في زيارة تاريخية تُعد الثانية من نوعها، يحل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضيفاً على المملكة المتحدة، الثلاثاء المقبل، في توقيت يُعتبر “الأسوأ سياسياً” لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي يواجه واحدة من أصعب اللحظات في ولايته القصيرة، بحسب “بلومبرغ”.
ويجد ستارمر نفسه اليوم في مواجهة اتهامات لم يكن يتوقعها، إذ يشير البعض إلى أن حكومة حزب العمال الحالية لا تقل صخباً عن سابقاتها، وذلك بعد انتخابه في يوليو الماضي، على وعد بإعادة “الهدوء” إلى الساحة السياسية التي عانت لسنوات من الفوضى والفضائح في عهد المحافظين.
واعتبرت “بلومبرغ” أن توقيت زيارة الرئيس الأميركي للمملكة المتحدة حساس للغاية بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني، إذ يأتي بعد أيام قليلة من إقالته لسفير بلاده لدى واشنطن، بيتر ماندلسون، إثر تحقيق أجرته “بلومبرغ” كشف أن علاقته برجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، المتهم في قضايا الاتجار الجنسي، كانت أعمق وأطول مما كان معروفاً سابقاً.
وأشار مصدر حكومي بريطاني إلى أن احتمالية عقد مؤتمر صحافي مشترك بين ترمب وستارمر “تسبب لهم كوابيس”، خشية أن تهيمن أسئلة الصحافيين بشأن قضية إبستين على اللقاء.
ويصل ترمب إلى المملكة المتحدة في ظل أزمات سياسية مستمرة، إذ شهدت الحكومة البريطانية استقالتين بارزتين خلال أسبوع واحد فقط، وهما ماندلسون ونائبة رئيس الوزراء السابقة أنجيلا راينر، التي أُقيلت على خلفية فضيحة ضريبية.
وأثارت هذه الاستقالات المتتالية تساؤلات جدية بشأن قدرة ستارمر على اتخاذ قرارات حكومية حكيمة، ودفع بعضها المراقبين إلى التكهن بإمكانية مواجهته تحديات قيادية، بعد أقل من 14 شهراً في السلطة.
وقالت “بلومبرغ” إن زيارة ترمب لا تقدم راحة لرئيس الوزراء، بل تعزز شعوراً متزايداً بين نواب حزب العمال ومساعديهم بأن مقر رئاسة الحكومة في “10 داونينج ستريت” يعيش في وضعية “البقاء”، ويكافح من أجل تجاوز كل أسبوع بأمان.
ونقلت الوكالة عن عدد من نواب حزب العمال ومساعديهم، الذين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، قولهم إن أجواء الإحباط داخل الحزب تزداد، مشبهين أداء حكومة ستارمر بالأيام الأخيرة لحكم المحافظين، لكن بعد 14 شهراً فقط من توليه المسؤولية وليس 14 عاماً.
وقال أحدهم: “الأمور وصلت إلى حالة سيئة للغاية، لدرجة أن هناك محاولات لإنقاذ ستارمر بدأت بالفعل داخل مقر رئاسة الوزراء”.
وأشار كيران بيدلي، من مؤسسة استطلاعات الرأي Ipsos، إلى أن “مستوى الثقة الشعبي في قدرة حزب العمال على إدارة البلاد بكفاءة وجدية لا يختلف كثيراً عن تقييمات حكومة المحافظين السابقة”.
وأضاف أن هذه الأرقام تأتي وسط توتر داخلي في حزب العمال بشأن منصب نائب الزعيم، وبالتزامن مع سلسلة من الإقالات والاستقالات التي قد تعزز الانطباع بوجود تراجع في الأداء أو أزمة داخل الحكومة.
وحذر عدد من النواب من احتمال حدوث مزيد من التمردات داخل البرلمان، خاصة إذا حاول ستارمر تقليص ميزانية الرعاية الاجتماعية الحكومية، وهي خطوة قد تثير قلق المستثمرين في السندات الذين أعربوا بالفعل عن تخوفهم من وتيرة الإنفاق العام.
