رفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في خطاب مطول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء، تحركاً عالمياً نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، فيما اتهم الصين والهند بتمويل حرب أوكرانيا عبر شراء النفط الروسي، مهدداً بفرض عقوبات صارمة على موسكو.
وفي خطاب شامل استغرق 56 دقيقة، انتقد ترمب بشدة الأمم المتحدة والدول الأوروبية، مؤكداً ضرورة الحد من الهجرة العالمية، ودعا قادة العالم إلى التخلي عن جهود مكافحة تغير المناخ، التي وصفها بأنها “أكبر عملية احتيال في العالم”.
واعترفت فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال رسمياً بدولة فلسطينية خلال اليومين الماضيين. وجاءت هذه الخطوات انطلاقاً من استياء هذه الدول من الحرب الإسرائيلية في غزة، بهدف دعم حل الدولتين، لكنها أثارت غضب إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
دعوة لإنهاء حرب غزة
وقال ترمب إنه يعمل على التوصل إلى وقف إطلاق نار “فوري” في غزة، متهماً حركة “حماس” برفض “عروض معقولة للسلام”.
وأضاف: “شاركت بشكل عميق في جهود السعي لوقف إطلاق النار في غزة، وعليّ أن أفعل ذلك. للأسف، رفضت حماس مراراً عروضاً معقولة لصنع السلام”.
وزعم أن “الاعتراف الأحادي” بدولة فلسطينية سيكون “مكافأة لحماس”، داعياً إلى توحيد الجهود لإطلاق سراح المحتجزين. وأكد: “علينا أن نوقف الحرب في غزة فوراً، وأن نتفاوض من أجل السلام، وأن نستعيد المحتجزين”.
ولاحقاً، ردت “حماس” في بيان على ترمب، موضحة أنها “لم تكن يوماً عقبة في طريق الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وإنها قدمت في سبيل ذلك كل المرونة والإيجابية اللازمة”.
حرب أوكرانيا
ويشكل تحذير ترمب لروسيا أحدث محاولاته للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي رفض مناشدات الرئيس الأميركي بالانسحاب من أحدث وأكبر حرب تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وأبدى ترمب رغبته في أن يتخذ حلفاء الولايات المتحدة نفس الإجراءات التي يقترحها ضد روسيا للضغط على بوتين.
وقال: “في حال أن روسيا ليست مستعدة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، فالولايات المتحدة مستعدة لفرض مجموعة قوية جداً من الرسوم الجمركية، التي أعتقد أنها ستوقف إراقة الدماء بسرعة كبيرة”.
وأضاف أنه “يتعين على الدول الأوروبية، المجتمعة كلها هنا، الانضمام إلينا واتخاذ نفس الخطوات” لكي تكون هذه التدابير فعالة.
ولم يوضح ترمب تفاصيل هذه الإجراءات، لكنه يفكر في حزمة عقوبات تستهدف الدول التي تتعامل تجارياً مع روسيا، مثل الهند والصين. أما الدول الأوروبية الرئيسية التي تشتري النفط الروسي فهي المجر وسلوفاكيا وتركيا.
واتهم ترمب الصين والهند بـ”تمويل الحرب” عبر شراء النفط الروسي، لكنه أضاف: “لسبب غير مبرر، يواصل بعض أعضاء الناتو استيراد منتجات الطاقة الروسية.. تخيلوا، إنهم يمولون الحرب ضد أنفسهم”.
الأمم المتحدة في مرمى ترمب
وخلال الخطاب، انتقد ترمب بشكل لاذع الأمم المتحدة، ما يعكس نهجه المعتاد في مهاجمة المنظمة الدولية، كما كان يفعل خلال فترة رئاسته الأولى.
وقال إنّه استعرض ما يصفه بإنجازات إدارته خلال الأشهر الثمانية الأولى من ولايته الحالية، منتقداً في الوقت نفسه الأمم المتحدة لما اعتبره تقاعساً عن أداء دور فعّال في إنهاء النزاعات الدولية.
وافتتح ترمب كلمته بالإشارة إلى تعطل جهاز التلقين الإلكتروني أثناء خطابه، قائلاً إنه يفضل الحديث من دون الجهاز لأنه “يعكس الكلام من القلب”، كما تحدث عن حادثة تعرض فيها مع السيدة الأولى ميلانيا ترمب لتوقف سلم كهربائي داخل مقر الأمم المتحدة، معتبراً أن ذلك مؤشراً على “سوء إدارة المنظمة”.
