أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب مكالمة هاتفية، الجمعة، مع نظيره الصيني شي جين بينج، إذ اتفق الطرفان على أن المحادثات كانت “جيدة وبناءة”، وذلك في أعقاب “اتفاق إطاري” بين البلدين جاء خلال محادثات اقتصادية وتجارية في مدريد، الأسبوع الماضي.

وذكر الرئيس الأميركي أنه تناول خلال الاتصال مع شي، عدة ملفات من بينها إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والعلاقات التجارية بين البلدين، وأزمة مخدر “الفنتانيل”، معرباً عن امتنانه لموافقة الصين على صفقة “تيك توك”.

وقال ترمب إنه سيزور الصين، مطلع العام المقبل، على أن يزور نظيره الصيني الولايات المتحدة في وقت مناسب لاحقاً.

ترمب لشي: أراك في قمة “أبيك”

ووصفت وزارة الخارجية الصينية الاتصال بين الزعيمين بـ”الإيجابي والبنّاء”، إذ أكد شي أن المحادثات الأخيرة في مدريد “جسدت روح المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة”.

وشدد شي، خلال الاتصال، على ضرورة امتناع الولايات المتحدة عن اتخاذ إجراءات تجارية أحادية الجانب قد تقوض ما تم تحقيقه عبر جولات متعددة من المشاورات، داعياً إلى توفير بيئة أعمال منفتحة، وعادلة للشركات الصينية في أميركا.

بدوره، وصف ترمب الاتصال في منشور عبر منصة “تروث سوشال”، الاتصال بأنه “مثمر”، مشيراً إلى أنه سيلتقي شي في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ APEC المقرر في أكتوبر بكوريا الجنوبية.

وأعلن نائب وزير التجارة الصيني، لي تشنج قانج، الثلاثاء، أن البلدين توصلا إلى اتفاق إطاري بشأن معالجة قضية “تيك توك”، وتخفيف العوائق الاستثمارية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري.

“تيك توك”.. الخوارزميات تتطلب موافقة بكين

بينما لم تكشف أي من الجهتين تفاصيل محددة بشأن صفقة “تيك توك” خلال الاتصال، إلا أن شي أكد، خلال الاتصال، أن الحكومة الصينية تحترم إرادة الشركات وترحب بالمفاوضات التجارية وفق قواعد السوق، بما يتماشى مع القوانين الصينية ومراعاة المصالح المتبادلة، حسبما ذكرت الخارجية الصينية.

وخلال محادثات مدريد، قال وانج جينج ياو، نائب مدير إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين، إن الجانبين توصلا إلى توافق مبدئي بشأن احترام إرادة الشركات وقواعد السوق، من خلال حلول تشمل تشغيل بيانات مستخدمي تيك توك الأميركيين عبر طرف موثوق، وتأمين المحتوى، وترخيص استخدام الخوارزمية والملكية الفكرية.

وأضاف أن الحكومة الصينية ستراجع وتوافق على الأمور المتعلقة بـ”تيك توك”، مثل تصدير التكنولوجيا وترخيص الملكية الفكرية، وفقاً للقوانين واللوائح المعمول بها.

وفي حديث لـ”الشرق”، قال نائب رئيس جمعية الصين لدراسات منظمة التجارة العالمية، هوو جيانج هو، إن قضية “تيك توك” تشكل سابقة مهمة، مؤكداً أن أي تعاون تجاري مستقبلي بين الشركات الصينية والأميركية في قضايا مماثلة يجب أن يلتزم بالسياسات الصينية.

ويأتي هذا التقدم بعدما أعلن ترمب تمديد مهلة حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة للمرة الثانية في 17 سبتمبر، لتصبح حتى 16 ديسمبر، مما يفتح نافذة زمنية لاستكمال الاتفاق.

هل زاد مستوى التنسيق بين الصين وأميركا؟

أظهرت زيارة وفد من الكونجرس الأميركي إلى الصين، في وقت سابق هذا الشهر، تغيراً في نبرة العلاقات الثنائية، بحسب خبراء. ويُنظم هذه الزيارة النائب آدم سميث، الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، وتعد أول زيارة رسمية من نوعها منذ عام 2019.