إقالة ماندلسون.. أزمة مُلِحة
وأشارت “بلومبرغ” إلى أن إقالة ماندلسون تمثل أزمة مُلِحة لمكتب رئيس الوزراء، خاصة بعد أن كان ستارمر قد أعرب أمام البرلمان عن “ثقته الكاملة” في مبعوثه إلى واشنطن، مؤكداً دوره المحوري في “واحدة من أهم علاقات المملكة المتحدة الدولية”. لكن بعد يوم واحد فقط من ذلك، وظهور أكثر من 100 رسالة إلكترونية بين ماندلسون وإبستين، تمت إقالته.
ولفتت إلى أن الحكومة البريطانية شعرت بالإحباط من ما اعتبرته عدم صراحة ماندلسون معها بشأن طبيعة علاقته بإبستين عند تعيينه، إضافة إلى تأخره في تزويدها بتفاصيل رسائل البريد الإلكتروني التي كانت “بلومبرغ” على وشك نشرها.
وأشارت إلى أن ماندلسون غاضب من تخلي ستارمر عنه، فيما حذر بعض المطلعين على الشأن الداخلي لحزب العمال من أن التهديد الحقيقي لمنصب ستارمر قد يأتي من حلفاء رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ومن بينهم ماندلسون، الذين قد يدعمون وزير الصحة ويس ستريتنج كخليفة محتمل.
وعلى الرغم من كل التكهنات والاحتقان الداخلي، ترى “بلومبرغ” أنه لا يبدو أن هناك تحدياً وشيكاً لمنصب ستارمر، على الأقل ليس قبل الانتخابات المحلية المقبلة في مايو المقبل.
وكان حلفاء رئيس الوزراء البريطاني قد كرروا دعواتهم لمنحه مزيداً من الوقت لتنفيذ أجندته، مشيرين إلى أن التسريبات الإعلامية تخدم خصومه، لا سيما زعيم حزب “إصلاح المملكة المتحدة” الشعبوي نايجل فراج، الذي بات يُنظر إليه كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة.
وبينما يأمل ستارمر أن تسمح له زيارة ترمب بإبعاد الأنظار مؤقتاً عن مشكلاته الداخلية، تشير التوقعات إلى أن جدول زيارة الرئيس الأميركي لن يخلو من التوترات.
وأوضحت “بلومبرغ” أن لقاءات ترمب غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر السياسية، ففي يونيو الماضي، أسقط الرئيس الأميركي وثيقة تتعلق بالعلاقات التجارية مع بريطانيا، مما اضطر ستارمر إلى الانحناء لالتقاطها، في مشهد أثار موجة من السخرية داخل المملكة المتحدة.
كما يستعد مساعدو رئيس الوزراء البريطاني لاحتمال أن يدلي ترمب بتصريحات مثيرة للجدل بشأن قضايا حساسة مثل حرية التعبير، في أعقاب الجدل الذي أُثير بعد توقيف أحد الممثلين الكوميديين بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ملف الهجرة، الذي حذر الرئيس الأميركي خلال زيارته إلى اسكتلندا الصيف الماضي من أنه “يدمر أوروبا”.
ومع ذلك، يبقى ملف إبستين هو الأكثر حساسية، إذ يدرك فريق ستارمر أن مؤتمراً صحافياً تُهيمن عليه قضية لا يرغب ترمب في التطرق إليها قد يعكر صفو مزاجه ويُفسد الزيارة الرسمية، التي كان يُنظر إليها باعتبارها انتصاراً دبلوماسياً لكل من رئيس الوزراء وماندلسون عندما عُرضت عليه في المكتب البيضاوي في وقت سابق من هذا العام.
وأشارت “بلومبرغ” إلى أن ستارمر، قبل أن يخوض معركة جديدة من أجل مستقبله السياسي، يواجه ما أصبح أمراً مألوفاً بالنسبة له، وهو كيفية تجاوز الأسبوع المقبل بأمان.