من المتوقع أن تحصل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على رسوم تقدر بمليارات الدولارات من المستثمرين، في صفقة “تيك توك”، في أحدث عملية من سلسلة صفقات حكومية مربحة مع القطاع الخاص، إذ تضمن الصفقة سيطرة الشركات الأميركية على 80% من عمليات تطبيق الفيديوهات القصيرة الصيني في الولايات المتحدة.
ونقلت “وول ستريت جورنال”، مساء الجمعة، عن أشخاص مطلعين على الصفقة، قولهم إن المستثمرين في صفقة “تيك توك” سيدفعون هذه الرسوم للحكومة الأميركية مقابل تسهيل التفاوض على الاتفاق مع الصين. وكان الرئيس ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج، وافقا بعد محادثة هاتفية، الجمعة، على إطار أولي للصفقة.
وقال ترمب، إن الطرفين اتفقا على إجراء مزيد من المحادثات على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي “أبيك”، الذي يبدأ في 31 أكتوبر المقبل في جيونججو بكوريا الجنوبية، وإنه سيزور الصين في أوائل العام المقبل.
وتعد موافقة بكين النهائية على الاتفاق الإطاري الذي توصل إليه الجانبان في وقت سابق من الأسبوع الجاري، إحدى العقبات التي كان على ترمب اجتيازها لإبقاء تطبيق “تيك توك” مفتوحاً دون حظره في الولايات المتحدة.
ولم يُحسم بعد الشكل النهائي للاتفاق أو حجم المبلغ، بينما تستمر المفاوضات، غير أنّ الرسوم قد تصل إلى مليارات الدولارات، وفق المصادر نفسها.
وكانت الحكومة الأميركية، وافقت مؤخراً على أن تصبح أكبر مساهم في شركة “إنتل” لصناعة الرقائق، وأن تحصل على 15% من مبيعات شريحة ذكاء اصطناعي تصنعها “إنفيديا” خصيصاً للسوق الصينية، مقابل منح تراخيص التصدير.
وكان ترمب ذكر أن الحكومة الفيدرالية قد تحصل على رسوم ضمن صفقة “تيك توك”، لكنه لم يوضح أنها قد تصل إلى مليارات الدولارات، وهو مبلغ ضخم للغاية نظير الترتيب لعقد الصفقة.
وقال ترمب، الجمعة، في المكتب البيضاوي: “لم يتم التفاوض بالكامل بعد، لكننا سنحصل على شيء”، مضيفاً أن حجم الصفقة والجهد والمال الذي بذلته الحكومة يبرر الحصول على تعويض.
وكان قد صرّح في اليوم السابق: “الولايات المتحدة تحصل على رسوم ضخمة، أسمهيا رسوماً إضافية، لمجرد إتمام الصفقة، ولا أريد أن أُهدر ذلك”.
رسوم غير مسبوقة
وعادةً ما يتلقى المصرفيون الاستثماريون الذين يقدمون استشارات بشأن الصفقات رسوماً تقل عن 1% من قيمة الصفقة، وتنخفض النسبة كلما ارتفع حجمها. وتُقدَّر قيمة عمليات “تيك توك” الأميركية بعدة مليارات من الدولارات، وفق نتيجة الصفقة النهائية؛ لكن تحصيل رسوم بمليارات الدولارات أمر غير مسبوق.
ويُنظر إلى المكونات الجيوسياسية في صفقة “تيك توك” باعتبارها “حالة استثنائية”، وهو ما استخدمه ترمب مبرراً لأخذ جزء من مبيعات شرائح “إنفيديا” الموجهة إلى الصين.
وبشكل تقليدي، لم تكن الحكومة تتقاضى أموالاً من الشركات مقابل موافقات تتعلق بالأمن القومي أو تراخيص التصدير، ويرى بعض المحامين أن مثل هذه الترتيبات قد تكون غير قانونية.
ويُعتبر هذا الترتيب غير المألوف لرسوم “تيك توك” جزءاً من مفاوضات شديدة التعقيد. وكان الكونجرس قد أقر العام الماضي قانوناً يحظر تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة الشهير في الولايات المتحدة خشية أن تتمكن الصين من الوصول إلى بيانات مستخدمين أميركيين.
وكان التطبيق على وشك أن يتوقف عن العمل، قبل أن يتدخل ترمب في بداية ولايته الثانية ويتعهد بإيجاد صفقة تنقل السيطرة على الشركة من “بايت دانس” الصينية إلى مستثمرين أميركيين.
وسيضع الاتفاق حداً لسنوات من الشكوك بشأن مستقبل “تيك توك” في أميركا، التي تعود إلى فترة إدارة ترمب الأولى.
