أعلنت وزارة الحرب الأميركية (البنتاجون) قواعد جديدة تُلزم الصحافيين بالتعهد بعدم جمع أي معلومات، بما في ذلك الوثائق غير المصنفة سرّية، ما لم يتم التصريح بنشرها مسبقاً، وإلا فإنهم يواجهون خطر سحب تصاريحهم الصحافية وفقدان اعتمادهم لتغطية الشؤون العسكرية، بحسب “بلومبرغ”، فيما اعتبر نادي الصحافة الوطنية القرار بمثابة “هجوم على الصحافة المستقلة”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
ويعد هذا القرار الجديد، الموصوف في مذكرة وُزّعت على الصحافة، الأحدث، في سلسلة إجراءات اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترمب للحد من قدرة وسائل الإعلام على تغطية شؤون الحكومة الفيدرالية دون تدخل.
وأكدت الوزارة في المذكرة المكونة من 17 صفحة أنها “لا تزال ملتزمة بالشفافية لتعزيز المساءلة والثقة العامة”، لكنها أضافت أن “المعلومات يجب أن تُوافق عليها جهة مُصرحة مُختصة للنشر العام قبل نشرها، حتى لو كانت غير سرية”.
وجاء في المذكرة أن الصحافيين سيكون عليهم توقيع استمارة من 10 صفحات كشرط للحصول على بطاقة صحافية أو الاحتفاظ بها لتغطية وزارة الدفاع.
ويطلب التعهد الجديد من الصحافيين الإقرار كتابياً بأن الحصول على معلومات غير مُصرّح بها أو استخدامها يُعدّ سبباً “للتعليق الفوري” للوصول إلى الوزارة.
وجاء في المذكرة أيضاً: “لا يُمنح حق الوصول إلى (المعلومات المصنفة سرّية للأمن القومي) إلا للأشخاص المخوّلين الذين حصلوا على موافقة أهلية للوصول، ووقعوا على اتفاقيات عدم إفشاء معتمدة، ويملكون مصلحة مباشرة ومعترف بها للاطلاع عليها”.
وبتوقيعها، يوافق الصحافيون على أن أي معلومة تخص البنتاجون “يجب أن تتم الموافقة على نشرها من قِبل مسؤول مختص قبل إصدارها، حتى وإن كانت غير سرية”.
وقد عرّف المعلومات المحظورة بأنها تشمل “المواد السرية والمعلومات غير السرية الخاضعة للرقابة، وهي فئة مُعرّفة بشكل واسع تشمل المواد التي قد تُشكّل خطراً على الأمن القومي، حال نشرها للجمهور”.
وبالإضافة إلى ذلك، تُقيّد المذكرة حركة وسائل الإعلام داخل الوزارة نفسها، حيث تُحدّد مساحات كبيرة من المبنى محظورة على حوالي 90 مراسلاً مُعتمداً لتغطية شؤون الوزارة دون حراسة.
البنتاجون والصحافيين
ورغم أن العديد من المكاتب وقاعات الاجتماعات مقيدة في الوزارة، فقد تم في السابق منح طاقم الصحافة إمكانية الوصول دون حراسة إلى معظم المبنى وممراته، إذ قد تُقيّد هذه الخطوة تدفق المعلومات المتعلقة بالجيش الأميركي إلى الجمهور بشكل كبير.
ولتبرير هذا التقييد الجديد، تقول وزارة الحرب الأميركية إنه ضروري لحماية المعلومات المصنفة سرّية للأمن القومي، إضافة إلى أي معلومات تُصنّف بأنها “معلومات غير سرية لكن محكومة بالرقابة”.
وقال شون بارنيل، الناطق باسم الوزارة، في بيان، إن هذه الإرشادات “تتماشى بالفعل مع كل قاعدة عسكرية أخرى في البلاد”، مضيفاً أنها “إرشادات أساسية وبديهية لحماية المعلومات الحساسة”.
ولم يُجب بارنيل على استفسار حول سبب إصدار الإرشادات الآن أو ما إذا كان للبيت الأبيض دورٌ في قرار تطبيقها، إذ ليس من الواضح ما إذا كان الحظر سيشمل طلب معلومات من موظفي الوزارة أو طلب تأكيد أو تعليق على مواد جُمعت بوسائل أخرى.
وقال البيت الأبيض إنه سيتولى اختيار الصحافيين الذين يُسمح لهم بتغطية أخبار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أماكن محددة مثل المكتب البيضاوي والطائرة الرئاسية.
هجوم على الصحافة المستقلة
في المقابل، صرحت رابطة الصحافة في وزارة الحرب الأميركية، في بيان، بأنها “على علم بالتوجيهات الجديدة الصادرة اليوم بشأن دخول البنتاجون بموجب شارة رسمية، وهي بصدد مراجعتها”.
