اخبار تركيا

تناول مقال للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، في صحيفة يني شفق، الهجوم الإسرائيلي على الدوحة باعتباره محطة مفصلية تكشف زيف التحالفات الأميركية ـ الخليجية، وتُظهر أن الولايات المتحدة ليست حاميًا بل شريكًا مباشرًا في العدوان.

يحلّل الكاتب انعكاسات هذه الضربة على النظام الإقليمي، حيث وجدت الدول الإسلامية نفسها أمام مفترق طرق بين الاكتفاء ببيانات الشجب أو الانتقال إلى بناء قوة ردع فعلية. ويرى أن قمة منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية لم ترتقِ إلى مستوى التحدي.

ويوضح أقطاي أن الرد الأكثر فاعلية يجب أن يتجاوز الاعتراف الشكلي بالدولة الفلسطينية ليصل إلى تبنّي حماس كمقاومة وطنية شرعية، في مواجهة إسرائيل التي ترتكب إبادة جماعية بدعم أميركي مباشر. وفيما يلي نص المقال:

إن استهداف إسرائيل الصهيونية الإرهابية، التي ترتكب إبادة جماعية، لوفد حماس في قطر، أثناء مناقشة مقترحات وقف إطلاق النار الأمريكية، يمثل مرحلة جديدة من عدوانها، وينذر بحدوث صدمة كبرى في التوازنات الإقليمية. وتأتي هذه الصدمة بمثابة إنذار وتحذير لدول الخليج بشأن أسس الأمن والشرعية التي تعتمد عليها.

لقد أوضح هذا الهجوم جليًا أن القوة العظمى التي اعتبروها حليفًا، بل وحاميًا لم تكن تُوفر لهم الحماية، بل كانت هي نفسها مصدر التهديد. ولا يصدق عاقل أن الهجوم الإسرائيلي على قطر تم دون علم الولايات المتحدة. رغم أن قطر تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة، ووفد حماس لم يكن موجودًا في الدوحة لتحدي الولايات المتحدة.

الدول الإسلامية عند مفترق طرق

على الرغم من ذلك، فإن صمت الولايات المتحدة إزاء العدوان الإسرائيلي لا يعني أنها مجرد لعبة في يد إسرائيل، بل العكس هو الصحيح في العلاقة بينهما. وفي هذه الحالة، يمكن فهم تجاهل الولايات المتحدة للهجوم الإسرائيلي، في أفضل الأحوال، على أنه طريقة لإبلاغ الأطراف المعنية بحدود هيمنتها الجديدة في المنطقة. وكما أكد الضابط الأمريكي المتقاعد سكوت ريتر مرارًا، وذكّر بذلك مجددًا بعد الهجوم على قطر، فإن الولايات المتحدة ليس لها حلفاء: “أي شخص يكون حليفاً لنا ليس حليفًا حقًا، لأننا سنخونه، وقد فعلنا ذلك في الماضي… عندما تعقد اتفاقًا مع الولايات المتحدة، فإنها تستخدمك كأداة، نحن لسنا أصدقاء لأحد”.

هذه العبارات تعبّر بأقصى درجات الواقعية عما تفهمه الولايات المتحدة من الصداقة والتحالف والقوة. فالمسار التاريخي لعلاقات الولايات المتحدة مع حلفائها حتى الآن حافلٌ بالأمثلة التي تُؤكد صحة هذه الكلمات. فالولايات المتحدة تشعر بين الحين والآخر بالحاجة إلى تذكير شركائها بمستوى الغطرسة الذي تبني عليه علاقاتها. فهي لا تسعى إلى الفضيلة أو الخير أو الوفاء. إنها تعتبر العلاقة ببساطة علاقة هرمية بين سيد وتابع. أما الذين يبرمون معها التحالفات فتختلف تطلعاتهم وأحلامهم، ولكن من يُبالي بها؟

وحتى إسرائيل، التي يتراجع التأييد لها يومًا بعد يوم لدى الرأي العام الأمريكي، لا تدين لها الولايات المتحدة بأي وفاء. ولذلك، يجب أن تُوجّه الانتقادات أو المطالبات بفرض عقوبات على إسرائيل مباشرة إلى الولايات المتحدة. فإذا كان العدوان الأخير على قطر بمثابة اختبار للحدود، فإنّ ردّ الدول المستهدفة سيكشف مدى استعدادها للقبول بموقعها الحالي في هذه المعادلة أو السعي إلى التحرر منها. وكما عبّر الكاتب الفلسطيني سعيد الحاج ببراعة في مقال له على موقع الجزيرة نت: “إما أن يتحوّل هذا العدوان الصارخ إلى فرصة لوقف المجازر في غزة والعدوان في المنطقة، أو أن يزداد نتنياهو وحكومته جرأة على التدخل أكثر في المنطقة”.

من سيوقف إسرائيل إن لم توقفوها أنتم؟

لقد بدت ملامح “الفرصة” تتشكل بالفعل عندما عقدت منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية قمة مشتركة إثر الهجوم على قطر. فقد أعلنت جميع الدول الإسلامية والعربية أنها تعتبر الهجوم على قطر هجومًا عليها، وأعربت عن تضامنها معها. وأبدت هذه الدول وعيًا متزايدًا بأن الهجوم على قطر هو في الواقع نذير لسلسلة من الهجمات التي ستستهدفهم أيضًا.

