تشهد الساحة السودانية حالة من الترقب الممزوج بالقلق، إذ تتداخل ملامح التصعيد العسكري مع مؤشرات سياسية قد تمهد لتسوية مرتقبة، فبينما حدّت ظروف فصل الخريف من وتيرة المواجهات البرية، تتكثف الاستعدادات الميدانية تمهيداً لجولة جديدة من المعارك.
تصريحات عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للجيش السوداني الفريق أول شمس الدين كباشي، أكدت دخول أسلحة نوعية جديدة لدعم العمليات في إقليم كردفان، وصولاً إلى فك الحصار عن مدينة الفاشر.
وقال كباشي إن العمليات العسكرية لن تتوقف إلا باستسلام قوات الدعم السريع. في المقابل، استعرضت الأخيرة جاهزيتها عبر عرض عسكري في مدينة نيالا، بالتزامن مع أداء “حكومة تأسيس” الجديدة القسم.
ويبدأ الخريف في أغلب مناطق السودان خلال شهر يونيو، وتشتد الأمطار في شهري يوليو وأغسطس، ويصل فيها الموسم إلى ذروته.
ميزان القوى الميداني
اللواء أمين إسماعيل مجذوب، الخبير العسكري والقائد السابق للفرقة السادسة مشاة بالفاشر، قال لـ”الشرق” إن المعركة الحالية تختلف عن المواجهات البرية التقليدية، إذ يعتمد الجيش على سلاح الجو لتدمير دفاعات الدعم السريع وتهيئة الطريق للتقدم البري.
وأشار مجذوب إلى أن ميزان القوى يميل حالياً لصالح الجيش بفضل امتلاكه الطيران المقاتل وقوة بشرية كبيرة، في مقابل فقدان الدعم السريع جزءاً كبيراً من عناصره الأساسية وتنامي الخلافات الداخلية في صفوفه.
ومع انحسار الخريف، توقع مجذوب تصاعد المعارك بعنف، خصوصاً مع محاولات الدعم السريع “الاعتماد على الطائرات المسيرة لضرب المواقع الاستراتيجية وبث الرعب بين السكان العائدين”.
الدعم السريع وتحالفاته
من جانبه، قال علي جاد الله، عضو تحالف تأسيس ورئيس تحالف القوى الشعبية، في تصريحات لـ”الشرق” أن قوات الدعم السريع تحقق تقدماً ملموساً في كردفان، مسيطرةً على مناطق مثل النهود والخوي وأم صميمة، ما يتيح لها حصار مدينة الأبيض الاستراتيجية، التي تشكل عقدة ربط بين وسط السودان وغربه وجنوبه.
وأضاف جاد الله أن فصل الخريف أعاق العمليات العسكرية في كردفان، لكنه رجّح أن “سيناريو الحسم العسكري سيكون الأقرب لحل الصراع”.
كما أشار إلى أن قوات حكومة “الوحدة والسلام/تأسيس” الموازية، والتي تضم الدعم السريع، قد تفرض سيطرتها الكاملة على جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو ما يضعف موقع الحكومة المركزية في بورتسودان إذا ما أُحكمت السيطرة على الحدود مع إثيوبيا وجنوب السودان.
كردفان.. ساحة فاصلة ومعبر نحو دارفور
المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “التيار”، عثمان ميرغني، أوضح لـ”الشرق” أن كردفان الكبرى تحولت إلى ساحة رئيسية للمعارك، لكونها المنطقة الفاصلة بين ولايات الوسط ودارفور، حيث يسعى الجيش لفك الحصار عن الفاشر واستعادة مدن رئيسية مثل نيالا.
ويرى ميرغني أن الجيش تمكن مؤخراً من تعديل استراتيجيته الميدانية وتحقيق نتائج ملموسة، ما يعزز فرصه لعبور الحاجز بين كردفان ودارفور سريعاً عقب انتهاء موسم الأمطار.
واعتبر أن السيطرة على مدينة “الدبيبات” في جنوب كردفان ستكون مفتاحاً للتقدم غرباً.
التسوية السياسية
على الصعيد السياسي، تبرز الجهود الدولية كعامل مؤثر في المشهد، فالمحاولات التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية، وربما إمكانية العودة إلى منبر سويسرا، قد تشكل فرصة لإحياء مسار التسوية.
لكن ميرغني حذر من أن “هذه الجهود تقف عند مفترق طرق حاسم: إما أن تقود الأطراف السودانية إلى سلام يوقف نزيف الحرب، أو أن تفضي إلى انهيار الأمل الأخير في التسوية، ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة، أبرزها تفكك السودان واحتمال فصل دارفور في ظل احتمالات اعتراف خارجي”.