تواجه شركة هولندية لبناء السفن، أزمات مالية وقانونية وسط اتهامات بالفساد وانتهاك العقوبات، ما يهدد جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز قدراته الدفاعية في مواجهة روسيا، وفق “بلومبرغ”.

وذكرت “بلومبرغ” أنه في فبراير من العام الجاري، دشنت وريثة العرش الملكي في هولندا، الأميرة أماليا هيكل، سفينة الدعم القتالي Den Helder بحضور كبار الشخصيات، وبينهم المديرون التنفيذيون من شركة شركة “دامن شيبياردز” Damen Shipyards لبناء السفن.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت التوقعات بالنسبة للشركة أقل تفاؤلاً، إذ اتهم مدعون عامون الشركة بالفساد وانتهاك العقوبات، وجمد أحد العملاء الرئيسيين، المدفوعات، وأدى النقص الحاد في السيولة النقدية إلى تدخل الحكومة الهولندية بحزمة دعم طارئة في يوليو الماضي.

هذه الانتكاسات أزعجت عملاء الشركة في دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا، ضخ مليارات الدولارات في مجال الدفاع لمواجهة روسيا.

ومن المقرر أن تبدأ الإجراءات القانونية بحلول نهاية العام الجاري، ويمكن أن تؤدي الأحكام بالإدانة، مع عقوبات تشمل الغرامات والمنع من المشاركة في المناقصات، إلى شل شركة “دامن”، وصناعة السفن الهولندية، وتعقيد طموحات القارة في إعادة التسلح.

“ضربة قوية” لصناعة السفن الهولندية

ونقلت “بلومبرغ” عن سيباستيان بينينك، الشريك في شركة محاماة، بينينك دنين واسوفيتش، في أمستردام: “ستكون ضربة قوية لصناعة السفن الهولندية” في حال إدانة شركة “دامن”، مشيرؤاً إلى “أهمية” الشركة لقدرات أوروبا العسكرية. 
 
وتوظف الشركة التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة جورينشيم، وهي مجموعة هائلة تضم 55 شركة حول العالم، نحو 12 ألف شخص على مستوى العالم وحققت إيرادات تزيد عن 3 مليارات يورو (3.6 مليار دولار) في عام 2023، وفق الحسابات المودعة لدى غرفة التجارة الهولندية.

ويرأس شركة بناء السفن، أرنوت دامن، الذي أعاد والده، كومر دامن، هيكلة الشركة العائلية في عام 1969، ويرأس الآن مجلس الإشراف عليها.

وتبني شركة “دامن” فرقاطتين حربيتين مضادتين للغواصات لهولندا، وفرقاطتين للبحرية البلجيكية، وفرقاطات F126 الألمانية (أكبر سفن أسطولها)، وتصمم فرقاطات دفاع جوي وفرقاطات قيادة جديدة للبحرية الهولندية وسفن نقل برمائية.

وقال نيك تشايلدز، الباحث في شؤون القوات البحرية والأمن البحري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إنه إذا لم تتمكن من تنفيذ هذه المشروعات، فسيكون من الصعب على الدول الصديقة أن تستعيد زمام الأمور في وقت حرج.

وأضاف تشايلدز: “لا يوجد سوى عدد محدود من شركات بناء السفن في أوروبا التي يمكنها تسليم سفن حربية معقدة عالية الجودة”.

سلسلة اتهامات ومحاكمات

وقالت دائرة الادعاء الهولندية في أبريل الماضي، إنها ستحيل شركة “دامن” إلى القضاء بعد تحقيقات جنائية منفصلة في الاشتباه في جرائم رشوة وتزوير وغسيل أموال بين عامي 2006 و2017، وبسبب انتهاك العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزو أوكرانيا في عام 2022.

وتتعلق تهمة انتهاك العقوبات بـ”سلع وتكنولوجيا يمكن أن تسهم في تعزيز روسيا عسكرياً وتكنولوجياً و/أو تطوير قطاع الدفاع والأمن فيها”، حسبما ذكر المدعون العامون في بيان صدر في أبريل.

تُعد الانتهاكات المتعمدة للعقوبات أو ضوابط التصدير جريمة في هولندا. ويمكن للقضاة فرض غرامة تصل إلى 10% من المبيعات السنوية للشركة إذا رأوا أن العقوبة المعتمدة التي تزيد قليلاً عن مليون يورو منخفضة للغاية. 

وأشار المحامي بينينك، إلى أن الإدانة الجنائية يمكن أن تمنع الشركة أيضاً من المشاركة في مناقصات العقود الأوروبية.

وتتضمن قضية العقوبات “توريد عدد محدود جداً من الرافعات المدنية إلى روسيا. وهذا التسليم حدث في إطار قانون العقوبات المعمول به في ذلك الوقت”، حسبما ذكرت شركة “دامن” في بيان، في أبريل الماضي. 

وقالت الشركة، إنها “تصرفت دائماً بموجب حزم العقوبات المعمول بها”، وأنها “تتوخى الشفافية الكاملة بشأن أنشطتها”، ورفض مسؤولون في “دامن” التعليق بما يتجاوز البيان.

وفي عام 2016، منع البنك الدولي شركة “دامن” من العمل في مشاريعها لمدة 18 شهراً، قائلاً إن الشركة ارتكبت احتيالاً من خلال عدم الكشف عن وكيل وعمولات في إطار برنامج مصايد الأسماك الإقليمي لغرب إفريقيا. 

وفي عام 2017، ذكرت وسائل إعلام محلية، أن أجهزة التحقيقات الضريبية الهولندية داهمت مقر شركة “دامن” في جورينشيم عل خلفية اتهامات بالفساد الخارجي.

ومن المقرر أن تبدأ محاكمة الفساد ضد شركة “دامن شيبياردز” في 24 نوفمبر المقبل، وتشمل محاكمة مديري الشركة السابقين والحاليين. وستبدأ المحاكمة المتعلقة بانتهاكات العقوبات قبل نهاية العام، ولكن لم يتم تأكيد التواريخ بعد.

إجراءات أوروبية

مؤخراً، جمّد المشرعون الألمان، دفعة بقيمة 671 مليون يورو لشركة “دامن”، مقابل 6 سفن من طراز F126 بعد أن فوّتت الشركة موعد التسليم. وتقول ألمانيا إنها تدفع نحو 9 مليار يورو مقابل الفرقاطات.

هذه الخطوة تركت الشركة في مواجهة ما تسميه “مشكلة مؤقتة في التدفق النقدي”.

وفي مؤشر على أهمية الشركة المصنعة للسفن، عندما عاد البرلمان الهولندي من عطلته الصيفية في يوليو الماضي، وافق على دعم “دامن” بمبلغ 270 مليون يورو، وقالت وزارة الدفاع الألمانية إن المشروع سيستمر.

في يونيو، وافق أعضاء حلف الناتو، على زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من إجمالي ناتجهم المحلي من 2%، بعد أن انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشكل متكرر حلفائه الأوروبيين بسبب نقص الإنفاق على الأمن.

وفي الوقت الراهن، تراجع الدول الأوروبية قدراتها البحرية نظراً للتهديد العسكري المتزايد من روسيا والقلق المتزايد بشأن الحاجة إلى تأمين البنية التحتية الضعيفة للغواصات.

واختارت النرويج مؤخراً بريطانيا للحصول على عقد فرقاطة بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني، وهو أكبر استثمار على الإطلاق في الدفاع عن البلد الاسكندنافي.

شاركها.