علي بن عبدالحسين اللواتي

 

جاءتني دعوة “كريمة” في شهر رمضان “الكريم” بأنني قد رُشحت لأكون عضوًا في لجنة “ما”. وكم كان سروري كبيرًا أن أحصل على هذا “الإنجاز” الجديد… وبعد موافقتنا “الكريمة” على قبول الدعوة، جاءني كتاب “كريم” من الجهة المعنية يضم أغلب التفاصيل حول هذه اللجنة وعملها. والغريب أن هذه اللجنة أيضًا كانت “كريمة” بعدد أعضائها الذي بلغ حوالي 20 عضوًا.

ومع كل هذا “الكرم والتكريم”، بدأنا بحماس كبير للاجتماع الأول. وكعادة كل اجتماع، يتم تقديم كل عضو بنفسه، وكان من الملاحظ أن جل الأعضاء يقدمون أنفسهم بأنهم عضو في لجنة (ألف)، وعضو في لجنة (ب)، وعضو في لجنة (جيم)، وعضو في لجنة (دال)… وهكذا. فوقع في خلدي أن أبحث عن شاغر لي بين هذه الأحرف الأبجدية!

وفي فترة الاستراحة، سألت عن مغزى هذا العدد الكبير من الأعضاء، فكان الجواب: “لازم نرضي جميع الأطراف”. عمومًا، كان هذا الاجتماع هو الأول والأخير بكامل أعضائه، ثم تقلص الحضور في الدعوات اللاحقة إلى أن تلاشت اللجنة ولم يُعرف لها مصير. وبالتالي، فإن المواضيع التي كانت متعلقة باللجنة تبخرت مع إطلالة عيد الأضحى المبارك.

والغريب أن هذه اللجان هي لجان ولادة، تتكاثر أسرع من نسبة نمو السكان (2%)، فتنتج لجانًا فرعية، وكلها تناقش مواضيع مهمة، ولكن لا يُعرف بعد ذلك مصير هذه النقاشات، وغالبًا ما تكون نفس المواضيع مكررة والنتائج مكررة، ولكنها موزعة بين غرف متعددة في أروقة الفنادق والمكاتب المختلفة.

ولأنَّ هذه اللجان تحتاج إلى التنسيق ومتابعة وكتابة المحاضر، فهذه وظيفة متكاملة الأركان من جهة. ومن جهة أخرى، العضو المنشغل بعدة لجان يحتاج إلى مساعدين له لترتيب جدول أعماله والرد على منسق اللجنة، بالإضافة إلى جهد جهيد للاطلاع على جوانب معرفية متعددة للإدلاء برأيه في المواضيع المختلفة.

لذلك نلاحظ في اجتماعات هذه اللجان ذات الأعضاء الكثيرين أنها تستهلك وقتا طويلاً، لأن كل عضو قد بذل جهدًا كبيرًا في التفكير والاطلاع ودراسة المواضيع، فلا بد أن يدلي بدلوه في النقاش. فإن تحدث كل عضو لعشر دقائق فقط، فإنَّ الجلسة ستطول إلى ساعتين على أقل تقدير، يتبع ذلك بوفيه “الكرماء”.

ولا شك أنَّ التنسيق بين الأطراف عمل ضروري، لكن العمل المؤسسي الحديث لا يعتمد على الحشود الكبيرة في اللجان، بل على فرق عمل صغيرة ومرنة، تضم ثلاثة أو أربعة أشخاص يمتلكون المهارة والمعرفة، يجتمعون لفترة محددة بجدول عمل واضح، وينهون مهمتهم بنتائج قابلة للتنفيذ. عندها فقط يمكن ضمان إنتاجية حقيقية ونتائج قابلة للقياس وكلما دعت الحاجة للتنسيق مع جهة معينة أُضيف فرد وتنتهي مسؤوليته بانتهاء الغرض.

إنَّ تشكيل اللجان ليس غاية بحد ذاته؛ بل وسيلة لتحقيق هدف. وإلا فستظل اللجان دورة حياة مفرغة: وُلِدَت لـ”تُرضي”، وعاشت لتجتمع، وماتت دون أن يعرف أحد ما الذي أنجبته!

شاركها.