وسأل ترمب في بداية خطابه: “ما هو الهدف من الأمم المتحدة إذا لم تكن موجودة لإنهاء النزاعات الكبرى؟”، مشيراً إلى أن المنظمة تمتلك إمكانات هائلة لكنها “لا تستغلها”.
وقال إنّ ستّ سنوات مضت منذ خطابه الأخير في هذه القاعة، لافتاً إلى أنّ العالم حينها كان “مزدهراً وينعم بالسلام”، قبل أن تتحول تلك المرحلة إلى “أزمة كبرى بسبب الإدارة السابقة”، على حدّ قوله.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة “لم تكن موجودة عندما احتاجها العالم”، متسائلاً عن دورها في حل النزاعات، وقال: “الكلمات الفارغة لا تنهي الحروب، الذي ينهي الحروب هو التحرك”.
ويرى أن الولايات المتحدة كانت “في مأزق عميق قبل عام واحد”، لكنه أضاف أن البلاد “اليوم، بعد 8 أشهر فقط من ولايتي، هي الدولة الأكثر ازدهاراً في العالم، ولا توجد دولة قريبة منا”، على حد قوله.
ملف الهجرة والحدود
وانتقل ترمب إلى قضية الهجرة، حيث لفت إلى أن بلاده نجحت في “صد غزو هائل” عبر الحدود الجنوبية. وقال إن عدد المهاجرين غير الشرعيين الداخلين إلى الولايات المتحدة خلال الأشهر الأربعة الماضية كان “صفراً”، مشيراً إلى أن سياسة إدارته واضحة: “من يدخل بلادنا بشكل غير قانوني سيذهب إلى السجن أو سيُعاد إلى بلاده”.
وشكر ترمب دولة السلفادور على تعاونها في استقبال عدد من المرحّلين، موجهاً انتقادات إلى إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي اتهمها بالسماح لملايين من المهاجرين “من السجون والمصحات العقلية وتجار المخدرات” بدخول الولايات المتحدة.
إعادة الهيبة
وقال ترمب، إن “أميركا عادت لتُحترم كما لم تُحترم من قبل”، مضيفاً أن بلاده كانت “أضحوكة قبل عامين أو ثلاثة أو أربعة”.
وأشار إلى أن قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو الماضي، شهدت التزام الأعضاء بزيادة الإنفاق الدفاعي من 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي “بطلب مني”، على حد قوله.
كما تحدث عن زيارته إلى الشرق الأوسط في مايو الماضي، حيث التقى قادة السعودية وقطر والإمارات ودول أخرى، مؤكداً أن العلاقات مع هذه الدول أصبحت “أقرب من أي وقت مضى”.
وقال: “في مايو، سافرت إلى الشرق الأوسط لزيارة أصدقائي وإعادة بناء شراكاتنا في الخليج، وهذه العلاقات القيّمة مع السعودية وقطر والإمارات ودول أخرى هي الآن، في اعتقادي، أوثق من أي وقت مضى”.
انتهاء 7 حروب
وكرر ترمب انتقاداته للأمم المتحدة بسبب ما وصفه بـ”تقاعسها” عن دعم جهود السلام التي تقودها واشنطن، وقال إنه نجح في حل صراعات عالمية عديدة دون مساعدة من المنظمة الدولية.
وأضاف ترمب: “أنهيت سبع حروب، وتعاملت مع زعماء كل من هذه الدول، ولم أتلق حتى مكالمة هاتفية من الأمم المتحدة تعرض المساعدة في إتمام أي اتفاق”، مضيفاً أن المنظمة تكتفي بـ”كتابة رسائل شديدة اللهجة لا تنهي الحروب”.
وجدد ترمب قوله إنه “نجح” في إنهاء 7 نزاعات مسلحة خلال 7 أشهر، وهي: “كمبوديا وتايلاند”، “كوسوفو وصربيا”، و”الكونغو ورواندا”، و”باكستان والهند”، و”إسرائيل وإيران”، و”مصر وإثيوبيا”، و”أرمينيا وأذربيجان”.
