تمتلك الصين بالفعل أكبر أسطول بحري في العالم، ورغم هذا التفوق العددي، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بتفوق نوعي وكمّي فيما يخص الغواصات وحاملات الطائرات.
غير أن أحدث التحليلات الأمنية تشير إلى أن الصين تقترب من سد الفجوة في أحد هذه المجالات، وتحديداً في ميدان الحرب تحت سطح البحر، سواء من حيث الكم أو الجودة، وفق EurAsian Times.
وبحلول عام 2030، لن تتمتع الصين بتفوق على الولايات المتحدة في عدد الغواصات فحسب، بل ستصبح غواصاتها ستصبح أكثر هدوءاً وسرعة، وقادرة على حمْل أسلحة متطورة وأجهزة استشعار أفضل، مع قدرة على البقاء تحت الماء لفترات أطول.
تغيّر ميزان القوى بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ
وقد يؤدي التقدم السريع الذي أحرزته الصين في تكنولوجيا الغواصات إلى تغيير ميزان القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، قد تكون تايوان هي بؤرة التوتر التالية، حيث تعهدت الصين بإعادة توحيدها مع البر الرئيسي بـ”القوة إذا لزم الأمر”.
وفي السنوات الأخيرة، قال مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى إن “الصين ستغزو تايوان بحلول عام 2027″، إلا أن بكين تنفي وجود أي موعد نهائي لذلك.
وسينطوي أي صراع محتمل على تايوان، الجزيرة ذات الحكم الذاتي، على دور أكبر للبحرية، حيث سيلعب أسطول الغواصات والمنصات المسيّرة تحت الماء دوراً حاسماً.
ورغم هذه المعطيات، فإن هناك خيارات محدودة أمام الولايات المتحدة، إذ أن قدرات بناء السفن والغواصات لديها في تراجع منهجي منذ عقود، ولا يمكن عكس هذا الاتجاه في سنوات قليلة.
القدرات البحرية.. الصين في مواجهة أميركا
بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، تمتلك الصين الآن أكبر قوة بحرية قتالية في العالم، حيث تمتلك 234 سفينة حربية، مقابل 219 للبحرية الأميركية.
ويشمل هذا العدد جميع السفن والغواصات الصينية النشطة والمسلحة بصواريخ أو طوربيدات والتي يتجاوز إزاحتها 1000 طن متري، بما في ذلك 22 كورفيتاً مسلحاً بالصواريخ تم نقلها مؤخراً إلى خفر السواحل الصيني، دون احتساب نحو 80 زورق دورية صغيراً مسلحاً بالصواريخ تديرها البحرية الصينية.
وتدعم هذه النتيجة أيضاً ورقة بحثية أصدرها الكونجرس الأميركي بعنوان: “تحديث البحرية الصينية: الآثار المترتبة على قدرات البحرية الأميركية” ونُشرت في أبريل من العام الجاري.
وجاء في الورقة: “تُعد البحرية الصينية، بفارق كبير، الأكبر في شرق آسيا، وبين عامَي 2015 و2020 تجاوزت البحرية الأميركية من حيث عدد السفن القتالية، أي تلك التي تُحتسب ضمن حجم القوة القتالية للبحرية الأميركية”.
وتؤكد وزارة الدفاع (الحرب) الأميركية أن “البحرية الصينية هي الأكبر في العالم، بأسطول قتالي يزيد على 370 منصة قتالية، تشمل السفن السطحية الرئيسية، والغواصات، وسفن الإنزال البرمائية، وسفن حرب الألغام، وحاملات الطائرات، وسفن الدعم”.
وتتوقع الوزارة أن “يزداد إجمالي الأسطول القتالي للبحرية الصينية إلى 395 سفينة بحلول 2025، و435 سفينة بحلول 2030. أما البحرية الأميركية فقد ضمت 296 سفينة قتالية حتى 30 سبتمبر 2024، وتُقدّر ميزانية 2025 أن يصل العدد إلى 294 سفينة بحلول نهاية 2030”.
