اخبار تركيا
استعرض مقال للكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، التحوّل السياسي الذي جسّدته القمة الاستثنائية المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية في الدوحة، بوصفها علامة فارقة في الموقف العربي والإسلامي من إسرائيل والولايات المتحدة.
يرى قشلاقجي في مقاله بصحيفة القدس العربي أن القمة لم تكن مجرد اجتماع دبلوماسي، بل حملت رسالة غضب جماعي ورفض للهيمنة الأمريكية وللعدوان الإسرائيلي، مع إبراز توجه نحو دفاع مشترك وبناء هيكل أمني مستقل.
ومع ذلك، يشير الكاتب إلى التناقضات القائمة، مثل استمرار التعاون الدفاعي مع واشنطن، ويتساءل عما إذا كانت هذه اللحظة ستتحول إلى استراتيجية دائمة أم ستبقى في حدود البيانات الرمزية. وفيما يلي نص المقال:
لن تكون القمة الاستثنائية المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية في الدوحة، مجرد لقاء دبلوماسي عابر في سجلات تاريخ المنطقة. فانعقادها لم يأتِ فقط بسبب الهجوم الإسرائيلي على قطر، بل مثّل أيضا إعلانا واضحا عن وصول الدول العربية والإسلامية إلى عتبة مهمة، ورفعها شعار “لقد طفح الكيل” أمام السياسات الإسرائيلية.
لطالما اعتمدت هذه الأنظمة على ضمانات الولايات المتحدة، وتغاضت عن تصرفات إسرائيل المتعجرفة، وسعت إلى تهدئة غضب شعوبها بعبارات دبلوماسية، لكن هذه المرة ظهر مشهد مختلف. نعم، لا تزال البيانات تحتوي على كلمات كبيرة، لكن ما بين السطور هناك روح جديدة: الدفاع المشترك، واستراتيجية طويلة الأمد، وانعدام الثقة بإسرائيل والولايات المتحدة. هذه هي القضية الجوهرية!
الرسالة التي وجهتها القمة كانت واضحة: القدس وفلسطين لم تعودا مجرد قضية عربية؛ بل أصبحتا قضية مركزية، تشتعل من جديد في قلب الأمة الإسلامية. الشعوب كانت تعرف الوجه الحقيقي لإسرائيل منذ زمن، لكن الآن أصبح السياسيون في وضع لا يمكنهم فيه الإنكار. سقط القناع عن دور الولايات المتحدة كـ”وسيط”، وانعدمت الثقة بواشنطن تماما. حلم “إسرائيل الكبرى” جمع العرب والمسلمين لأول مرة بهذا الشكل القوي. لكن، ما مدى واقعية القرارات التي اتُخذت في الدوحة؟ في الحقيقة، البيان الختامي كان أقرب إلى “تحذير سياسي”.
تفعيل آليات الدفاع الخليجية، وعقد مجلس دفاع مشترك؛ نعم، هذه خطوات مهمة، لكنها لم تُترجم بعد إلى إجراءات عملية ملموسة. أما الاتفاقية المعززة للتعاون الدفاعي بين قطر والولايات المتحدة، فهي تمثل مفارقة أخرى بحد ذاتها.. فمن جهة هناك تصاعد في التضامن العربي، ومن جهة أخرى واشنطن تعزز دورها في المنطقة أكثر فأكثر. ومع ذلك، يجب عدم التقليل من شأن هذه القمة. لأن المسألة لا تتعلق فقط بالقرارات العسكرية، بل بالتحول الذي حدث في الأذهان. لم يعد بإمكان أحد أن يُسوِّق لإسرائيل على أنها “طرف يريد السلام”. ولم يعد بإمكان أحد أن يُقنع الناس بأن أمريكا “قوة توازن”. قمة الدوحة نسفت هذه الأوهام بالكامل.
ويجب أن نقول أيضا؛ إذا اقتصرت الوحدة هذه على موقف رمزي فقط، فسيعود كل شيء إلى سابق عهده بعد بضعة أشهر. لكن إذا تم فعلا إنشاء هيكل دفاعي مشترك، وإذا تم كسر التبعية الاقتصادية والسياسية، فستُذكر الدوحة مستقبلا على أنها “وستفاليا الثانية” للشرق الأوسط. أما إن لم يحدث ذلك، فستبقى هذه القمة، كغيرها من القمم التاريخية، مجرد بضع جمل حادة وخطابات دبلوماسية لا أكثر. ولا شك في أن الحقيقة التي خرجت من قمة الدوحة هي؛ أن الشعوب لم تعد تريد أن تمنح لا لإسرائيل ولا لأمريكا أي فرصة. وعلى الساسة أن يسمعوا هذا الصوت. والسؤال الآن: هل سيحوّل القادة هذا الغضب إلى قوة دائمة، أم سنكتفي مجددا ببيانات تبقى حبرا على ورق؟