قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الخميس، إن استهداف إسرائيل لقطر يضع النظام الدولي أمام “اختبار حقيقي”، ويكشف نوايا تل أبيب لـ”إجهاض” جهود السلام بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكداً أن الدوحة “تحتفظ بحقها المشروع في الرد بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي”.

وأعرب رئيس مجلس الوزراء القطري، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، عن شكره “على الاستجابة العاجلة من قبل الرئاسة وأعضاء المجلس لطلبنا عقد هذه الجلسة الطارئة، وخصوصاً الجزائر والصومال وباكستان وفرنسا وبريطانيا، التي طلبت عقدها نيابة عن دولة قطر”.

وأضاف: “نقدر ونثمن جهودكم وأعضاء المجلس وصولاً إلى اعتماد البيان الصحافي اليوم. ونقدّر التضامن مع دولة قطر الذي أبداه أعضاء المجلس في بياناتهم في هذه الجلسة بعد الهجوم الإسرائيلي الغادر في الدوحة”.

“تصعيد بالغ الخطورة”

وأشار إلى أن الجلسة تأتي على “إثر تصعيد بالغ الخطورة، يعد تهديداً للسلم والأمن الإقليميين، ومن ثم فهو يقع في صميم ولاية المجلس، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، حيث استهدف هجوم إسرائيلي غادر أحد المقرات السكنية المخصصة من قبل الدولة لسكن الوفود التفاوضية، ضمن سلسلة الوساطات المتعددة التي تقوم بها بلادي”.

وأوضح أن هذه المباني “يقيم فيها أعضاء وموظفو الوفد التفاوضي لحركة حماس وعائلاتهم، بشكل علني ومعروف لكل المعنيين بالوساطة، بل وللإعلاميين والدبلوماسيين الذين عقدوا لقاءات مع أعضاء الوفد فيه”.

وأكد رئيس الوزراء، أنه “بعد مباشرة الجهات الأمنية إجراءات الاستدلال الفني، والتحقق من هويات الأشخاص الذين أصيبوا بالقصف الإسرائيلي، تبيّن أنه أدى إلى سقوط عدد من الضحايا”.

وأردف: “كان من بين الضحايا الشهيد المواطن القطري الوكيل عريف بدر سعد محمد الحميدي الدوسري، الذي كان يبلغ من العمر 22 عاماً، والذي استشهد أثناء أدائه الواجب، إضافة إلى إصابة عدد من المدنيين، منتسبي الأمن الداخلي القطري، المناط بهم حماية المجمع، بإصابات تتفاوت من متوسطة إلى بليغة، وجميعهم يتلقون الرعاية الطبية حالياً”.

ولفت إلى “تواصل إجراءات الاستدلال وجمع المعلومات والتعرف على باقي المفقودين في الموقع”، مبيناً أن الهجوم تسبب في “ترويع الآمنين، من المدنيين والأطفال، في حي سكني مليء بالمدارس ودور الحضانة والبعثات الدبلوماسية”.

“قيادة إسرائيل متعطشة للدماء”

وأكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن، أن “ما حدث يمثل انتهاكاً سافراً لسيادة دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، قامت به قيادة متطرفة، بعيدة كل البعد عن سلوك الدول المتحضرة المؤمنة بالسلام”.

وأوضح أن “انتهاك سيادة دولة تبذل جهوداً حثيثة من أجل وقف إطلاق النار وإنقاذ الأرواح، يضع النظام الدولي برمته أمام اختبار حقيقي”، مؤكداً أن “إسرائيل، بقيادة المتطرفين المتعطشين للدماء، تجاوزت جميع الحدود التي تفرضها الأعراف والقوانين الدولية، بل حتى أبسط الأصول الأخلاقية في التعامل ليس مع الدول، بل حتى بين البشر. ولم يعد ممكناً التنبؤ بما يمكن أن تفعله”.

وتساءل: “كيف يزورنا مسؤولون إسرائيليون للتفاوض، ونستضيفهم على أرضنا، وقياداتهم تخطط لقصفها بعد أيام، ويقصفونها فعلاً؟”.

وتابع: “هل سمعتم عن دولة تهاجم دولة الوساطة بالطائرات الحربية المقاتلة، وتعمل خلال العملية التفاوضية على تصفية أعضاء الوفود التي تفاوضها في مقر اجتماعاتهم؟ ومن ثم يخرج رئيس وزرائها بتبريرات مشينة، ومقارنات مغلوطة، يحاول فيها شرعنة فعلته التي أدانها العالم أجمع”.

وذكّر رئيس الوزراء القطري بنموذج (حركة) طالبان، التي كان لها مكتب سياسي في الدوحة كقناة للتواصل مع العالم، مضيفاً أن هذه القناة أثمرت عن التوصل إلى اتفاق إحلال السلام في أفغانستان، الذي أفضى إلى إنهاء الحرب بعد عقود مريرة”. وأوضح أن “أميركا لم تقدم على استهداف مفاوضيها على مر السنين، بل على العكس، شهد العالم نجاح بلادي بالشراكة مع الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترمب، في إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة في العام 2020”.