وبحسب الورقة البحثية، كان للولايات المتحدة في عام 2004 تفوق عددي بلغ 76 سفينة على الصين. وفي 2014، تجاوزت الصين الولايات المتحدة في حجم الأسطول، وبحلول 2023 تقدمت الصين بفارق 41 سفينة.
تفوق أميركي
ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بتفوق تقني وعددي فيما يتعلق بحاملات الطائرات والغواصات.
تمتلك البحرية الأميركية 11 حاملة طائرات، جميعها تعمل بالطاقة النووية، بينما تمتلك الصين حالياً حاملتَي طائرات عاملتين، بينما تخضع الثالثة لتجارب بحرية، ولم تبنِ بعد أي حاملة طائرات نووية، رغم وجود تقارير تشير إلى أن الحاملة الرابعة (Type 004) التي لم تدخل الخدمة بعد قد تعمل بالطاقة النووية.
ومن غير المتوقع أن تضيق الصين الفجوة مع الولايات المتحدة في مجال حاملات الطائرات لعقود قادمة، لكن في ميدان الحرب تحت سطح البحر، قد تكون بكين أقرب من أي وقت مضى لسد الفجوة مع واشنطن.
قدرات الغواصات
ووفقاً لمبادرة التهديد النووي (NTI)، تمتلك البحرية الأميركية 71 غواصة، جميعها تعمل بالطاقة النووية، وتتضمن هذه القائمة 14 غواصة قادرة على إطلاق صواريخ باليستية (SSBNs)، و53 غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية (SSNs)، وأربع غواصات تطلق صواريخ موجهة (SSGNs).
في المقابل، تمتلك الصين 60 غواصة، منها 12 نووية، و6 غواصات صواريخ باليستية (SSGNs)، و6 غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية (SSNs)، و48 غواصة هجومية تعمل بالديزل والكهرباء (SSKs)، 12 منها مزودة بتقنية الدفع المستقل عن الهواء (AIP)، ما يجعلها أكثر هدوءاً وتستطيع البقاء تحت الماء لفترة أطول.
وعلى الرغم من أن الصين لم تقم حتى الآن بتشغيل حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، إلا أن لديها خبرة تمتد إلى ما يقرب من نصف قرن في بناء الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
أول غواصة نووية صينية
دخلت أول غواصة نووية صينية الخدمة عام 1974، لكنها كانت صاخبة وبطيئة، ومنذ ذلك الحين حققت بكين تقدماً كبيراً في تطوير غواصاتها النووية، التي أصبحت اليوم أكبر حجماً وأكثر هدوءاً وسرعة.
كانت الغواصة النووية الأولى من طراز 091 (Han-class)، ثم استُبدلت بالغواصة النووية الهجومية Type 093 (Shang-class)، التي جرى تطويرها بمساعدة روسية لمعالجة أوجه القصور في طراز 091، خاصة في تقليل الضوضاء ورفع الكفاءة القتالية.
ودخلت أول غواصة من طراز Type 093 الخدمة مطلع الألفية، مع تحسينات في الديناميكا المائية، وانخفاض الضوضاء، وزيادة القدرة على التحمل.
وشملت النسخ الأحدث من طراز 093، مثل 093A و093B، أنظمة إطلاق عمودي للصواريخ (VLS) لعدة أنواع من صواريخ كروز، في سابقة للغواصات الصينية الهجومية.
قفزة تكنولوجية
وعلَّق برنت سادلر، الضابط السابق في البحرية الأميركية وزميل الأبحاث بمؤسسة Heritage، لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “قد تكون الصين على أعتاب قفزة تكنولوجية في عمليات الغواصات، حيث ستصبح غواصاتها أكثر هدوءاً بشكل كبير ويصعب تتبعها”.
وفي السنوات الأخيرة، حققت الصين تقدماً ملحوظاً في الغواصات النووية، التي تمنحها سرعة أكبر ونطاقاً أطول وقدرة على البقاء تحت الماء، ما يوسع مدى عمل بحرية الصين.
وتشمل النماذج الجديدة قيد التطوير طراز Type 095، الذي يتوقع محللون أن يحتوي على أنابيب إطلاق عمودي لصواريخ كروز، بحسب تقرير “وول ستريت جورنال”.