وقد صرح الرئيس أردوغان بأن “العالم الإسلامي يمتلك القدرة على إحباط أطماع إسرائيل التوسعية”، وقدّم هذه المرة مقترحات ملموسة للمساهمة في تحرك مشترك محتمل:

“لدينا من الإمكانيات ما يمكننا من إيقاف إسرائيل، ولذا بات من الضروري أن نحقق الاكتفاء الذاتي في مجالات حيوية، وعلى رأسها الصناعات الدفاعية الرادعة وتطويرها. ونحن على استعداد لمشاركة خبراتنا وقدراتنا معكم إخوتي الأعزاء، علينا أن نكثف تعاوننا في هذه المجالات من أجل أن نضمن مستقبل أجيالنا.

لقد انتقد جميع القادة إسرائيل بأشد العبارات، ونددوا بها، وأدانوها. ولكن، لم تخرج القمة بنتائج مختلفة عن الاجتماعات السابقة. فبينما كانت قمة منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية منعقدة في الدوحة، شنت إسرائيل هجومًا بريًا على غزة، وارتكبت مجزرة في الساعات الأولى، أسفرت عن مقتل أكثر من 50 طفلاً وامرأة ومدنيًا، ودمرت عشرات المباني، مستمرةً في تحدّيها السافر للعالم الإسلامي.

إن لغة وموقف قمة منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية لم يكونا رادعين على الإطلاق. فهذه اللغة تعكس قبل كل شيء انعدامًا واضحًا للثقة بالنفس، وضعف الإيمان بالقدرة، وشعورا بالدونية. فمن هو المخاطَب بهذه العبارات: “يجب إيقاف إسرائيل” و”على أحدهم إيقاف إسرائيل” و”يجب على المجتمع الدولي أن يفرض العقوبات اللازمة على إسرائيل” و”يجب التدخل بفعالية ضد إسرائيل”؟ حتى لو صدرت آلاف البيانات وعُقدت ملايين الاجتماعات بهذه العبارات، فلن يردع ذلك أحدً. هل يصعب فهم ذلك!؟

ولو انطلقت المواقف من تصريح أردوغان: “لدينا من الإمكانيات ما يمكننا من إيقاف إسرائيل”، وأصبح لدى منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية القليل من الإيمان بقوتها، لما احتاجت الأمة إلى مناشدة أحد لوقف إسرائيل، بل ستكون قادرة على ردعها مباشرة.

إذا توحَّدت الدول الإسلامية ضد الولايات المتحدة، فإن مافي أيديها من أوراق ضغط وإمكانات هائلة تفوق الحد في مواجهة أمريكا صاحبة الكلب الإسرائيلي

وينبغي أن يكون المخاطَب المباشر في هذا السياق هو الولايات المتحدة الأمريكية. يمكن القول بصراحة لأمريكا: «اسحبي كلبك المسعور من المنطقة، فنحن نعلم أنه بدون دعمك لا يستطيع هذا الكلب حتى أن ينبح» ربما لم يكن بالإمكان توجيه هذه الرسالة بشكل فردي، لكن حين تتضافر الدول الإسلامية في موقف جماعي موحّد، فإن هذا يعكس جدية الموقف ويمنحه ثقلًا سياسيًا حقيقيًا.

إن تقديم بيان القمة الختامي لمسألة اعتراف العالم المتزايد بالدولة الفلسطينية، كنتيجة للتضامن مع فلسطين ضد العدوان الإسرائيلي، وكأنه إنجاز لدول القمة، هو أمر مجحف ولا مبرر له. فلابد من التأكيد بدايةً أن هذا الإنجاز هو ثمرة التضحية الجسيمة التي قدّمها شعب غزة، والذي استطاع من خلال معاناته أن يروي قضيته للعالم أجمع. فالدول الإسلامية لم تقم حتى الآن بأي فعل حقيقي وجاد تجاه فلسطين. وفوق ذلك، فإن الاعتراف بدولة فلسطين في سياق موازين القوى والعقوبات ليس له أي تأثير ملموس على إسرائيل أساسًا.

وفي هذه المرحلة، هناك خطوة أكثر فعالية وبساطة يمكن اتخاذها: بما أن إسرائيل قد هاجمت وفد حماس المفاوض وهددت العالم الإسلامي كله بنفس الهجوم الذي نفذته على قطر، فإن أفضل رد مباشر ليس الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل الاعتراف بحماس كقوة مقاومة وطنية، تمامًا كما وصفها أردوغان.

فالقوة الوحيدة اليوم التي تقف في وجه هذا الكيان المعتدي المسعور الذي يتحدى العالم الإسلامي علانيةً وبوقاحة، ويعلن العداء له من على خط المواجهة، هي حركة حماس.

وبالتالي، فإن تبني حركة حماس، والإعلان عن فتح الأبواب لها، سيكونان الرد الأمثل على إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة.

فلم يعد لدى إسرائيل القاتلة التي ترتكب الإبادة الجماعية، ولا لدى الولايات المتحدة المحرضة على جرائمها، أي شرعية أخلاقية لاتهام حماس أو أي جهة أخرى بالإرهاب. فحماس تخوض نضالاً تضحي فيه بنفسها لإنقاذ شرف جميع المسلمين.

إن دعمها اليوم هو خطوة أكثر فعالية وصوابًا بكثير من مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما أنّه سيبعث رسالة واضحة بأن العالم الإسلامي يرفض الإهانة العلنية التي يتعرض لها.

شاركها.