ووصف “نادي الصحافة الوطني” هذه السياسة بأنها “هجوم مباشر على الصحافة المستقلة”، ودعا إلى إلغائها فوراً.
وفي مؤسسة “حرية الصحافة”، قال سيث ستيرن إن الحكومة “ممنوعة قانوناً من مطالبة الصحفيين بالتنازل عن حقهم في التحقيق مع الحكومة مقابل الحصول على إذن أو أوراق اعتماد”.
وأضاف ستيرن: “تُمثل هذه السياسة قيداً مسبقاً على النشر، وهو ما يُعتبر أخطر انتهاكات التعديل الأول. لا يمكن للحكومة منع الصحفيين من الوصول إلى المعلومات العامة لمجرد ادعائها أنها سرية أو حتى تُشكل تهديداً للأمن القومي”.
وحذرت منظمة “مراسلون بلا حدود” من “تدهور مثير للقلق في حرية الصحافة” في الولايات المتحدة بعهد ترمب، فضلاً عن الصعوبات “غير المسبوقة” التي يواجهها الصحفيون.
وأصدرت صحيفة “نيويورك تايمز” بياناً، قالت فيه إن هذه القيود “تتعارض بشكل صارخ مع الضمانات الدستورية لحرية الصحافة في النظام الديمقراطي”.
كما انتقد نواب محافظون السياسة الجديدة، فكتب النائب الجمهوري دون بيكون من نبراسكا على “إكس” أن هذه السياسة “غبية جداً” لدرجة أنه وجد صعوبة في تصديقها.
وأضاف: “لا نريد مجموعة صحف على طريقة برافدا (في إشارة إلى صحيفة روسية تصدر منذ العهد السوفيتي) تروّج فقط للموقف الرسمي للحكومة.. الصحافة الحرة تجعل بلدنا أفضل”.
وزارة الحرب ووسائل الإعلام
وتعكس علاقة وزارة الحرب المتوترة مع وسائل الإعلام موقفاً سائداً طوال فترة إدارة ترمب، فقد حدّ البيت الأبيض مراراً من الوصول إلى وسائل الإعلام بسبب التغطية التي لا تُعجبه، ورفع الرئيس دعاوى قضائية ضد العديد من المؤسسات الإخبارية، بما في ذلك صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز”، بسبب تغطيتها.
وفي أعقاب اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك الأسبوع الماضي، هدد رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، بريندان كار، محطات التلفزيون بـ”غرامات أو إلغاء تراخيص” إذا استمرت في بث برنامج جيمي كيميل المسائي على قناة ABC، وذلك بعد أن أدلى الكوميدي بتعليقات فسرها البعض على أنها “انتقادات لحركة (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً)”.
وفي أبريل، ألغى البيت الأبيض إمكانية وصول مراسلي وكالات الأنباء إلى المجموعة الصحفية المرافقة للرئيس، بعد أن أمرت محكمة فدرالية الإدارة بإعادة اعتماد وكالة الأسوشييتد برس.
وتحت إشراف وزير الحرب، بيت هيجسيث، فرضت الوزارة سلسلة من القيود على قدرة وسائل الإعلام الإخبارية على تغطية الشؤون العسكرية، بدءاً من القرار الصادر في أواخر يناير بسحب أربع وسائل إعلام من مكاتبها لصالح مصادر إخبارية.
كما اتخذ هيجسيث موقفاً عدائياً بشكل متزايد تجاه الصحافة، متهماً الصحافيين مراراً بمحاولة “تخريب” أجندة ترمب من خلال نشر معلومات سربها موظفون سابقون ساخطون.
من جانبه، اقترح ترمب على الصحافيين، الخميس، معاقبة وسائل الإعلام على التغطية السلبية لرئاسته، قائلاً: “إنهم لا يقدمون لي سوى دعاية سيئة أو تغطية صحفية سيئة (…) أعني، إنهم يحصلون على ترخيص، أعتقد أنه ربما يجب سحب ترخيصهم”.
وكانت الوزارة محوراً لتدقيق الصحافة هذا العام، حيث كشفت وسائل الإعلام أن الوزير هيجسيث كشف عن خطط حربية سرية في محادثة جماعية خاصة ضمت مراسلاً، وأن الوزير دعا الملياردير إيلون ماسك لحضور إحاطة حول خطط الحكومة السرية للغاية في حال اندلاع حرب مع الصين.
ومؤخراً، أثارت التغطية الإخبارية تساؤلات حول قانونية ضربتين عسكريتين على قاربين فنزويليين أسفرتا عن سقوط 14 شخصاً.