وجاءت محادثات مدريد بعد سلسلة من الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث أجرى وزير الدفاع الصيني، دونج جون، مكالمة فيديو مع نظيره الأميركي بيت هيجسث في 9 سبتمبر، وتبعها اتصال بين وزير الخارجية الصيني وانج يي، ونظيره الأميركي ماركو روبيو، وُصفت بأنها “مثمرة وضرورية وفي الوقت المناسب”.

وأكد وانج يي، في بيان، أن البلدين “يجب أن يلتزما بالتوجيه الاستراتيجي من الرئيسين ويطبقا التوافق بالكامل”، مستشهداً بتحالفهما في الحرب العالمية الثانية، فيما دعا إلى التعاون لمواجهة التحديات العالمية.

من جانبه، حذّر دونج جون من أن “أي محاولات أميركية لدعم انفصال تايوان بالقوة أو استخدامها لاحتواء الصين، مصيرها الفشل”، وفق تعبيره.

وفي تصريح نادر، قال هيجسث إن “واشنطن لا تسعى إلى صراع أو تغيير النظام أو خنق بكين”، مشيراً إلى أن “أميركا تدرك الآن أن التأثير على الصين غير ممكن، وأنها لا تتراجع بل تتغير”، وهو ما وصفه تشاد سبراجيا، مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق، في حديث مع “الشرق” بأنه “غير معتاد”.

وفي حديث مع “الشرق”، أشار تشاو مينج هاو، نائب مدير مركز الدراسات الأميركية بجامعة فودان، إلى أن “دعم واشنطن لانفصال تايوان بالقوة” يعكس استياء بكين بشأن التلاعب الأميركي بقضية تايوان.

ورداً على تعليق سبراجيا، قال هوو شينبو، عميد معهد الدراسات الدولية ومدير مركز الدراسات الأميركية بجامعة فودان، إن “على الصين أن تراقب أفعال أميركا لا أقوالها”، مضيفاً أن “هدف واشنطن لا يزال المنافسة والاحتواء، وإن كان بأدوات جديدة”. وأكد أن “التعامل المستقبلي يجب أن يركز على السيادة والمساواة”.

رد شي على منشور ترمب بشأن “يوم النصر”

وخلال احتفالات يوم النصر ببكين، في الأسبوع الأول من سبتمبر، كتب ترمب منشوراً: “لقد مات العديد من الأميركيين في سعي الصين نحو النصر والمجد.. آمل أن يتم تكريمهم وتذكرهم بحق لشجاعتهم وتضحيتهم!”.

ورد شي قائلاً: “كانت الصين والولايات المتحدة حليفين قاتلا جنباً إلى جنب خلال الحرب العالمية الثانية، ولن ينسى الشعب الصيني الدعم القيّم من أميركا والدول الحليفة الأخرى”، مضيفاً أن “تكريم الأبطال وتذكر التاريخ أمران أساسيان لصون السلام وبناء مستقبل أفضل”.

وخلال الاتصال، قال شي إن الصين، في إحياء الذكرى الـ80 لانتصار بكين ضد “العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية”، دعت الصين عائلات الطيارين الأميركيين “النمور الطائرة” لحضور العرض من منصة “تيان آن من”.

يبقى السؤال: ما الخطوة التالية؟

تُعد محادثات مدريد الجولة الرابعة من نوعها التي تُعقد في دول ثالثة بعد جنيف ولندن وستوكهولم خلال 4 أشهر، وأسفرت عن توافق مبدئي بشأن “تيك توك، “وتخفيف محتمل لعوائق الاستثمار، وتعزيز التعاون التجاري.

مكالمة شي وترمب ومحادثات مدريد تمثلان “خطوة إيجابية”، لكنهما ليستا النهاية. فقد أرست محادثات مدريد الأساس، لكن العمل الحقيقي يبدأ الآن.

وقال تشاو مينج هاو، فإن التفاعلات المكثفة رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة تُعد “تنفيذاً ملموساً لتوافق الرئيسين”، و”إشارة إلى أن الجانبين قد يستعدان لجولة جديدة من التواصل بين القادة”.

شاركها.