نفس مسار سابقتها فإن احتمالية أن يُعاد تكرار السيناريو نفسه تصبح أمراً طبيعياً ومنتظراً، في ظل التشكيك في شرعية قيادة الحزب الحالية، إذا ما تيقنت هيئة المحكمة من حدوث خروقات قانونية وتلقي بعض المندوبين رشاوى للتأثير في عملية التصويت، وما يترتب على ذلك من نتائج نهائية.
مما يهدد استمرارية أوزغور أوزيل على رأس السلطة كرئيس للحزب، ويطيح بالجناح المؤيد له، وينذر بإمكانية عودة كمال كيليجدار أوغلو إلى منصبه رئيساً للحزب مجدداً مع مساندة أعضاء من الحرس القديم الموالي له في إدارة شؤون الحزب، كما حدث مع كل من جيليك وتكين تماماً.
لذا سارع أوزغور أوزيل بالتشكيك في قرار المحكمة، معتبراً إياه “باطلاً سياسياً وقانونياً”، وأنه لن يعترف به، مؤكداً أن القضاء أصبح مسيّساً ويستخدم لتصفية حسابات الحكومة مع المعارضين لها، وأن حزبه لن يستسلم. مشيراً إلى أن شهر سبتمبر/ أيلول يعتبر شهر المحاكمات لحزبه، إذ ستنظر المحاكم في الـ 18 منه دعوى قضائية ضدهم من أصل 30.
ودعماً لموقف حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس على الساحة، خرجت العديد من التصريحات الحزبية المنددة بقرار المحكمة، واصفة إياه بأنه “محاولة سياسية لتصفية أكبر أحزاب المعارضة بهدف إضعافه وإزاحته عن المنافسة على السلطة في البلاد، تم تغليفها بغطاء قانوني”، متهمين الحكومة بالسعي لتصدير صورة سيئة للرأي العام عن المعارضة الملاحقة قضائياً والعاجزة تنظيمياً.
مدللين على صحة وجهة نظرهم بحملات الاعتقال التي طالت عدداً من رؤساء البلديات المنتخبين، منهم 15 رئيس بلدية من حزب الشعب الجمهوري وحده.
ورداً على ادعاءات المعارضة، أكد عمر جليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم أن المحكمة أعادت تعيين إدارة حزب الشعب الجمهوري السابقة، ولم تعيّن وصياً كما يردد البعض، وأن القرار جاء بصفة إجراء احترازي منعاً لحدوث أية انتهاكات قانونية. أما الحديث عن محاولة تصفية أحزاب المعارضة فلا صحة له على الإطلاق، فتركيا دولة ديمقراطية، يحكمها الدستور والقانون، ولديها قضاء مستقل لا يجوز الطعن في نزاهته تحت أي ظرف.
كمال كيليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق الذي اختفى عن المشهد السياسي منذ الإطاحة به، رافضاً التعليق على الأحداث التي مر بها الحزب خلال الفترة الماضية، عاد مرة أخرى للإدلاء بتصريحات من شأنها زيادة حدة الاحتقان وتوسيع هوة الخلاف داخل الحزب.
إذ أعلن وللمرة الأولى منذ استبعاده عن استعداده التام للعودة لقيادة الحزب وتولي رئاسته، منتقداً التصريحات التي خرجت من بعض قياداته مشككة في قدرته على قيادة الحزب مرة أخرى، متسائلاً: “كيف أمكنهم التصريح بأنني لا أستطيع رئاسة الحزب؟ إلى ماذا يهدفون بمثل هذه الأحاديث؟ لقد توليت رئاسة الحزب على مدى 13 عاماً كاملة، وبإمكاني قيادته لفترة مماثلة إذا ما ارتأت القاعدة الشعبية للحزب هذا”.
مؤكداً أنه في حال اقتضت الظروف عودته فإنه لن يقبل أن يترك حزبه لتعصف به الأهواء، وأنه سيتولى المسؤولية كاملة، وسيقود الحزب بنفس الأسلوب الذي اتبعه على مدى السنوات الثلاث عشرة التي ترأسه فيها.
محذراً من مغبة ترك الحزب دون زعامة منتخبة، لأن هذا من شأنه إفساح المجال أمام تدخلات خارجية في قيادته، مؤكداً: “إذا صدر قرار نهائي من المحكمة ببطلان الانتخابات فلن أرفضه. لن أقبل أن يتم تفتيت الحزب، أو تحويله إلى كيانات متعددة لخدمة مصالح خاصة لأشخاص بعينهم على حساب وحدة الحزب واستمراريته على الساحة السياسية”. متحدياً من أعلنوا استعدادهم للتصدي لعودته ومنعه من دخول الحزب.
حالة الانقسام شديدة الخطورة التي يعانيها حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية واحتدام المنافسة بين أجنحته المتصارعة على السلطة به، وتصاعد التهديدات بين أجنحته المختلفة، وما يعانيه من ملاحقات أمنية ودعاوى قضائية، والتشكيك في سلوكيات العديد من قياداته التي تواجه اتهامات بالفساد والرشوة واستغلال المنصب والتنصت على الآخرين.
أمور وضعت الحزب في موقف لا يُحسد عليه أمام قاعدته الشعبية، ما من شأنه أن يضعف مكانته ويهز عرش استمراره وسبب وجوده، الذي طالما احتمى به على مدى مئة عام هي عمر وجوده على الساحة السياسية في البلاد، بصفته الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، ووضع ميثاقه، وجعله حامي مبادئه والحارس الأمين على علمانية جمهوريته.