– مارينا مرهج

رغم التحديات المركبة التي يمر بها الاقتصاد السوري منذ أكثر من عقد، لا يزال ملف دعم الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات يشكل أحد المفاتيح الأساسية للخروج من حالة الانكماش وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري، في ظل التراجع الكبير في البنية الإنتاجية، وارتفاع تكاليف الطاقة والنقل، إلى جانب استمرار العقوبات الاقتصادية على سوريا، وتعثر طرق التصدير، مما جعل مسألة حماية المنتج الوطني وتطوير قدرته التنافسية أولوية قصوى.

تبرز هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات كلاعب محوري يعوَّل عليه في إعادة صياغة منظومة الدعم وتوجيهها بما يخدم استراتيجية التنمية الاقتصادية الأوسع.

دور هذه الهيئة مرتبط بقدرتها على تفعيل برامج الدعم، وآلياتها في التعامل مع طلبات المصدّرين، ومدى قدرتها على تخفيف الأعباء الداخلية والخارجية التي يواجهها المنتج السوري.

وبين التطلعات المستقبلية والواقع القائم، تتحول مهام الهيئة إلى اختبار حقيقي لجدوى السياسات الاقتصادية الجديدة، وإمكانية تحويل الشعارات التنموية إلى أدوات عملية تسهم في إعادة الاعتبار للإنتاج المحلي كقاعدة للنهوض الاقتصادي.

برامج دعم طويلة الأمد ومرحلية

عملت الهيئة خلال السنوات الماضية على إطلاق برامج دعم مختلفة، أبرزها برنامج “حوافز التصدير” الذي يهدف إلى تحسين كفاءة المنتج السوري المعدّ للتصدير، وزيادة تنافسيته عبر تخفيض تكاليف الإنتاج من خلال تحمل جزء من النفقات كفواتير الكهرباء واشتراكات التأمينات الاجتماعية، كما جرى تطبيق برامج دعم مرحلية تستهدف منتجات بعينها ولمدد محددة، مثل برنامج دعم شحن البندورة والخيار لعام 2022، أو دعم الإنتاج الصناعي الموجه للتصدير.

وفي حديث إلى، كشف مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، فراس غفير، أنه تتم حاليًا دراسة وتحضير برامج دعم جديدة لتقديم الدعم للمصدّرين، إلا أنه لم يتم اعتماد أي برنامج بشكل رسمي حتى الآن.

ولفت غفير إلى أن الهيئة تواصل دراسة طلبات الدعم المقدّمة خلال عام 2024 ضمن برنامج حوافز التصدير، تمهيدًا لصرفها بعد موافقة الجهات الوصائية، وهو ما يعكس استمرار الدور التنفيذي للهيئة في تقديم حوافز مادية مباشرة للمصدّرين.

واقع المنتج السوري المحلي

تتعدد عوامل تقييم المنتج السوري المحلي بحسب المنتج نفسه، إلا أنه ما زال يتمتع بسمعة جيدة ضمن الأسواق التقليدية للصادرات السورية وخاصة المنتجات الزراعية السورية، والصناعات الغذائية.

ولفت مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، فراس غفير، إلى أن هناك تراجعًا لمنتجات وسلع كالصناعات النسيجية والألبسة الجاهزة، نتيجة تأثرها بعوامل مختلفة كتراجع إنتاج القطن وتضرر المعامل.

وتعد الأسواق العربية الوجهة الأساسية للصادرات السورية، باعتبارها أسواقًا تقليدية لها، وتتمتع فيها بمزايا تنافسية جيدة ترتبط بالبعد التاريخي والثقافي، وأشار غفير إلى أن الهيئة ستسعى للعودة للأسواق العالمية وخاصة الأوروبية، والتي تمت خسارتها خلال المرحلة السابقة، خاصة بعد رفع العقوبات الدولية التي فرضت في عهد نظام الأسد.

ويرى الخبير الاقتصادي فادي عياش، أن الاقتصاد السوري عانى خلال السنوات الأخيرة الماضية من الركود التضخمي الجامح، فقد كانت سمة الاقتصاد حينها “احتكار القلة”، ما أثر على الإنتاج المحلي سلبًا وأضعف من قدرته التنافسية محليًا وخارجيًا.

المشهد الاقتصادي تغير عقب سقوط نظام الأسد، وفق عياش، فقد تم إلغاء كثير من القيود التي كانت مفروضة على القطع الأجنبي والاستيراد والتسعير وحركة السلع والخدمات، ما أتاح الفرصة لتدفق السلع التركية المنافسة من الشمال السوري وزيادة المستوردات، ولا سيما ذات البدائل المحلية.

في حين توقف الإنتاج المحلي تقريبًا بسبب أعباء حوامل الطاقة، والارتباك الناجم عن تحسن قيمة الليرة الاسمي (وإن كان لأسباب غير اقتصادية)، وبالتالي الخوف من الخسارة الرأسمالية.