وقال كريستوفر كارلسون، وهو قبطان متقاعد في احتياطي البحرية الأميركية ومهندس سابق في البنتاجون: “سيكون طراز Type 095 غواصة هادئة للغاية، ما سيعقد الأمور بشكل كبير”.
وبحسب معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني، فإن قدرات الغواصتين النوويتين الجديدتين للصين، من طراز Type 095 وType 096، تضاهي تلك المستخدمة لدى الولايات المتحدة وروسيا.
وتتمتع الغواصة النووية من طراز Type 095 بقدرة إبحار ذاتية تصل إلى نحو 90 يوماً، ويمكنها حمْل 24 طوربيداً، و16 وحدة إطلاق عمودي، وهي مجهزة بصواريخ YJ-18 المضادة للسفن، وصواريخ كروز الهجومية البرية CJ-10، وصواريخ HQ-10 المضادة للطائرات.
صراع القوة بين بكين وواشنطن
لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بتفوق عددي وتقني على الصين في مجال الغواصات، إلا أن معظم الغواصات الأميركية تعود إلى حقبة الحرب الباردة، والعديد منها يقترب من التقاعد.
في المقابل، تستعد الصين لإضافة المزيد من الغواصات سنوياً مقارنة بالولايات المتحدة، ما يعني أن قوة الغواصات الصينية ستتفوق بشكل كبير على نظيرتها الأميركية في المستقبل.
وبحسب خطة البحرية الأميركية طويلة المدى لعام 2025، ستتراجع قوة الغواصات الأميركية إلى 47 غواصة بحلول نهاية هذا العقد، ومن غير المتوقع أن تصل إلى 66 غواصة قبل عام 2054.
وتواجه أحواض بناء الغواصات الأميركية صعوبات في إنتاج حتى غواصتين من طراز “فرجينيا” (Virginia) سنوياً، وهو الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على حجم الأسطول الحالي، بحسب ورقة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) العام الماضي، والتي أشارت إلى أن تراجع الهيمنة البحرية الأميركية يصعب عكسه، إذ يرتبط باتجاهات اقتصادية وصناعية بطيئة تراكمت على مدى عقود.
في المقابل، من المتوقع أن ترتفع قوة الغواصات الصينية في السنوات المقبلة. وتقدّر وزارة الدفاع الأميركية في تقريرها لعام 2023 أن الصين سترفع عدد غواصاتها إلى 80 وحدة بحلول 2035، منها نحو 20 غواصة نووية.
ويؤكد تقرير CSIS لعام 2024 أن تكنولوجيا الغواصات الصينية تشهد تطوراً سريعاً، وأن قدرة الصين الإنتاجية في هذا المجال تتزايد.
وبحسب محللين، أضافت الصين بين 7 و8 غواصات من طراز Type 093-B خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، وهو معدل إنتاج يفوق عدد غواصات الهجوم التي بنتها بكين خلال العقود الثلاثة الماضية.
ومع احتساب الغواصات التقليدية، مثل الطراز الجديد Type 093C، فإن العدد الإجمالي للغواصات التي أطلقتها الصين في السنوات الثلاث الماضية يتجاوز 15 غواصة، ما يبرز قدرتها في بناء الغواصات.
هل تعني الأعداد الأكبر تحقيق النصر؟
من المرجح أنه بحلول 2030، ستتجاوز البحرية الصينية نظيرتها الأميركية من حيث أسطول الغواصات. ومع ذلك، فإن ازدياد عدد الغواصات لا يعني بالضرورة هيمنة بحرية كاملة.
تتمتع البحرية الأميركية بخبرة قتالية واسعة ووقت أطول في البحر مقارنة بالبحرية الصينية، كما تتمتع الولايات المتحدة بتحالفات أقوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أكثر من الصين.
وفي أي صراع محتمل مع الصين، قد تحصل الولايات المتحدة على مساعدة من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وحتى الفلبين.
وعلاوة على ذلك، ستظل الولايات المتحدة متفوقة على الصين في حاملات الطائرات والغواصات النووية، لكن صعود قوة الغواصات الصينية يظل مصدر قلق بالغ للبحرية الأميركية.