وقال ترمب، الجمعة، من المكتب البيضاوي: “صفقة تيك توك تسير على الطريق الصحيح”.
تفاصيل الصفقة
ومن المنتظر أن تؤول السيطرة على أعمال “تيك توك” في الولايات المتحدة، إلى تحالف استثماري يضم شركة الحوسبة السحابية “أوراكل”، وشركة الأسهم الخاصة “سيلفر ليك”، و”أندريسن هورويتز”، بموجب إطار عمل يسعى الجانبان الأميركي والصيني لإنجازه، فيما تدخل المحادثات مرحلة حاسمة، وفق ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مطلعة.
وبحسب الترتيبات المطروحة للنقاش، سيجري تأسيس كيان أميركي جديد لتشغيل التطبيق، يمتلك المستثمرون الأميركيون فيه حصة تقارب 80%، أما المستثمرون الحاليون فسيحتفظون بنحو 30%، بينما ستتراجع حصة “بايت دانس” إلى أقل من 20% للامتثال للقانون.
وسيضم الكيان الجديد، مجلس إدارة تهيمن عليه شخصيات أميركية، مع عضو واحد يُعيّنه رسمياً الجانب الحكومي الأميركي، وسيُطلب من المستخدمين الحاليين في الولايات المتحدة الانتقال إلى تطبيق جديد، قامت “تيك توك” بإنشائه وتجربته بالفعل، بحسب المصادر.
وسيعمل مهندسو “تيك توك” على إعادة إنشاء خوارزميات التوصية بالمحتوى الخاصة بالتطبيق، باستخدام تكنولوجيا مرخّصة من الشركة الأم “بايت دانس.
ومن المقرر أن تتولى شركة البرمجيات الأميركية “أوراكل”، الشريك القديم لـ”تيك توك”، إدارة بيانات المستخدمين داخل منشآتها في ولاية تكساس.
وفي عام 2020، عندما حاول ترمب تسهيل بيع “تيك توك” لشركة “مايكروسوفت”، قال إنه ينبغي على الشركة أن تدفع لوزارة الخزانة الأميركية نظير تسهيل الصفقة.
وقال آنذاك: “الوضع يشبه إلى حد ما علاقة المالك بالمستأجر، فالمستأجر بلا عقد إيجار لا يملك أي حق، ولذلك يدفع ما يُعرف بـ(خلو المستأجر) أو مبلغاً مقابل الحصول على هذا الحق”.
مخاوف بشأن الأمن القومي
وكان ترمب امتنع عن تطبيق القانون (وحظر التطبيق) بعد تشريع من الكونجرس بقرار الحظر، بينما سعت إدارته للبحث عن مالك جديد، كما خشي الرئيس أن يؤدي حظر التطبيق إلى إغضاب قاعدة مستخدمي “تيك توك” الضخمة، وتعطيل الاتصالات السياسية.
وقال ترمب خلال مؤتمر صحافي، الخميس: “أنا أحب تطبيق تيك توك، فقد ساعد في انتخابي… تيك توك له قيمة هائلة. الولايات المتحدة لديها هذه القيمة في يدها لأننا نحن من يجب أن نوافق عليها”.
ولا تزال الأسئلة الرئيسية حول الصفقة قائمة. ومن غير الواضح هيكل الملكية الدقيق للشركة، أو مقدار السيطرة التي ستحتفظ بها الصين أو ما إذا كان الكونجرس سيوافق عليها.
ونقلت “رويترز” عن مصادر مطلعة على الصفقة، قولها إن “تيك توك” الأميركية ستظل تستخدم خوارزميات “بايت دانس”. ويثير هذا الترتيب قلق المشرعين من احتمال تجسس بكين على الأميركيين أو قيامها بعمليات تأثير من خلال التطبيق. وقالت الصين، إنه لا يوجد دليل على وجود تهديد للأمن القومي من قبل التطبيق.
وخلال ولايته الثانية، اتخذ ترمب سلسلة من الخطوات لزيادة نفوذ الحكومة على القطاع الخاص، ما أثار قلق بعض الجمهوريين المتخوفين من التدخلات المتكررة.
ويدرس مسؤولو إدارة ترمب، خطة لتحفيز بناء مصانع وبنى تحتية باستخدام مليارات الدولارات من صندوق أُنشئ خلال مفاوضات تجارية مع اليابان.
كما حصلت الحكومة على “سهم ذهبي” في صفقة استحواذ “نيبون ستيل” اليابانية على “يو إس ستيل”، يمنح ترمب الحق في تعيين عضو بمجلس إدارة الشركة. كما يشترط الحصول على موافقته لإتمام العديد من القرارات الاستراتيجية للشركة.