 تحديات داخلية وخارجية

يواجه المصدّرون السوريون مجموعة من الصعوبات التي تؤثر سلبًا على قدرتهم التنافسية واستمرارية نشاطهم التصديري، والذي لخصها فراس غفير بالآتي:

  • تحديات داخلية: ضعف البنية التحتية اللازمة لعمليات النقل والشحن، بما في ذلك الطرق والمرافئ والمطارات، وقدم أسطول النقل البري، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن الجوي، مما يحد من إمكانية تصدير المنتجات ذات الطبيعة الحساسة أو السريعة التلف.
  • تحديات خارجية: تعوق العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا عمليات التحويل المالي والتعاملات البنكية المرتبطة بالتصدير، كما أن التأخير في المعابر الحدودية، لا سيما معبر “نصيب”، يؤدي إلى تلف البضائع وزيادة التكاليف التشغيلية، وأيضًا المنافسة الشديدة للمنتجات السورية في الأسواق الخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن مقارنة بدول أخرى.

وترفض بعض الدول استقبال وسائل النقل القديمة، مثل البرادات المصنعة قبل عام 2004، مما يشكل تحديًا لأسطول النقل السوري.

ميزان تجاري خاسر

يعاني الميزان التجاري السوري عجزًا كبيرًا لمصلحة الواردات على حساب الصادرات التي تراجعت بشكل حاد منذ عدة سنوات لعدة عوامل أهمها:

  • تضرر القاعدة الإنتاجية، وبالتالي انخفاض القدرة التصديرية.
  • العقوبات الدولية التي ما زال معظمها ساري المفعول.
  • فتح باب الاستيراد ورفع القيود عنه، ما أدى إلى إغراق السوق المحلية ببضائع عبر الحدود (التركية واللبنانية)، وزيادة الضغط على الصناعات الوطنية.
  • معظم الصادرات السورية هي مواد أولية ومنتجات زراعية غير مصنعة وذات قيمة مضافة بسيطة، بينما معظم الواردات هي سلع مصنعة مثل السيارات وأجهزة الاتصال وغيرها.

حلول وتوصيات

لكي يتمكن المنتج المحلي من المنافسة داخل السوق السورية في مواجهة السلع المستوردة، قال الخبير الاقتصادي فادي عياش، إن على الدولة السورية تأمين متطلبات المنافسة الحرة والعادلة للإنتاج المحلي بين المنتجين المحليين من جهة، وبينهم وبين السلع المستوردة من جهة ثانية.

وهذا يستوجب تطبيق مفاهيم “الحماية الذكية” من قبل الحكومة، واعتماد استراتيجيات الميزة التنافسية لتعزيز القدرة التنافسية من قبل الشركات السورية، للتأقلم مع مفاهيم اقتصاد السوق الحر، والانفتاح الاقتصادي، وضمان استمرار الإنتاج المحلي وزيادة الإنتاجية والجودة، وزيادة تنافسية الإنتاج المحلي في الأسواق المحلية والخارجية.

ونوه عياش إلى أن المنافسة لا تقتضي المواجهة دومًا، بل قد تكون أساليب المنافسة من خلال تطبيق استراتيجيات النمو والتوسع والتعاون الدولي، كأساليب الترخيص والامتياز والمشروعات المشتركة، أي اعتماد تقنيات التضافر والمواكبة، عوضًا عن المواجهة، وهي ما يُعرف اقتصاديًا بنظرية “الحوت والسمكة”.

وتتعدد أشكال الحماية لتتناسب مع طبيعة المنتج المحمي، من عوائق جمركية، ودعم صادرات، وترويج دولي، ومزايا وإعفاءات ضريبية، وتسهيلات ائتمانية وتمويلية، وتيسير إجراءات، وجميعها يمكن تطبيقها، وفق عياش، بشكل تدريجي، متزايد أو متناقص، أو كشرائح بحسب الغاية والنتائج الفعلية المحققة.

وأكد عياش ضرورة اعتماد مفهوم “منافسة الدولة” للنفاذ إلى الأسواق الدولية، أي أن تتبنى الحكومة مجموعة حوافز تصديرية على مستوى تكاليف الإنتاج والجودة والتصدير لتمكين المنتج السوري من المنافسة في الأسواق الخارجية، خاصة المنتجات التي تتمتع بمزايا تنافسية وذات أولوية كالمنتجات الغذائية والكيماوية والنسيجية والألبسة.

كما أن على الدولة تطبيق مفهوم “العلامة التجارية الجغرافية”، ولا سيما للمنتجات التي نمتلك فيها مزايا تنافسية مطلقة أو مزايا نسبية عالية، كبعض المنتجات الزراعية (الكزبرة والكمون وحبة البركة والكرز والرمان وزيت الزيتون والفستق الحلبي والنباتات العطرية والطبية)، بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني مثل الخراف والماعز السوري وما ينتج عنها، والحلويات السورية، والصناعات الحرفية والتراثية التي تمتاز بمواصفات خاصة بحكم طبيعة الجغرافيا والثقافة السورية.

يبقى دعم الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات خطوة أساسية لإعادة التوازن إلى الاقتصاد السوري، لكن نجاح هذه الخطوة مرهون بقدرة الدولة على توفير بيئة منافسة عادلة، وتوجيه الدعم نحو القطاعات ذات الميزة التنافسية، بما يحول الدعم من إجراء مرحلي إلى أداة حقيقية للنهوض الاقتصادي.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.