وأوضح أن بعض هذه النزاعات استمر 31 عاماً، وآخر 36 عاماً، وواحد منها 28 عاماً. وتابع: “لم يقم أي رئيس أو رئيس وزراء أو أي دولة أخرى بعمل شيء قريب من ذلك، وأنا فعلته في 7 أشهر فقط”.
منشآت إيران النووية
وكشف ترمب أنه بعد توليه منصبه مباشرة، أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي تضمن وفق وصفه “عرضاً سخياً” بوقف البرنامج النووي مقابل التعاون الكامل، لكن “إيران ردّت بمواصلة تهديداتها”.
وشدد: “موقفي بسيط جداً، لا يُمكن أبداً السماح للراعي- كما يصفه- الأول للإرهاب في العالم بامتلاك أخطر الأسلحة”.
وأضاف أن معظم القادة العسكريين الإيرانيين السابقين “لم يعودوا على قيد الحياة”، لافتاً إلى أن العملية الأميركية التي حملت اسم “مطرقة منتصف الليل” جرى فيها قصف منشأة نووية رئيسية بـ14 قنبلة زنة 30 ألف رطل لكل منها، ما أدى إلى “تدمير كل شيء”، على حد قوله.
وذكر أن هذه الضربة أدت إلى إنهاء “حرب الـ12 يوماً” بين إيران وإسرائيل بعد اتفاق الطرفين على وقف القتال، في يونيو الماضي.
إنجازات داخلية
وعدد ترمب ما وصفه بإنجازات إدارته، قائلاً إن أميركا تتمتع حالاً بـ”أقوى اقتصاد وحدود وجيش وصداقات وروح وطنية في العالم”، معتبراً أن البلاد دخلت “العصر الذهبي”.
وذكر ترمب، أنه “هزم” التضخم، وأن أسعار الطاقة والبنزين والسلع الغذائية “تراجعت”، في حين ارتفعت سوق الأسهم إلى “مستويات قياسية”، على حد وصفه.
وأشار إلى أن أجور العمال ارتفعت بأسرع وتيرة منذ 6 عقود، وأن الولايات المتحدة استقطبت أكثر من 17 تريليون دولار من الاستثمارات الجديدة خلال الأشهر الثمانية الأولى من ولايته، مقارنة بأقل من تريليون دولار خلال أربع سنوات في عهد الرئيس جو بايدن.
تغير المناخ “أكبر عملية خداع” عالمية
وفي ملف المناخ، وصف ترمب تغير المناخ بأنه “أكبر عملية خداع” في العالم، مؤكداً تشكيكه في المبادرات البيئية العالمية والمؤسسات متعددة الأطراف.
ويقول العلماء إن ظاهرة تغير المناخ حقيقية وتزداد سوءاً لأسباب معظمها من صنع البشر. ويشيرون إلى ارتفاع درجات الحرارة والعواصف القوية وذوبان الجليد على أنها دلائل واضحة على تغير المناخ.
وحذرت منظمات منها الأمم المتحدة من أن الانتظار طويلاً قبل التحرك لمواجهة هذه الظاهرة ربما يتسبب في أضرار جسيمة للكوكب والبشر.
وتحدث ترمب عن تغير المناخ لعدة دقائق، منتقداً الاتحاد الأوروبي بسبب خفض انبعاثات الكربون التي يقول إنها أثرت على اقتصاد التكتل، ومحذراً الدول التي تستثمر بكثافة في الطاقة المتجددة من أن اقتصاداتها ستعاني.
وقال ترمب أمام الجمعية العامة: “في رأيي، إنها أكبر عملية خداع ارتكبت على الإطلاق عالمياً… كل هذه التنبؤات التي قدمتها الأمم المتحدة والعديد من الجهات الأخرى، وغالباً لأسباب غير وجيهة، كانت خاطئة”.
وأضاف: “وضعها أشخاص أغبياء كلفوا بلدانهم أموالاً طائلة دون أن يمنحوا تلك البلدان ذاتها أي فرصة للنجاح”.
وبمجرد أن تولى ترمب منصبه في يناير الماضي، انسحبت الولايات المتحدة للمرة الثانية من اتفاقية باريس لعام 2015 التي وافقت عليها 195 دولة سعياً لعدم ارتفاع درجات الحرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، لتنضم الولايات المتحدة بذلك إلى قائمة كانت تقتصر على اليمن وإيران وليبيا.