وأكد أن “هذا هو نهجنا الذي يستهدفه رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، والذي يحاول تشويهه عبر تبريرات رخيصة للتكسب العاطفي”.

“الإفلات من العقاب”

وشدد الشيخ محمد بن عبد الرحمن، على أن “هذه الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي، وهذه التصرفات التي لا تعرف الأصول في التعامل بين البشر، لا تثبت إلا شيئا واحداً: وهو أن قادة إسرائيل الحاليون مصابون بالغرور وسكرة القوة، لأنهم ضمنوا الإفلات من العقاب والمساءلة”.

ونوه إلى أنه “فضلاً عن الإبادة الجماعية في غزة، والكارثة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع، والتي لم يتخذ المجتمع الدولي حيالها إجراءً رادعاً، ها هي أياديهم المخربة، تطال دولاً ذات سيادة، وتعبث بأمن المنطقة بلا حسيب أو رقيب”.

وذكر أن “الغطرسة وصلت حد المجاهرة ليس فقط بأوهام إعادة تشكيل المنطقة بالقوة، بل أيضاً بدوافع غيبية وأفكار أصولية تحرك متطرفي الحكومة الإسرائيلية الحالية، كما يقولون علانية لجماهيرهم، ظناً منهم أن أحداً لا يسمع ما يقولونه سوى حشودهم”، مؤكداً أن “دول المنطقة وشعوبها، لا يمكن أن تقبل بهذا السلوك والخطاب المرافق له”.

وأعرب رئيس الوزراء القطري، عن إيمان بلاده “الكامل بالوساطة وحل الصراعات بالطرق السلمية، ويحظى هذا الدور بتقدير إقليمي وعالمي”.

ومضى قائلاً: “أكدت تجربتنا أن الوساطة القطرية بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة وما حققته من نتائج ملموسة في الإفراج عن 148 من المحتجزين الإسرائيليين والأجانب والمئات من الأسرى الفلسطينيين، وإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، حيث تستخدم إسرائيل التجويع سلاحاً، تشكل بارقة أمل نادرة في هذا النزاع الدامي”.

وأضاف أن “الاعتداء على أرضنا خلال انشغالنا بالوساطة، كشف بوضوح عن نوايا إسرائيلية مبيّتة لإجهاض أي مسعى نحو السلام، وإطالة أمد المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرض لحجم من المعاناة تعجز الكلمات عن وصفه”.

تحرير المحتجزين ليس أولوية لإسرائيل

ولفت الشيخ محمد بن عبد الرحمن، إلى أن الاعتداء “يكشف أن المتطرفين الذين يحكمون إسرائيل اليوم، لا يأبهون بحياة المحتجزين، وأن تحريرهم ليس أولوية لديهم، وإلا فكيف يفسر اختيار توقيت ومكان الهجوم، في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تعقد، لمناقشة وقف إطلاق النار وفق المقترح الأميركي الأخير”.

وبيّن أن “الوفد التفاوضي لحركة حماس اجتمع لمناقشة الرد على الورقة الأميركية، فقصفت إسرائيل هذا الاجتماع”.

وتابع: “أقف أمامكم اليوم مطالباً مجلسكم، بتحمل مسؤوليته التاريخية. فالصمت أمام فرض شريعة الغاب، واستهداف دولة ذات سيادة في وضح النهار، يُقوض قواعد العمل الدولي، ويهدد مستقبل أي عملية سلام في منطقتنا”.

وشدد رئيس الوزراء، على أن “استمرار هذه الاعتداءات لا يستهدف قطر وحدها، بل هو تهديد صريح، باستهداف كل دولة تعمل على إحلال السلام، بما يزعزع الثقة بالمنظومة الأممية ذاتها”.

وأكد أن قطر “ستواصل دورها الإنساني والدبلوماسي دون تردد، أينما كان هذا الدور طريقاً نحو حقن الدماء”، لكنها في الوقت نفسه “لن تتهاون إزاء أي مس بسيادتها وأمنها، وتحتفظ بحقها المشروع في الرد، عبر الوسائل التي يكفلها القانون الدولي”.

وقال إن قطر من “دعاة السلام لا دعاة حرب، وقد اخترنا السلام منهجاً، ولن يردعنا عنه دعاة الحرب والدمار”.

ومضى قائلاً: “نضع أمام مجلسكم الموقر هذه الحقائق، ونذكركم وإن كان معرض حديثنا عن الهجوم على دولة قطر، بأننا اليوم نناقش اعتداءً على كل المساعي الدبلوماسية للوصول إلى الحلول السلمية”.

واعتبر أن “الطريق الوحيد للسلام يمر عبر المفاوضات، ويبدأ بوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين والأسرى، والدخول غير المشروط للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة ورفع الحصار عنه”.

وشدد على ضرورة “ألا نستسلم لغطرسة المتطرفين، وأن نستمر في السعي نحو سلام دائم عنوانه حل الدولتين من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على ترابها الوطني وفق قرارات الشرعية الدولية. دولتان وشعبان متعايشان بسلام ولن يتحقق ذلك إلا من خلال شركاء يؤمنون بهذه المبادئ”.

شاركها.